هشام النجار يكتب: كيف مهدت هوليوود لحرب غزة.. وهكذا يرد الفنانون العرب؟
لا شيء في هذا العالم يحدث اعتباطًا وبدون خطط وبرامج وتمهيد وإعداد، وليس هناك سلاحًا واحدًا إنما أسلحة متنوعة بعضها خشن والآخر ناعم، وليست ساحة واحدة بل ساحات، وحرب غزة لم تبدأ اليوم بل بدأت منذ عقود بعيدة عندما كانت هوليوود التي يسيطر عليها رأس المال اليهودي والفاعلية البشرية اليهودية تنتج أفلامًا في اتجاهات عدة.
أول تلك الاتجاهات تصوير العرب والمسلمين كإرهابيين ومتطرفين وهمجيين لا يستحقون الشفقة والتعاطف، ولا يجدر أن يكونوا موجودين في هذا العصر الذي يتسم بالحداثة والتطور، وبلا شك فقد ساعد هوليوود والقائمين عليها كل من هو تكفيري وإخواني وقاعدي وداعشي وقطبي وسروري وظواهري وبغدادي، حيث أثبت عمليًا على أرض الواقع من خلال ممارسات فعلية كل ما روجته السينما الأميركية والغربية بحق العرب والمسلمين.
في فيلم (قبلة طويلة تصبح على خير) تلعب جينا دافيس دور عميلة سرية للمخابرات تفقد ذاكرتها لتكتشف أنها في خضم مؤامرة لإسقاط الحكومة عن طريق تفجير ضخم تتوسط فيه إحدى الأجهزة الأمنية، ولا توجد شخصية عربية أو مسلمة في الفيلم، لكن يُنسب التفجير الإرهابي للمسلمين وهم منه براء وتوضع جثة عربي في قلب التفجير.
يدور هذا الحوار بين الممثلين، حيث يسأل أحدهما الآخر (أتعنى أنك سوف تزيف عملًا إرهابيًا فقط من أجل ابتزاز بعض المال من الكونجرس؟)، فيرد ضابط المخابرات المتورط بالإرهاب (للأسف لا أعرف كيف أزيف قتل أربع آلاف شخص، ولذلك فإن علينا أن ننفذ الأمر بالفعل، ومن ثم نلقي باللوم على المسلمين طبعًا، وبعدها أحصل على التمويل من الكونجرس)!
هكذا صار العرب والمسلمون مادة خصبة للتشويه حتى ولو لم يكن لهم دورًا رئيسيًا في الفيلم، إذ ينبغي وفقًا لأجندة الممول والمنتج والمخرج السياسية إسناد الشر والإرهاب إليهم حتى ولو لم يكونوا حاضرين أو فاعلين في هذا الحدث أو ذاك، وهكذا حقق المحاربون الصهاينة في المجالات الناعمة هدفًا تمهيديًا أصيلًا لما رأينا جميعًا ثمرته ونتائجه خلال حرب غزة الأخيرة، ألا وهو ترسيخ النظرة السلبية تجاه الفلسطينيين وعموم العرب والمسلمين في العقل الأوربي والأميركي.
الاتجاه الثاني هو ما رصده الناقد السينمائى سمير فريد؛ إذ يرى أن موضوع الحروب العربية الإسرائيلية هو الموضوع الأكثر بروزًا في سينما هوليوود، وقد تم تناول هذه الحروب بحيث تصبح حرب 1948م هي حرب (الاستقلال)، وتصبح الحروب التالية لها حروبًا دفاعية تدافع فيها الدولة (الصغيرة المسالمة الديمقراطية) –وتلك هي الصورة الزائفة لإسرائيل التي سعوا لترسيخها في أذهان العالم- عن وجودها الضعيف تجاه الدول العربية القوية والكبيرة والغنية، والتي تريد إزالة الدولة الصغيرة (المسالمة) وإلقاء اليهود في البحر!
تم غسل دماغ البشرية كلها بهذه الأفكار حتى أصبحت من البديهيات التي لا تناقش، رغم أن مجرد تحكيم العقل يكشف زيف كل هذه الادعاءات؛ فالجماعات الإرهابية بين العرب والمسلمين ليست سوى أقلية أي استثناء، وفي كل مكان وفي كل الأديان يوجد متطرفون وعنصريون وإرهابيون.
