هشام الحمامي يكتب: الشرق الأوسط.. والإفلات من (قبضة الحاضر)
تاريخ الزمن هو(الماضي والحاضر والمستقبل)، هكذا نعرف، وهو قائم على الحركة المستمرة للأرض والمجموعة الشمسية كما نعرف جميعا، وعلم التاريخ بالأساس نشأ وتكون على تلك الحقيقة.. أن هناك ماضى .. وهناك مستقبل يجب النظر إليه بـ (ذاكرة تاريخية) والا فان الأدوار ستعاد وتتكرر وتفشل ببلاهة غريبة، وهي الحالة التي يعيشها النظام العربي الرسمي من الخمسينيات، وحتى (طوفان الأقصى) 7 أكتوبر 2023م.
من الخمسينيات وتحديدا من نهاية الحرب العالمية الثانية، وإعلان قيام إسرائيل في المنطقة، وتم تطويق المنطقة العربية كلها في (قبضة الحاضر)، طبقات فوق طبقات من الكلام المتراكم، بعضه فوق بعض، وأنت كما أنت محلك سر.
والمرة الأولى في تاريخنا الحديث التي حاول فيها الشرق المسلم (شعبيا) الإفلات من تلك القبضة، تم الالتفاف فورا عليه لإعادته إلى تلك القبضة اللعينة ..
المرة الأولى تلك كانت مع (الانتفاضة)1987/1993م .. والتي تم دراستها فورا وتحليل مكوناتها وعلى الفور تم عمل (التعويذة التاريخية) التي تمنع هذا الإفلات، فكانت مدريد وكانت أوسلو، وتم تجميع الجميع بعدها، وإعادتهم إلى تلك القبضة اللعينة فورا، وسيظهر بعدها ما يعرف بـ (عملية السلام) انتبه إلى أنها (عملية)،حاضر مستمر بلا غاية نهائية.
ذهب ياسر عرفات رحمه الله مدفوعا بخوفه من(الغياب) .. فقد تجلجل وتحنجل كثيرا كثيرا بالقضية الفلسطينية حتى أصبح هو القضية، والقضية هو، وإذا بصبية صغار يقلبون الطاولة عليه وعلى من يلاعبهم ويلاعبوه داخل النظام العربي الرسمي والإقليمي والدولي ..
وكان السؤال القلق: المؤكد أن وراء هذا العمل المبدع، الانتفاضة..تنظيم (وتعبير مبدع للدكتور المسيرى رحمه الله) وهنا بدأ القلق يساور الجميع، الجميع بلا استثناء.
ولنا أن نعلم أن المنطقة كلها أصلا، دخلت في (قبضة الحاضر) بميكانيزم بالغ الأهمية نفذه النظام العربي في الخمسينيات والستينيات بدقة وشراسة، وهو قتل وإبادة وإنهاء كل (التنظيمات الاجتماعية) ليتم إذابة الجميع في (فرن الدولة) وما تقرره الدولة.
لولا تنظيمات الصوفية وتنظيمات الحرفيين، ما قامت ثورة القاهرة الأولى(1798م) ولا الثانية بعدها بعامين، ولا تم طرد الحملة الفرنسية(1801م) ومن بعدها الحملة الإنجليزية (فريزر)1807م ..والكلام للعلامة الراحل مؤرخ الثورات والحركات والتنظيمات المستشار طارق البشرى رحمه الله رحمه واسعة ..
ما يعنينا هنا هو(الهلع) الذى أصاب منظمة فتح / ومنظمة التحرير وجعلهم ينظرون إلى حظوظهم الشخصية والذاتية لا إلى حظ القضية ومستقبل القضية.
وهذا الخلل مفهوم في الشخصية الإنسانية عموما، وهو ذاك التوتر المعروف بين حظ النفس وحظ الأخلاق .. وكلنا نقاومه، ونسعى ما استطعنا لترجيح الكفة الصحيحة..
وأهل الطريق إلى الله يعرفون هذا التوتر جيدا، لأنهم لن يصلوا إلا اذا تركوا حظ النفس تماما، تماما يعنى تماما.. (خل نفسك وتعال) ..والله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب ..
الحاصل أننا هذه الأيام في ذكرى اتفاق (أوسلو) (13/9/1993م) ..
ثلاثون سنة تقريبا على ذاك التحايل اللئيم الخسيس لكسر الانتفاضة، وبعثرة وتشتيت كل مقوماتها (أفكار وحركة وتطور وتنظيم) وتواطئ الجميع، ولا استثنى أحدا .. لماذا؟ .. لماذا تواطئ الجميع ..؟
هناك دوافع كثيرة لأطراف كثيرة .. لكن أخطرها سيقوله لنا أحدهم ..
إنه ويسلى كلارك (80 سنة) القائد السابق لقوات الناتو في أوروبا 1997/2000م (لا نريد إن يبقى الإسلام مشروعا حرا يقرر فيه المسلمون، ما هو الإسلام .. نحن من يقرر ما هو الإسلام) ..
