هشام الحمامي يكتب: معركة بدأت باسم الله.. كيف ستنتهي؟!

ذات مصر

كانت ملكة سبأ بالغة الذكاء وهى تقرأ على قومها خطاب سيدنا سليمان عليه السلام، إذ سرعان ما ألتقطت أهم إشارة فيه على الإطلاق وقرأتها بنصها عليهم، كانت تلك الاشارة أن الخطاب (بسم الله الرحمن الرحيم)، وسواء كانت قرأته هي باختصار، أو أن سيدنا سليمان كتبه باختصار. 

إلا أننا في الحالتين أمام ما يعرفونه في مدرسة الظاهريات بـ(الوضوح)، وأروع ما في هذه (المدرسة)أنها تهتم بـ(الوعى)، باعتباره الطريق الذى يصل بنا إلى (الفهم).. وإلى ( الحقيقة).. نحن نتحدث هنا عن الوعي والفهم والحقيقة، وسرعان ما سيضاف اليهما (النور).. ولن يكون أمامنا إلا محطة أو محطتين، على الأكثر لنصل إلى (اليقين)، والذي يعتبر في الثقافة الإسلامية أفضل وأروع ما يحوزه ويمتلكه الإنسان في هذه الحياة.

***
ليس فقط لأنه يمنح الشعور التام بالطمأنينة، ولكن لأنه يمنح الحياة أحد أهم مقوماتها .. وهو (المعنى إذ لو خلت المسافة بين (ميلادنا ومماتنا) من (المعنى) لأصبحت بلا معنى، وهذا في حد ذاته كارثة كبيرة في حق الإنسان، الذى جاء إلى الحياة ليسأل ويعرف ويفهم ويمتلئ بالمعنى..والإنسان في الثقافة الإسلامية لا يكف عن التفكر والتدبر والتأمل، أي لا يكف عن أن يكون (كائنا عاقلا). 

يهتم كثيرا بأن يكون كل شيء في وعيه (متناسقا).. ليس به أي خلل أو اضطراب .. فاذا كانت هناك بداية لأي عمل، فهناك (معنى) لهذا العمل، وهو ما يستلزم وجود ثلاثة أشياء: طريق، ووسيلة، وهدف. 
***
وهنا سيحضر أهم وأخطر رقم في المعادلة، وهو (الموت).. وسيكون مهددا لهذا (المعنى)، وهو ما يجعل العقل متلفتا حوله باحثا عن شيء ما، يشعر بضرورته القصوى وأهميته، ولكنه لا يستطيع تبينه بوضوح..   فيأتي (وحى السماء) ليمنحه ما ينقصه من وضوح.. الموت ليس هو النهاية ..!

وتكتمل لديه الدائرة ، ويواصل السير بعدها هادئا مطمئنا ليصل.. الوصول رائع وجميل، لكنهم يقولون رحلة الوصول أروع وأجمل ..! 

شيء من هذا كله دار في عقل ملكة سبأ في ثوانى معدودة. في (لا زمن) !! فأخذت قرارها الذى كان يسبق رؤية مستشاريها بعشرين ألف محطة.. وانتهى بها المنتهى في الحياة إلى أصح اختيار. 

***
ويبدو أن المقاومة الإسلامية في فلسطين (حماس)، والمقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، تأثرا كثيرا بهذا المشهد.. والذى سيملأ ربوعه سيدنا سليمان .. وسيكون للهدهد فيه دور كبير! 

تماما كما كان.

***
فـ(الهدهد) ذهب وجاء، ثم ذهب وجاء .. وانتظرنا طويلا ..حتى أمس الأحد 13 أكتوبر.. ليكون ذهابه ومجيئه مبروكا مباركا .. كما سنرى.                                        

لكن، في الحقيقة .. كان (العزم) عند حماس أكثر قوة وأكثر يقينا، إذ أن قائدها الحاج يحيى السنوار كان ينام ويستيقظ، ويقول لمن حوله ما قاله سيدنا سليمان للهدهد (ارجع اليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها صاغرين..).

المدهش أن هذا كان يحدث له وهو في السجن (23 سنة) ، هكذا يحكى زملاؤه من القوميين واليساريين.. والأكثر دهشة أنه قرر أن يحول هذا كله في زمنه وعصره، إلى واقع، مهما كان الثمن، ومهما كانت التضحيات من البشر والحجر. 

***
فإذ  كان الموت صعبا، فإن صعوبته ستذوب وتختفى اذا تم وضعها في سياق وجدانى ومنطقى ومفهوم ومتجاوز للزمن (أحياء عند ربهم يرزقون..) هكذا يقول التصديق.. 
والأكثر والأكثر من المدهشات، أنه وجد من ينصت له بوعى، سواء من (الفتية) الذين سيراهم كوكب الأرض بعدها في الأنفاق يمرمغوا كرامة (الغرب) وأفكاره ذات البعد الواحد، في التراب .. (وسيتأكد لنا بألف برهان وبرهان، أن إسرائيل هي الاسم الحركي للحضارة الغربية في السيطرة على المشرق الإسلامي).

