دعوة للتفكير
عن النسبية.. سعيًا إلى مجتمع رشيد
قال تعالى {وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء} آية عظيمة لو وضعناها أمام أنفسنا - أفرادا ومؤسسات - متهمين إياها ولو بصورة جزئية لانصلح حال مجتمعنا، الذى تفرغ أبناؤه للتراشق، وللدفاع عن الذات والمهنة والتيار والتوجه. اختلف المفسرون حول قائل {وما أبرئ نفسى} قال بعضهم إنها امرأة العزيز، وقال آخرون إنه يوسف عليه السلام. والتأويلان صحيحان، فعلى الأول اعتراف وندم، وعلى الثانى حساب ومراجعة. لماذا لا نكون مثل يوسف فنسائل أنفسنا ونراجعها كل حين؟ لماذا لا نتشكك فى مقاصدنا ووسائلنا، فقد نجد شيئا ذا بال يحتاج إلى التقويم وإصلاح المسار ولو جزئيا.
إنها النسبية التى أضرب عنها بنو قومى؛ أن تؤمن بنسبية الحق، الذى ادعاه كل منا عقيدة وسلوكا، فضاع الحق كله، أو تسرب جزء منه - قل أو كثر - من بين أيدينا. ولو آمنا بنسبية الحقيقة أو المواقف لقمنا بمراجعات عديدة، تعصمنا من زلل التراشق فى مجتمع يئن من الكراهية. ومن منا يستطيع أن يجزم بصحة مواقفه كلها؟ بعد أن جعلنا البشر شياطين وملائكة، وبعد أن جعلنا الآخرين دائما هم الجحيم!!
إنها النسبية التى جعلت الشافعى يقول رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب، فلماذا لم نأخذ بقول الشافعى رحمه الله؟ ولماذا غضضنا الطرف عن درر تراثنا مع ثقلها فى ميزان الإنسانية، متمسكين بما خف وزنه؟
لن تجد إنسانا كاملا، وإنما يغلب فينا اللون الرمادى الذى يضم خيرا وشرا - كما ذكر الفلاسفة - فقد تكون ملاكا جميلا، لكنك لا تعرف نسبة شوائبك الشيطانية، وقد يكون غيرك شيطانا رجيما، لكنك تجهل نسبة ما فيه من ملائكية، فما أدراك لعل ما تقوله فى مسألة إنما هو من بث شوائبك الشيطانية، ولعل ما تبغضه من قول غيرك إنما هو من فيض ملائكيته!!
وما السبيل؟ أن نؤمن بنسبية الحق، التى تدفعنا دائما إلى المراجعات - أفرادا ومؤسسات - وأن نتهم أنفسنا واضعين قول الحق أمامنا وإمامنا {وما أبرئ نفسى} وأن نعلم أن حقنا قد يضم شوائب من الباطل، وأن باطل غيرنا قد يضم نورا من الحق، وأن نحاول أن نرى بمنظار غيرنا، فقد نرى شيئا لم نره بأعيننا.