هشام النجار يكتب: الطلاق الشفهي والإرهاب.. رؤية تجديدية

ذات مصر

من المفكرين العرب الذين أواظب على مطالعة إنتاجهم وإبداعاتهم الفكرية وما يطرحونه من رؤى وتصورات معمقة وغير تقليدية لمختلف الإشكالات والمعضلات على الساحة، المفكر الإماراتي القدير علي محمد الشرفاء الحمادي، الذي جمع بين كونه رجل دولة متمرس وصل إلى أهم المراكز فيها، وكونه مفكرًا حصيفًا يمتلك أدواته وهو ما انعكس على المستويات المتقدمة التي ميزت طرحه التنويري الهادف لإحلال الأمن والسلام في المجتمع واقتلاع الإرهاب والتطرف والرجعية والتفكك والتشرذم المجتمعي من جذورها.

طالعت مؤخرًا كتاب المفكر القدير على محمد الشرفاء الحمادي بعنوان (الطلاق يهدد أمن المجتمع)، فاكتشفت أطروحات تجديدية متقدمة تعزي انتشار ظاهرة التطرف والإرهاب –ضمن عوامل أخرى- إلى تفكك الأسر وتشرد الأطفال بسبب انتشار ظاهرة الطلاق الشفهي.

ينبغي برأيي أن تلقى أطروحات وأفكار المفكر الشرفاء ما تستحقه من اعتناء ومن نقاش نخبوي موسع للخروج برؤية متكاملة تصاغ في هيئة مشاريع إنقاذية للمجتمع الذي عانى مما أسماه في كتابه المهم (أحكام الفقه المغايرة لشرع الله).

يقول الشرفاء (للأسف تسببت أحكام الفقه المغايرة لشرع الله إلى تشريد الأطفال في الشوارع وضياع الأسر ما جعلهم يضيعون بين المخدرات والتسول والسرقة، فمنهم من استغلتهم الجماعات الإرهابية وحولتهم إلى وحوش وقتلة واستباحوا إنسانيتهم وفقدت المجتمعات عشرات الآلاف من الشباب كان يمكن أن يتحولوا إلى قاطرة التقدم والتطور في مجتمعاتهم).

يؤكد المفكر الإماراتي القدير علي محمد الشرفاء الحمادي أن قضية الطلاق الشفهي تهدد أمن المجتمع؛ فهي جريمة لا تغتفر وينتج عنها هدم الأسرة وتشتتها وتشرد الأطفال نحو المجهول، لا مستقبل لهم ولا أمان ما يتطلب ضرورة العودة إلى كتاب الله الذي وضع قواعد انفصال الزوجين إذا استحالت المعيشة بينهما، تلك الشريعة التي تأمر بالعدل والإنصاف بين الطرفين بالمعروف والإحسان وتحريم الظلم بينهما والعدوان بكل أشكاله المعنوية والمادية.

ويرى الشرفاء أنه لا خلاص للمجتمع العربي والإسلامي إلا بالعودة إلى كتاب الله ليخرج المسلمين من الظلمات الى النور ويحمي الحقوق بين الزوجين بالاتفاق على الانفصال بينهما بالعدل تطبيقًا للشريعة الإلهية في قوله سبحانه "فإن أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما"، وقوله تعالى "وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم".

هاتان الآيتان تضعان تشريعًا إلهيًا في القرآن الكريم ليتم الطلاق وفق التشريع الإلهي والتزامًا باتفاق الطرفين على الطلاق بالرضا والاتفاق تأكيدًا لكي يكون الطلاق صحيحًا.

ويقرر الشرفاء أنه في كل الأحوال يجب أن يكون الطلاق باتفاق الطرفين إذا كانا مسلمين يؤمنان حقًا بكتاب الله ملتزمين بتطبيق تشريعاته دون اللجوء إلى المحاكم المختصة التي تصدر أحكامًا جائرة في حق الزوجين وتفرق بينهما وتقضي أحكامًا لفصل الزوجين أحدهما عن الآخر دون تقدير لما ستتعرض له حياتهما من بؤس وشقاء وما سيصيب الأطفال من أمراض نفسية تؤثر في حياتهم المستقبلية وأن الحكمة الإلهية في التشريع الإلهي ضرورة الإلتزام بتوافق الزوجين بالرضا والتشاور حماية لمستقل الأبناء والاتفاق على الترتيبات الإدارية والمالية التي تضمن حياة مستقرة للأبناء وتأمين معيشتهم والتزام كل طرف من الزوجين بتحديد مسؤوليته في الرعاية والتربية والمحافظة على سلامة الأبناء في حال عودة الصفاء بينهما خلال فترة العدة، فيجب إتباع الحكم الإلهي الإمساك بالمعروف والتعامل بينهما بالتسامح والعفو والمعروف بين الطرفين (فإمساك بمعروف) في حالة تراجعهما عن الانفصال لكي تعود الأوضاع إلى ما كانت عليه من علاقة طيبة، وفي حالة عدم اتفاقهما على التراجع عن قرار الانفصال ورغبتهما في الطلاق، كما قال الله سبحانه في شريعته في كتابه المبين "أو تسريح بإحسان".