أو من أهل (العزائم والأنوار) في البيوت والحوارى الذي سيراهم كوكب الأرض وهم ينزفون ويتألمون ويصمدون ويرابطون.. ويبكون كما بكى سيدنا يعقوب على يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن. 

وهو النبى الذى يعلم من الله !!!! أن (ولده) سيعود اليه عزيزا مكرما ..أى نوع من البكاء الحزين هذا الذى يبكيه ويسكب دموعه من يوقن في (روح الله) أنها ستحمل له 

هكذا (يبكى) أهل (العزائم والأنوار) في غزة.. وإن شاء الله قريبا، بل وأقرب من كل قرب، سيفرحون ويرضون. 

***
ذهب الهدهد .. جاء الهدهد .. وزادت الحيرة! لكن الله سبحانه وتعالى الذى خلق كل شيء فقدره تقديرا، الملك الخلاق العليم ..
الذى بعث غرابا يبحث في الأرض أمام ابنى أدم القاتل والقتيل.. والذي أوحى إلى يوسف الغلام في البئر.                                       

والذى أوحى الى أم موسي أن ترضع وليدها وتلقيه في اليم .. سبحانه وتعالى بيده ملكوت كل شيء.. وكل شيء عنده بميقات ومقدار، عالم الغيب.. سبحانه وتعالى شاء أن يحدث ما حدث أولا، قبل أن تتبدد الحيرة. 
فيٌغتال فؤاد شكر فى (يوليو 2024م) ، وتنفجر أجهزة البيجر (سبتمبر 2024م) ثم تكون الضربة التي ستأتى بكل ما جاء بعدها، وسيٌغتال أمين عام حزب الله نفسه فى (سبتمبر 2024م) .

وتبددت الحيرة في بنيامينا أمس .. وهو ما كان يتوقعه ويرجوه (الحاج يحيى) و(الحاج محمد ضيف) من يوم 8 أكتوبر 2023م .. لكن يغيب العقل عن أهل العقل حتى ينفذ القدر.. إنه الميقات ،تأخيرا وتقديما ، ولا نعلم  عن القدر إلا القليل.  

لقد كان عملا كبيرا بكل المقاييس: إذ كيف عرفت المقاومة مكان مساكن الضباط بهذه الدقة؟!

وكيف عبرت المسيرات هذه المسافة دون اكتشافها أو اعتراضها؟!       

وما هذه القوة التدميرية العالية؟!.
***
لنترك تلك التفاصيل لأصحابها.. لنزداد يقنيا كل يوم أن تلك المعركة التي تخوضها المقاومة الإسلامية في لبنان والمقاومة الإسلامية في غزة هى (معركة الأمة).
وكما توقع الحاج يحيى ، فإن المنطقة بالكامل على وشك انفجار غير عادى في (حرب إقليمية دينية) ستغير  العالم كله وهذا صحيح بامتياز، هم أرادوها كذلك وهى كذلك بالفعل.                        

لكننا كنا مسجونين في الأوهام اللذيذة طيلة السنين الماضية، وأخطر تلك الأوهام هي (الأوهام الصديقة) التى حاصرتنا ، ولهذا حديث أخر طويييل .. وله وقته بعد حين.

 ***
من أخطر التعليقات التي قيلت مؤخرا في إسرائيل تعليق (ران اديليست) الصحفي المخضرم والمخابراتى العتيق الذى قال في معاريف من يومين السبت 13/10: إسرائيل مجرد (مقاول) للولايات المتحدة، و كل التحركات الإسرائيلية تخضع لحسابات ومصالح أميركية ،و تتجاوز الإرادة السياسية في تل أبيب..

وخطورة التعليق ليس في مضمونه .. فهذه حقيقة يعلمها الجميع من أيام أرثر بلفور بل من أيام هيرتزل نفسه.. لكن الخطورة هنا في التصريح العلنى بذلك، ويبدو أن الرجل قرأ كثيرا للدكتور المسيرى رحمه الله !!.. 
وبدلا من أن يقول إسرائيل (دولة وظيفية) كما كان يقول الدكتور عبد الوهاب ..قال إسرائيل ( دولة مقاول).

***
سيكون من السهل على (المؤمنين)و(أصحاب اليقين) أن يتوقعوا كيف ستنتهى هذه المعركة، التي بدأت باسم الله .. وسارت على بركة الله .. وجعلت الله لها وليا ونصيرا .. وهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير .. 
ومن يرى(المقاتل) في فلسطين ولبنان الأن، في هذه الزمن، وبعد صراع أفكار طويل وخبيث ومقصود .. من يراه الأن .. يكاد يسمعه وهو يتلو قوله تعالى فى سورة الأعراف: (إن ولى الله الذي نزل الكتاب ، وهو يتولى الصالحين).

وهنا .. يسكت كل  الكلام .