هشام النجار يكتب: الإخوان.. جنون السلطة والجهل بالإسلام
لماذا جماعة الإخوان مجنونة بالسلطة؟
الإجابة: إما لأنها مُخادعة بمعنى أنها تعرف وتعلم الحقيقة وتعلم فعليًا طبيعة وجوهر الإسلام وتعمل بنقيض ما تعلم لتحقيق مآربها وأطماعها، وإما لأنها جاهلة فعلًا بجوهر الإسلام وتعاليمه، لذلك أرى أن الجهل بجوهر الإسلام والشريعة يسهم في تغذية مرض جنون السلطة لدى من يدفعون باتجاه تسييس الدين وجعله مطية لتحقيق مكاسب سياسية، فالعلاقة تخادمية وكلما زاد الجهل استفحل الجنون.
وما هو جوهر الإسلام وشريعته الذي ينسف العلم به أصول وبرامج تلك الجماعات في الحكم والسياسة نسفًا؟
الإجابة: أولًا إدراك الفارق الكبير بين (تطبيق الشريعة) وتطبيق (أحكام الشريعة)!
لا يعني تطبيق الشريعة –كما تعلمت من أستاذي الجليل المفكر والمجدد المرموق المستشار محمد سعيد العشماوي- تطبيق قواعد المعاملات التي وردت بالقرآن أو في السنة أو في آراء الفقهاء وشرح الشارحين، لأن ذلك يعني تطبيق (أحكام الشريعة) وليس (تطبيق الشريعة).
الشريعة وأحكام الشريعة
يعني تطبيق الشريعة إعمال الرحمة وجعلها منهجًا عامًا في كل شيء بحيث تهيمن الرحمة على كل حكم وأن تطبع كل قاعدة وأي تطبيق أو تفسير وأن تكون هي الأساس في النص واللفظ والتعبير.
شريعة الرحمة تعني التيسير على الناس ورعاية المصالح العامة والموازنة بين الحقوق والنظر إلى ظروف العصر وعدم التضييق على المؤمنين فمما اشتهر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما لأنه قصد التيسير على الناس وعدم إرهاقهم أو إعناتهم وهذا صميم الرحمة.
شريعة محمد هي الرحمة وتطبيق الشريعة يعني إعمال منهاجها في الرحمة على كل حكم وفي كل واقعة بحيث تصبح الرحمة أساسا للدولة ومنهاجًا للمجتمع ونبراسًا للناس.
دعوى تطبيق الشريعة المنتشرة على ألسنة دعاة الإخوان ولجماعات لا تقصد معنى الشريعة كما ورد بالقرآن وهي المنهاج أو الطريق أو السبيل، ولا روح الشريعة الواضحة من آيات القرآن ومن أحاديث النبي وهي الرحمة لكنها تقف عند أحكام الشريعة وتستهدف تطبيق هذه الأحكام.
أحكام الشريعة هي القواعد التي ترشد الى العبادات او تنظيم المعاملات أو تحدد الجزاءات، وهذه القواعد تعد تطبيقًا للمنهاج على حوادث معينة ووقائع محددة فهي بذلك تطبيقات الشريعة لا الشريعة بذاتها.
طبيعة المنهاج غير الأحكام التي تصدر عنه؛ فالمنهاج استمرار وتقدم وتواصل لكي يساير أحداث الحياة وطبائع التطور، أي أن الشريعة تعني التطور الدائم والتقدم المستمر لأنها منهاج وسبيل وطريق وكمال المنهاج تطبيقه تطبيقًا سديدًا يواكب ركب الحياة ويتقدم على المصالح باستمرار.
يقتضي (تطبيق الشريعة) تفهمًا لها ونفاذًا إلى حقيقتها وتشربًا لروحها حتى يكون الجميع رحماء فيما بينهم رحماء كحكام ورحماء كمحكومين، رحماء عند التعامل ولدى الشهادة وفي القضاء ومع كل جزاء.
ليست الشريعة قواعد أو جزاءات، إنما هي أولًا وقبل القواعد والجزاءات حالة عامة تسيطر على المجتمع وروح واحد ينفذ في الصميم من كل شيء ومجال قوي ينتظم كل شخص وأي فعل؛ بحيث يحيا الفرد والمجتمع بأنفاس المحبة وتنبض قلوبهم بالحق وتتغذى علاقاتهم بالتقوى والفضل.
ما لم يحدث ذلك وما لم يسبق الروح النص ويعلو الضمير على اللفظ والحرف وتكون التقوى هي الأساس في الحكم والتطبيق، ما لم يحث ذلك فان إعمال الشريعة يعني استخدام الأحكام الشرعية لأهداف غير شرعية وتوجيه الدين لأغراض ليست من الدين في شيء ووضع أدواته في أيد تخدم أغراضها الشخصية وأهدافها الخاصة ولا تقصد حقيقة إعلاء الحق ونصرة الدين وتقدم الإنسان، وهو ديدن ومحور عمل وبرنامج جماعة الإخوان.