وبغض النظر عن أن هذا الجنرال قال هذه الجملة أم لم يقلها، اللورد كرومر المندوب السامى البريطاني في مصر من 1883م إلى 1907م قال وقام بما هو أفظع من ذلك وشكرا لأستاذنا الجليل الحبيب د/ حسن الشافعي حفظه الله ، أن ذكرنا بكل ذلك في كتاب (في فكرنا الحديث والمعاصر) وشكرا أكثر لمجلة الأزهر أن قدمت الكتاب هدية عدد المحرم 1446هـ
ومشروع من يقرر (ما هو الإسلام؟) مشروع اشتغل عليه الجميع، أمراء وعلماء، لكن للأسف الشديد، خابت المساعى لأنهم لا يعرفون أن (قصة الإسلام) مفتاح فهمها الوحيد، أنه أخر رسالات السماء إلى البشر الذين يسكنون الأرض ..
لذلك فمسألة حفظه وصونه على صورته التي تنزل بها (مسألة كونية) تتعلق بإرادة الله. قضى الله أن يكون الأمر كذلك ..فكان ، وزاوية النظر هنا زاوية عقل مجرد على فكره.. وهاتها من أول السطر: (أفي الله شك فاطر السموات والأرض ..؟؟) .. وأكمل ستصل إلى هذا المفهوم ببساطة متناهية.
واذا استقر العقل بأدواته العادية سيصل إلى هذه الحقيقة، الناس الطيبين يرددون الأية الكريمة (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم، وأنزلنا إليكم نورا مبينا) بالعقل ستجد ما تبحث عنه..وبالنور ستجد أيضا ما تبحث عنه.
أحيانا أتصور أن بعضهم أمثال ذلك الرجل الذى سأل أحد الأدباء عن معنى كلمة (كموج)..؟ التي جعلت الأديب يحتار، فهذه أول مرة يسمع فيها هذه الكلمة!
فسأل صاحبنا عن مصدرها، فقال له مندهشا ألم تسمع قول أمرؤ القيس: وليل كـ(موج البحر) أرخى سدوله ** على بأنواع الهموم ليبتلى .
كلنا نرتكب الحماقات أحيانا؟ لكن هناك مواقف ومشاهد تذهب بصاحبها بعيدا .. بعيدا جدا .. فيكون مثل الأخ (كموج) هذا.. وتلك مشكلة المشاكل: كيف ترى نفسك؟ وكيف يراك الناس ..؟
أسجد لله وأطلب الحقيقة .. وستهتدى ..على رأى الفيلسوف الفرنسي الجميل (باسكال ت/1662م)..
وعلى ذكر ذلك هل رأيتم صورة وزير الدفاع الإسرائيلي (جالانت) وهو يحمل صور طفلين يرقصان أمام صورة مركز التجارة العالمي وهو يحترق؟ الطفلان أبناء محمد السنوار شقيق الحاج يحيى .. وظهر أمام قارات الدنيا الخمس، وأعلن أنه وجد هذه الصورة في نفق في (خان يونس) ووقال هذه أكبر دلالة على أن(حماس)تكره أمريكا والغرب ..!
كان والدى رحمه الله رحمة واسعة يقول لنا دائما ونحن صغار: لا يبلغ الناس من أذى الأحمق، مثلما يبلغ الأحمق من أذى نفسه .. رحمة الله عليك يا أبت الكريم حيا وميتا.
سنعرف بعد حين أن طوفان الأقصى كانت ضرورة حتمية وما هي إلا(الانتفاضة) في عنفوان جليل .. وإذا (صح منك العزم وحضرت الإرادة، أٌرشدت للحيلة والوسيلة).. هذا مثل عربي قديم، وهو صحيح تماما، والعزم والإرادة، لن يكونا إلا الحصان الذى يسبق العربة، أما العربة نفسها .. فقد رأيناها على مدى 346 يوما في غزة، من القتال المجيد .. والصبر الحديد العنيد..
(والفولاذ سقيناه) يا أهل الأنوار في غزة،وتراب غزة ،وسماء غزة ،وبيوت غزة ،وخيام غزة ،وملاجئ غزة ومشافي غزة ..
أي تراب هذا الذى تشبع بكل هذه الدماء الزكية اوكل هذه الأجساد الكريمة .. وأي شرف لهم وللأمة كلها، بهذا الذى كان منهم في طول وعرض القرن الـ 21 الميلادى ..
أنتم لن تحرروا أرضكم فقط، ولا حفظتم لنا (الأقصى فقط) ..
أنتم حررتم(الإنسان) في كل مكان على أمنا الأرض ..
وحفظتم (الإنسان)في كل مكان على أمنا الأرض .. وتلك قصة أخرى نتركها للأزمان المقبلة.
وانتظروا ما سيكتبه التاريخ عن هذا الذي قمتم به، بعد أن سحقتم (قبضة الحاضر) القابض على أعناق الأمة من سبعين عاما.
عيش الفتى في فناء الذل منقصة**والموت في العز فخر السادة النبلاء.