كما أن إسرائيل ليست دولة ديمقراطية لمجرد أنها تعتمد الآليات الحزبية والنيابية وصندوق الانتخابات للوصول إلى السلطة، فهي عبارة عن مؤسسة عسكرية غربية تمثل أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الحرب في الغرب، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود سياسية، فهي تعيش على الحرب وتقوى بها بقدر ما يضعفها السلام بل ويهدد وجودها، وبالطبع فإن مسألة الأرقام، لا تعني بالضرورة تفوق الأكثر عددًا سواءً في الحرب أو السلام، فالمسألة أعقد من هذا بكثير ودل على ذلك كل الحروب التي خاضتها إسرائيل وآخرها حرب غزة.
كما أن العرب هم من مدوا أيديهم بالسلام وطرحوا مبادرة حل الدولتين لإنهاء الصراع بشكل عادل ومتوازن، لكن لا سامح الله من كان سببًا في الحرب ولا سامح الله من وجدها فرصة للاستثمار لتحقيق أهدافه الخاصة التي تدل على أنه الطرف الرافض للسلام.
يؤكد الناقد الأدبي الراحل رجاء النقاش أن الرأي العام في أميركا يتعرض لمؤثرات كبرى عديدة، على رأسها تلك الصناعة الجبارة في هوليوود وهى صناعة السينما، وقد تحولت صناعة السينما في هوليوود إلى سلاح خطير في يد أعداء العرب وفي مقدمتهم الحركة الصهيونية، التي تنطوي على كثير من الشر ضدنا، ويتصدر المصريون والفلسطينيون رأس القائمة بين من يتعرضون لهذه الحرب، بل هم في مقدمة العرب الذين تحاربهم الصهيونية بسلاح هوليود.
ويتساءل النقاش كما أتساءل أنا مرارًا وتكرارًا: لماذا لا نحاول أن نبحث عن أساليب مناسبة للرد على ما تفعله هوليوود بنا، حيث أنها تعمل على تثبيت صورة لنا في العقل الأميركي والغربي لا يمكن أن ينتج عنها إلا سياسة منحازة ضدنا إلى أبعد الحدود.
ما تقدمه هوليوود من صور متتالية ومستمرة للعرب في أفلامها منذ نحو مائة سنة إلى الآن معناه أن المواطن الأميركي العادي ليس أمامه إلا أن يكرهنا ويعادينا، وما تفعله هوليوود ضدنا لا يمكن وصفه إلا بأنه فضائح سينمائية، وهي فضائح قائمة على مخالفة الحقيقة وتزوير الواقع وسوء النية وخدمة أهداف تسعى إلى تدميرنا على أوسع نطاق.
الناقد سمير فريد رأى أن الصهيونية قد استخدمت السينما إعلاميًا استخدامًا كاملًا، ولعل من أهم الأفكار التي طرحتها هذه السينما هي أن أرض فلسطين أرض بلا شعب وأن اليهود شعب بلا أرض ومن حقهم العودة إلى هذه الأرض بحكم تاريخهم القديم عليها، وبحكم الدين اليهودي، وهي ذاتها الخرافات التي تستخدما الحركة الصهيونية المرتبطة أساسًا بالمصالح الغربية المعادية للمصالح العربية.
قسم فريد تاريخ السينما الصهيونية إلى مرحلتين؛ الأولى قبل إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين، والثانية بعد إنشاء الدولة حيث بدت الرغبة في تثبيت وجودها، وأبرز ما استخدمته السينما الصهيونية في المرحلة الأولى اضطهاد اليهود في ظل النازية والفاشية في أوربا قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ( 1938 – 1945م )، فقد اعتبرت هذا الاضطهاد مبررًا لإنشاء دولة يهودية بفلسطين، ولم تكف السينما الصهيونية عن استخدام هذا الموضوع بعد إنشاء الدولة وحتى الآن.
جاك شاهين في كتابه (العرب الأشرار في السينما) يعدد الدوافع وراء تشويه هوليوود لصورة المسلمين والعرب، لكنه يعتبر دور اليهود هو الأهم نظرًا لسيطرتهم المكثفة في هوليوود، وارتباط شركات إنتاج وإخراج الأفلام الهوليوودية ماليًا وسياسيًا وإداريًا باليهود، فضلًا عن رأس المال الأميركي الإحتكاري.