التحديد بين أحكام الشريعة وآراء المجتهدين وتفاسير المفسرين وشروح الشراح وأحكام القضاة أمر ضروري حتى لا يحدث الخلط بينها فيدعي المجتهد أو يزعم المفسر أو يقول الشارح أو يدعي القاضي أن ما صدر عنه هو حكم الشريعة.
الصحيح أن كل تفسير أو شرح أو رأي أو حكم هو من أفعال الناس قابل للخطأ والصواب ليس معصومًا ولا هو مقدس، وإدراك هذا المعنى لازم عند تطبيق الشريعة حتى يستطيع المجتمع ويستطيع كل فرد أن يميز تمييزًا صائبًا بين الأحكام التوقيفية التي لا تجوز مناقشتها والأحكام التقديرية وهي قابلة للنقاش معرضة للجدل.
لا يصح –والحال كذلك- أن يزعم زاعم أن ما يقوله هو حكم الشريعة لأن حكم الشريعة هو النص الوارد في آية قرآنية أو حديث نبوي صحيح، وما عدا ذلك يعد (تطبيقًا لحكم الشريعة) على واقعة معينة وما دام التطبيق بشريًا فقد يخطئ وقد يصيب، وتقدير الناس لا عصمة له ولا قداسة فيه.
إقامة الدين وإقامة السلطة
لماذا تفشل دائما جماعة الإخوان ومجمل تيار الإسلام السياسي السني والشيعي في الإدارة والحكم؟
الإجابة التي تعلمتها من مجددي العصر الحديث: لأنها غير قادرة على التفرقة بين إقامة الدين وإقامة السلطة.
قضية إقامة الدين تكاملية (فعل وتفاعل) بمعنى أنها تعتمد على طرفين؛ طرف يدعو ويشرح ويفصل وينذر ويبشر ويحاور ويبرهن، وآخر مدعو يستجيب ويذعن عن قناعة تامة وإرادة حرة.
إقامة الدين إذن أمر مختلف تمامًا عن إقامة (السلطة السياسية) التي تسعى إليها جماعة الإخوان بأي ثمن حتى بعد فشلها الذريع الأول عام 2012م؛ فالسلطة قوانين وإلزام وفرعيات متعلقة بالحقوق وحفظ الأمن، وشأن سياسي دنيوي متغير بحسب الظروف والمستجدات.
أما إقامة الدين فشأن ديني مطلق مستمر مطلوب في كل وقت أخروي شامل، وقد تكون إقامة السلطة شيء وجزء منه ونتيجة من نتائجه في بعض المراحل، لكن لا يحدث العكس على الإطلاق؛ فإقامة السلطة ليست مقدمة لإقامة الدين، وهذه الأخيرة ليست من نتائج إقامة السلطة.
الذليل على ذلك أن الدعوة سبقت دولة النبوة في المدينة، والسلطات والممالك الواسعة التي حازها المسلمون طوال تاريخهم لم تضمن مستويات قياسية من إقامة الدين في مجتمعاتهم بل حدث خلل وتجاوز وفساد واستبداد.
العلاقة إذن هنا وفق هذه المعادلة (مجتمع صالح = سلطة جيدة) وليس العكس، وقد وضعها النبي صلى الله عليه وسلم في سياق قاعدة سننية (كما تكونوا يُولَ عليكم).
القضية متعلقة بأصول الدين الواحد ومبادئه وقيمه العامة وأخلاقه المُنزلة على جميع الرسل وفق آية سورة الشورى "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه".
فما هو إذن الدين الذي نزلت أصوله العامة ومبادئه الكلية على أنبياء الله جميعًا، والمطالبون نحن بإقامته؟
هذا ما وضحه القرآن تفصيليًا؛ فهناك أمر أولى بإفراد الله بالعبودية "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا اله إلا أنا فاعبدون" وأيضًا "إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله"، وكذلك الإنذار من مغبة عدم توحيد الله وضرورة خشيته والعمل في سبيل مرضاته "ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا اله إلا أنا فاتقون".
إقامة الدين هي إيضاح حقيقة الدين للناس وأنها تكامل سماوي أرضى لبث قيم السعادة والجمال والحق والحرية، وتحقيق رفاهية الإنسان برفعه إلى مستوى الطيب والإنساني الراقي عملًا وأداءً وممارسة حياتية، ليصبح كل ما يقدم عليه الإنسان في حياته طيبًا وصالحًا "يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم ".
