إيمان مسعود تكتب: كيف قضي وجود حزب الله علي لبنان سياسيًا واقتصاديًا؟
ظهر حزب الله في لبنان في الثمانينات كجزء من حركة أمل الشيعية تزامنا مع ظهور حركة جهاد إسلامي مسلح تتقدمها الفصائل الفلسطينية والجيش السوري في وجه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية والذي وصل حتى بيروت عقب صفقة سياسية أبرمتها تل أبيب مع قيادة حزب الكتائب ممثلة في بشير الجميل وسمير جعجع لدعمهم عسكريا وتمكينهم سياسيا من حكم لبنان، فأجبروه على الإنسحاب من العاصمة إلى الجنوب ثم الخروج نهائيا من لبنان عام ٢٠٠٠.
وفي فبراير شباط عام ١٩٨٥م أعلن القيادي "إبراهيم أمين السيد " والذي تم تعيينه فيما بعد نائبا للحزب، الانشقاق عن حركة أمل الإسلامية خلال مؤتمر صحفي في حسينية الشياح بضاحية بيروت الجنوبية، مزيحا الستار عن ولادة حزب الله وقدم ما سماه وثيقة الحزب السياسية تحت اسم الرسالة المفتوحة، أهم ما جاء فيها ارتباطهم عقائديا بجميع المسلمين في أنحاء العالم واستمرار العمل على تحرير لبنان من التبعية لأطراف خارجية وطرد الاحتلال الصهيوني من البلاد بشكل نهائي
أبرز قيادات الحزب
- تناوب على قيادة الحزب ثلاثة أمناء هم:
- صبحي الطفيلي، وكان أول أمينا يتم انتخابه للحزب بعد تأسيسه، وهو عالم دين شيعي تلقى تعليمه في النجف على يد محمد باقر الصدر، إلا أنه سرعان ما تم تجريده من مناصبه وتهميش فريقه قبل أن تتخذ كوادر الحزب قرارا بطرده على اثر الصدام بينه وبين القيادات الفاعلة كالموسوي ونصر الله حول الانخراط في العملية السياسية ودخول الانتخابات البرلمانية ورأى في ذلك تخليا عن المسار الثوري، بينما تمسك الباقين بقرار الاندماج في المشهد السياسي بضوء أخضر من علي خامنئي لتعزيز قاعدة المقاومة في الشارع اللبناني وتمكينها من التأثير في القرار السياسي والأهم من ذلك كله عدم ترك الساحة السياسية تتفرد بها حركة أمل الشيعية الغريم الأبرز لحزب الله في ذلك الوقت.
- عباس الموسوي
تسلم منصبه كأمينا للحزب عام ١٩٩١ إلا أن ذلك لم يدم أكثر من تسعة أشهر، فقد تم اغتياله مع زوجته وابنه بغارة إسرائيلية أثناء عودته من إلقاء خطاب في ذكرى مقتل راغب حرب
*حسن نصر الله
تربع على قيادة حزب الله خلفا لعباس الموسوي عام ١٩٩٢ ولمع نجمه بعدما قاد مسيرة الجهاد وتحرير الجنوب من القوات الإسرائيلية عام ٢٠٠٠ ثم الانتصار الساحق في حرب تموز عام ٢٠٠٦ وإتمام صفقة تبادل أسرى حررت فيها سجناء لبنانيون قدامى
استمرت قيادته للحزب ثلاثون عاما حتى تم اغتياله قبل عدة أسابيع
أبرز المحطات في تاريخ الحزب:
- ١-كان لنجاح الحزب في طرد الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠ ثم انتصاره في حرب تموز ٢٠٠٦ بعد تكبيده العدو خسائر عسكرية فادحة وإجباره على إبرام صفقة حررت بموجبها المقاومة قدماء الأسرى اللبنانيين مثل سمير القنطار، أثرا كبيرا في تعزيز مكانة الحزب داخليا واتساع رقعة مؤيديه وفوزه كتلته الانتخابية بشكل ساحق، كذلك قدم نفسه بشكل جيد لحلفاءه الإقليميين مثل إيران كأقوى فصيل شيعي مسلح في المنطقة العربية.