عدد الناقد السينمائي أمير العمري طرق دعم هوليوود لإسرائيل، وذلك من خلال إنتاج الأفلام الدعائية التي تجمل وجه إسرائيل وتبرر قيامها على اغتصاب حقوق الفلسطينيين، واتخاذ هذه الأفلام أشكالًا متنوعة تبعًا لتطور الظروف السياسية من أشكال سياسية مباشرة تتغنى بانتصارات إسرائيل على الغرب، وتصور اليهودي باعتباره مقاتلًا صلبًا يستطيع الدفاع عن نفسه، إلى الأفلام التي تواصل على الدوام التذكير بموضوع الهولوكست وتربط على نحو مباشر بين ما وقع لليهود على يد النازية وبين إسرائيل باعتبارها (الوطن الآمن لليهود)، إلى الأفلام التي تشوه القضية الفلسطينية في عيون الآخرين، وتصورهم باعتبارهم إرهابيين ومصدر خطر حقيقي على الحضارة الإنسانية.
يجري ذلك بالتوازي مع الدعم المالي المباشر عن طريق التبرعات وإقامة الحفلات التي يشارك فيها كبار نجوم هوليوود من الصهاينة وأصدقائهم، ويصب ريعها في صندوق المنظمة الصهيونية العالمية من أجل دعم وتمويل مشاريع إسرائيل العدوانية التوسعية، وكذلك تهجير اليهود.
تمثل دعم هوليوود أيضًا في اعتماد سياسة ثابتة للإنتاج المشترك أو تصوير الأفلام الأميركية في إسرائيل، بالتعاون مع مركز الفيلم الحكومي الإسرائيلي، وقد لعب نجوم هوليوود الصهاينة دورًا بارزًا من أجل الترويج لفكرة تصوير الأفلام في أرض فلسطين المعروفة بامتياز مناخها وتنوع المناظر الطبيعية ورخص الأسعار، وبالفعل حقق اليهود نجاحًا باهرًا من خلال الفن السابع، كما جاء على لسان المخرج الصهيوني "مناحم جولان" عندما سئل ذات مرة عن الفائدة التي تقدمها أفلامه للكيان الصهيونى، فأجاب مبتسمًا (أعتقد أنني حققت انتصارات لصالح إسرائيل دون معارك).
المعركة ببساطة ليست فقط في ساحة الحرب كما يتخيل البعض أو ساحات الدبلوماسية والسياسة ولا بسلاح واحد يحرز التفوق العسكري والميداني على الأرض، إنما هناك معارك تمهيدية وموازية تجري على الشاشات التي تغزو العالم.
أتساءل: كم من منتج عربي ومسلم اهتم بهذا الشأن لمواجهة طوفان التشويه وقلب وتزييف الحقائق الهوليوودي مخاطبًا متلقي الفنون ومحبي الأفلام في أميركا وحول العالم؟
وأتساءل: كم من مخرج (حقق انتصارات لصالح فلسطين والعرب دون معارك) كما فعل مناحم جولان للكيان الصهيوني؟
الإجابة هذه المرة مبشرة حيث تُعرض ضمن مسابقة أوسكار للمبدع الفلسطيني رشيد مشهراوي سلسلة أفلام (من المسافة صفر)، شارك بها مخرجون وفنانون شباب من قطاع غزة بذلوا جهدًا كبيرًا لتسليط الضوء على المأساة والنكبة الجديدة وعلى أبعاد جرائم الإبادة من زوايا إنسانية –وفقًا لما قاله الكاتب الدكتور وحيد عبد المجيد بمقال له بالأهرام بعنوان (من غزة إلى هوليوود).
يقول الدكتور وحيد عبد المجيد (نجح المخرج المبدع رشيد مشهراوي ومن معه من فنانين مبدعين واعدين في إنجاز الفيلم الروائي الطويل تحت القصف وفي ظل النزوح المستمر اعتمادًا على أفكار مبتكرة في معالجة بعض قصص الصمود الأسطوري، بعيدًا عن الأخبار والتقارير المصورة التي شاهدها العالم، فهي أفلام روائية أكثر منها تسجيلية أو توثيقية، ولكنها تسهم بالتأكيد في توثيق صمود شعب في مواجهة جرائم إبادة شاملة).