تتطلب إقامة الدين إقامة العدل وعمران الأرض وتنمية الموارد في جميع المجالات لنفع الناس والبشرية "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس"، وهذا كله يتطلب دأبًا وجهداً وصبراً عظيماً وليس استعجالاً وهرولة وهرجلة " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ".
تتطلب إقامة الدين القيام بأمر الدعوة بالبشارة والنذارة "رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".
هذا هو الدين المطالبون نحن بإقامته، وتلك هي تعاليمه وقيمه الأساسية، وإقامته كما هو واضح من الآيات وطبيعة ما أمرت به تتطلب تفاعل واستجابة وقناعة بإرادة حرة مختارة.
في المقابل هناك قوانين لكنها متعلقة بشأن خاص وأحوال معينة تتطلب تدخل الدولة والسلطة، وهو قليل جدًا وفى حالات معدودة؛ فالجانب القانوني الذي يحتاج لتدخل الدولة قليل جدًا ينحصر فيما يتعلق بحقوق العباد إذا حدث اعتداء عليها، فكانت هناك عقوبات دنيوية لتجاوزات لا تزيد على أصابع اليد.
وهذا الفهم لجوهر الدين والشريعة ووظيفة بعض القوانين يتناقض مع طرح جماعة الإخوان وعموم التيار السلفي وصولًا للقاعدة وداعش وأخواته ممن يتصورون أن الدين عبارة عن محكمة جنائية أو مؤسسة قانونية؛ فليست كل معصية في الإسلام جريمة جنائية تستلزم تدخل السلطة والدولة، إنما تتحول المعصية أو الخطأ البشرى إلى جريمة جنائية فقط إذا انتهكت حقوق الآخرين، والفارق كبير جدًا بين إقامة الدين وإقامة السلطة تحت عنوان الدين بزعم إقامة القوانين وإلزام من هم تحت سلطة إحدى تلك الجماعات المريضة بالسلطة الجاهلة بالإسلام بتعاليم الدين .
أن أقيم الدين في نفسي ساعتها أكون قد وفيت وأكملت ما أمر الله به من تعاليم ومبادئ أنزلها على رسله الكرام من بر وإحسان وكرم ورأفة وشفقة ورحمة ونخوة ومروءة وعفو وتسامح وعطاء وتعاون وبذل للخير ونجدة لمن يلجأ إلي في وقت أزمة واحترام وتوقير للكبير وأعلى درجات التبجيل والأدب والاحترام وبذل الخير والمعروف للوالدين، وأن أدعو الناس بداية من أسرتي إلى ما جاء به خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وأنني قد وصلت لمستوى احترام حريات الآخرين وحقوقهم وأن أقبل بصدر رحب انتقادهم الايجابي ونصائحهم وأن أكون راقيًا نبيلًا في الصداقة والخصومة، وإذا أخطأت وتجاوزت في حق أحد على سبيل الخطأ فأنا مستعد ساعتئذ لأن أقدم اعتذاري وأتذلل له ليسامحني.
هذا هو الدين الذي أفهمه من خلال مواظبتي على التأمل في أوامر الإله الأعظم سبحانه وإرشاداته، لكن قارن هذا النموذج بمجموعة أو مجموعات وكيانات ما أنزل الله بها من سلطان تفهم الدين فقط على أنه محكمة أو مؤسسة وشركة لإنزال العقاب بالآخرين، متلهفين فقط لجلد ظهور الآخرين وقطع رؤوسهم ونحر رقابهم، وهم ليسوا على استعداد حتى لتقبل النقد اللفظي والمساءلة من الآخرين.
إقامة الدين هنا "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين "، وهنا "فهل على الرسل إلا البلاغ المبين "، بما يتطلبه ذلك من إرادة حرة واختيار وقناعة تامة، أما إقامة القوانين فشأن آخر متعلق بحقوق الناس ومنع الاعتداء عليها واستعادتها، بقوة القانون وسلطة الدولة في حدود حوادث بعينها وزمان بعينه وقعت فيه تلك الحوادث.
الخلط بين هذا وذاك من أسوأ الكوارث المنهجية؛ فهو يمنح السلطة المستبدة التي ترفع شعارات الدين (إسلام سياسي سني أو شيعي)، فرص تعويض افتقادها للشرعية السياسية من خلال اختيار جماهيري حر وفق تعاليم ومبادئ الشورى الإسلامية، بتقديم نفسها كمدافع عن الإسلام والملة والأخلاق والتدخل في تفاصيل حياة الناس بأساليبها القمعية، وهو ما أفشل الإخوان في حكم مصر، وغيرها من تجارب السلطة.