- ٢-انخراط الحزب في التأثير في الثورة السورية، وما صاحب ذلك من وقوع جرائم قتل بشعة على الهوية وتنكيل في المعتقلات ، كان له انعكاس سلبي على انفضاض الحاضنة الشعبية من حوله وتسهيل اختراقه أمنيا، على الرغم من تعلل قياداته مرارا أن تدخله إنما يأتي لإفشال مؤامرة دولية تستهدف إسقاط نظام بشار الأسد إلا أن ذلك كله لم يسعف في ترميم صورته.
- هل أضر حزب الله بلبنان سياسيا واقتصاديا؟
ينظر كثير من اللبنانيين إلى حزب الله كحاكم فعلي للبلاد ومسيطرا على مفاصل الدولة، ويعزي إليه بعضهم ما وصلت إليه لبنان من فراغ سياسي وتدهور إقتصادي، فما مدى صحة ذلك؟
ينص الدستور اللبناني على تصويت مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية من الطائفة المسيحية المارونية وبالتوافق بين القوى السياسية الممثلة بالبرلمان ولمدة ست سنوات قابلة للتجديد.
ويتم توزيع مقاعد مجلس النواب البالغة 128 مقعدا مناصفة بين الطائفتين المسيحيية والإسلامية بشقيها السنة والشيعة حسبما ينص عليه اتفاق الطائف، بينما يترأس المجلس أحد أبناء الطائفة الشيعية، ويتولاه حاليا ومنذ عدة سنوات زعيم حركة أمل نبيه بري.
أما منصب رئيس الوزراء فهو من نصيب السنة، وجرى التوافق على ذلك بين الأطراف اللبنانية عام 1943 قبل استقلال لبنان عن فرنسا عام 1946 رغم أن الدستور اللبناني لا يتحدث عن دين او طائفة رئيس الوزراء.
التقاسم الطائفي للمناصب الذي تم الاتفاق عليه لا يقتصر على الرئاسات الثلاثـة بل يمتد ليشمل جميع المناصب الهامة. فقائد الجيش على سبيل الجيش ماروني أما وزير الداخلية فهو سني ومدير قوى الأمن الداخلي سنى ومدير المخابرات العسكرية شيعي، وهناك أيضا حصص يتم توزيعها بين الأقليات الأصغر مثل الدروز والمسيحيين الأورثوذكس والأرمن.
لذلك منذ استقالة سعد الحريري عام ٢٠٢١ على وقع احتجاجات غاضبة على تردي الأوضاع وتكليف رئيس الجمهورية انذاك ميشيل عون للحريري مرة أخرى قبل الاختلاف بينهما على الثلث المعطل وإسناد رئاسة حكومة مؤقتة لنجيب ميقاتي، ثم تعسر اتفاق أعضاء البرلمان على انتخاب رئيسا للجمهورية بين سليمان فرنجية وجهاد أزعور خلفا لعون المنتهية ولايته في أكتوبر/تشرين الأول 2022 ، لا يمكن تحميله لحزب الله منفردا فهو لا يملك القدرة على تعطيل مضي لبنان قدما سياسيا واقتصاديا وإنما الحساسية بين الطوائف وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الشعب، كذلك الأزمات الدولية الراهنة تجعل القوى الإقليمية الفاعلة في المشهد السياسي اللبناني مثل فرنسا وإيران والسعودية أقل اهتماما بما يجري وحسم الخلافات
إلا أنه من المؤكد أن تغييب حزب الله بإغتيال قيادات مجلسيه العسكري والسياسي هو العنوان العريض والهام الذي يهدد الجبهة اللبنانية في وجه العربدة الصهيونية ، والتي يحاول نتنياهو تعويض فضيحة خسائره الفادحة في غزة بالتركيز عليها، نظرا لتفوق إمكانيات الجيش الإسرائيلي عددا وعتادا مقارنة بالجيش اللبناني وهو ما يفسر انسحاب الأخير من نقاط تمركزه بالجنوب عندما أعلنت تل أبيب منذ أيام بدء عملية اجتياح بري، كذلك خبرة عناصر الحزب الطويلة في قتال الإسرائيلين الذي لطالما هزم في حرب العصابات وتحقيق انتصار أسطوري عليهم في حربين متتاليتين بال٢٠٠٠ و ٢٠٠٦