ويعلل الشرفاء رؤيته تلك قائلًا (لتستمر رعاية الوالدين للأبناء والمحافظة على عدم تأثير الطلاق في معنوياتهم وما يثبط الثقة بالنفس والشعور بالإحباط والحزن والأسى والانكسار وماله من تأثير سلبي في نفوسهم).

يقول المفكر علي محمد الشرفاء الحمادي إن الله يدعو الناس جميعًا لإتباع منهاجه في كتابه المبين بالرحمة قبل القصاص والعفو قبل الحكم والحسنة قبل السيئة والكلمة الطيبة قبل الكلمة النابية، لأن المنهاج الرباني في القرآن الكريم يستهدف تحقيق السلام بكل شموليته في حياة الأسرة وفي المجتمع ونشر السلام بين الناس جميعا ليعيشوا حياة لا ينغصها نكد ولا حسد ولا حقد ولا كراهية بل مودة ووئام وتعاون وسلام لتستمر العلاقة الزوجية المبنية على المودة والرحمة تؤدي واجبها تجاه المجتمع الذي تعيشه والوطن الذي يحتضن أسرتها، تقدم له مواطنين صالحين يسهمون في تقدمه وتطوره للارتقاء بالحياة الكريمة لكل أفراده.

ثم يشدد على أن ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم من تفكك أسري وتشرد للأطفال وانهيار للقيم نتيجة الطلاق الشفهي الذي هو بمثابة كلمة تخرج جراء حالة نفسية ظرفية غير متزنة لأسباب شتى من شأنها تدمير الأسرة وتفرق الزوجين وتشرد الأطفال ما يضاعف من معاناة أجهزة الأمن في الحفاظ على استقرار المجتمع لكثرة أطفال الشوارع وما يسببونه من إشكاليات في المجتمع وجنوح الأكثرية باستخدامهم لدى القوى الشريرة لتوظيفهم في تسويق المخدرات أو لتحتضنهم قوى الإرهاب ليشكلوا متفجرات محمولة على صدورهم يدمرون كل شيء باسم الله كما دربتهم طوائف الإرهابيين والتكفيريين المتطرفين لضرب الأمن الوطني.

ولا يستبعد المفكر العربي الكبير أن كثيرًا من الشباب ممن التحقوا بالمنظمات الإرهابية يعانون أمراضًا نفسية كان سببها زوجان لم يراع كلاهما الوصايا الإلهية وتطبيق شرعته ومنهاجه للحفاظ على حقوق أبنائهم وتربيتهم التربية الإسلامية الصحيحة على أساس الشريعة القرآنية والمنهاج الإلهي.

ويتساءل: لمصلحة من وضع الفقهاء أحكامًا تتعارض مع القواعد الإلهية التي تستهدف المحافظة على استمرار الحياة الزوجية وقاموا بتأليف قواعد تشريعية تؤدي إلى تخريب البيوت وتشريد الأطفال حين وضعوا قانون الأحوال الشخصية المنظم للعلاقات الزوجية دون الاستناد إلى المرجعية في التشريع الإلهي والتي تضمنتها آيات القرآن الكريم التي تحافظ بالعدل والإنصاف حقوق الزوجين؟

وكذلك حينما شرعوا بإعطاء الزوج حق الطلاق في أي وقت بمجرد لفظ كلمة (أنت طالق) حيث أصبح سلاح الطلاق وسيلة للضغط على المرأة وإذلالها وتهديدها وما ترتب على ذلك من مشاكل اجتماعية وأخلاقية لا تتفق مع شريعة الله السامية ومقاصد آياته الرحمة والعدل والتسامح والإحسان.

وعلى ضوء هذا كله يصدر المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي رؤيته التجديدية اللافتة ومفادها (لا يقع الطلاق بين الزوجين على الإطلاق إلا إذا التزما بشريعة الله سبحانه في حكم الطلاق بقوله "فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما").

ويرى أن كل حالات الطلاق التي وقعت في الماضي نتيجة للطلاق الشفهي تُعد في حكم الباطل لأنها خالفت شرع الله في حكمه بالالتزام بالاتفاق بالتراضي والتشاور عندما يقرر الزوجان الطلاق وأن كل حكم بني على باطل فهو باطل ولا يُعتد به.

كما يرى أنه بناء على بطلان الطلاق الشفهي وفق التشريع الإلهي في القرآن الكريم فمن حق الزوجين العودة بغض النظر عن المدة التي انقضت بسبب افتراقهما، نتيجة لبطلان الطلاق الشفهي وأحكام المحاكم الباطلة التي لم تراع شريعة الله.

أما إذا وقع الطلاق بالتراضي فمن حق الزوج في أي وقت رؤية أطفاله بالاتفاق مع والدتهم ليقوم بزيارتهم والاطمئنان عليهم والتعرف على أحوالهم واحتياجاتهم دون تحديد وقت معين، بل يتم بالاتفاق مع والدتهم متى يشاء الأب زيارته للأبناء وتبقى العلاقة الإنسانية بينهما علاقة طيبة تطبيقًا لشريعة الله في قوله سبحانه "ولا تنسوا الفضل بينكم" وذلك  لمصلحة الأبناء وحماية مشاعرهم والعشرة الطيبة في الماضي، ولا يبديان أمامهم الكراهية والنفور بل المعاملة بالحسنى والاحترام المتبادل بين الوالدين.