أما على المستوى الإقليمي فإن القضاء على حركة المقاومة اللبنانية يسهل نجاح مهمة التحالفات الإقليمية في رسم صفقة سياسية للمنطقة تنسجم فيها مصالح الأنظمة العربية مع كيان الإحتلال تحت لواءها شعوب مطيعة خانعة وما يقتضيه ذلك من التخلص من حركات المقاومة لما تمثله من شوكة تقف في حلق هذا المشروع، ولعل هذا ما يفسر الصمت الدولي والموافقة الضمنية لتمرير مجازر الصهاينة على غزة ولبنان واليمن
نجاح إسرائيل في اختراق الحزب وتصفية قياداته:
يعزو كثير من المحللين نجاح إسرائيل استخباراتيا في الوصول لأهم قيادات حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله والقيام بتصفيتهم إلى الدور الذي لعبه الحزب في سوريا ما أدى لكشف الملفات الأمنية الخاصة بطرق عدة
أولها: معارضة أعضاء في الفريق الرئاسي السوري بسط إيران وأذرعتها المسلحة سيطرتهم على الأراضي السورية، من هؤلاء "لونا الشايب" المستشارة الإعلامية للرئيس بشار الأسد والتي أعلنت بوضوح في إحدى لقاءاتها التلفزيونية بأن الجيش السوري ليس عاجزا عن حماية بلده من المؤمرات والخونة لتأتي إيران تحارب بالوكالة، حتى أنها -أي لونا- أحاط بوفاتها لغزا كبيرا بين الرواية الرسمية الركيكة حول وفاتها بحادث سيارة وبين مؤشرات قوية رجحت مقتلها أثناء محاولتها الهرب خارج البلاد بعد تسليمها ملفات أمنية هامة للجانب الإسرائيلي ترتب عليه قصف سفارة طهران في العاصمة دمشق
ثانيا: اختراق حزب الله استخباراتيا في سوريا من بعض الجواسيس التابعين لإسرائيل نتيجة العديد من العوامل، حيث نشطت مخابرات بعض الدول إبان الثورة السورية، وهو ما صرح به الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني -رئيس الوزراء القطري ووزير خارجيتها في ذلك الوقت- في مقابلة تلفزيونية بتأسيس المخابرات الأميريكية غرفتي عمليات إحداها في تركيا والأخرى في الأردن وتضم في عضويتها الدول المضيفة بجانب السعودية وقطر ودولا أخرى لدعم مناهضي بشار الأسد بالمال والسلاح بغية التسريع في إسقاط نظامه
فضلا عن فتح الحزب باب الانضمام لآلاف المتطوعين في صفوفه لتعويض خسارة عناصره وإرهاقهم جسديا لسنوات
ثالثا: تولي قيادات كتيبة الرضوان مثل إبراهيم عقيل والقبيسي وغيرهم عمليات الحزب في الأراضي السورية استلزم تحررهم من القيود الأمنية وانكشاف شخصياتهم أمام شخصيات عسكرية سورية، وهم الذين عجزت المخابرات الأمريكية عن الحصول على معلومة واحدة عنهم على مدار عشرين عاما حتى مع وضع مكافأة بملايين الدولارات لمن يقدم معلومة عنه بعد تفجير السفارة الأمريكية في بيروت بالثمانينات، وهو ما جعلهم عرضة لتسريب معلوماتهم عبر الضباط المنشقين من الجيش والمخابرات السورية التي شكلت الجيش السوري الحر وتحالفت مع أطراف إقليمية.
قد تكون جميع الأدلة المادية ترجح كفة الباطل وسلاحه وتطيل من معاناة الحق وتعمق أزمته، ولكنه الإيمان غير المكتفي بالاتكال على النصر الإلهي ولكنه مقرون بالوعي والنضج بأنه ربما العدالة الإلهية اقتضت أن تمحى أدوات الحق القديمة لتخلق المتغيرات المستجدة على الأرض أدوات حديثة لم يعهدها الاحتلال وأذرعه من النظم العربية أو يتعاملوا معها من قبل، أدوات التحرر من الهيمنة والاستبداد غير مرتبطة بأيدلوجية ضيقة الأفق تتغذى على التفرقة على الهوية، حينها فقط يكتب الله النصر الذي لن يخضع لموازين القوة البشرية