أمل صقر تكتب: أم كلثوم في خاطري
في مكان جميل على طرف قصي من جزيرة الروضة على نيل القاهرة، وإن لم يكن الوصول إليه سهلًا، يقع متحف السيدة أم كلثوم ضمن قصر المانسترلي. والموقع جميل، ويليق بأم كلثوم، فلطالما غنت للنيل وأحبته وأقامت على ضفافه. وفكرة المتحف ذاتها نبيلة وتستحق التقدير، وهي تكتسب أهمية مضاعفة في ضوء عدم التمكن من الحفاظ على بيتها، وإقامة المتحف حيث يجب أن يكون.
زرت المتحف في منتصف أكتوبر بصحبة صديقة أمريكية عربية الأصل، من محبي الفنون ومن المولعين بمصر وتراثها، وهالنا أن يكون المتحف متواضعًا إلى هذا الحد، وألا تحظى معروضاته بالعناية الواجبة التي تُبرزها وتوضح قيمتها الحقيقية، إذ تتكدس عشرات القطع دون عناية بها، مع أن كل قطعة منها تصلح لأن تكون جناحًا بذاته.
قبل الوصول إلى باب المتحف يطل علينا تمثال جميل للمثال آدم حنين.. على نحو لا يليق باسم الفنان وقيمة العمل الفني الذي استطاع أن يمثل روح السيدة العظيمة أصدق تمثيل، ولولا أنني زرت متحف آدم حنين من قبل لما عرفت أنه صاحب هذا العمل الفذ.
أما مدخل المتحف فيلفه السواد، وعلى الرغم مما يرتبط به اللون من فخامة كلاسيكية إذا أتقن التعامل معه، فإنه أيضًا يسمح بظهور أوضح للتراب الذي تتراكم طبقاته فوق هذا اللون دون أن تجد من ينظفها.
يواجه من يدخل المتحف دولاب أو خزانة زجاجية تضم عددًا من أثواب السيدة أم كلثوم، عُلقت دون عناية أو اهتمام، وبصورة تنزع عن السيدة أم كلثوم شموخها الذي طالما ارتبط بها، وترسم بدلًا من ذلك صورة لسيدة قصيرة القامة ضئيلة الحجم، على خلاف الحقيقة.
لقد تخيلت كيف يمكن لكل ثوب من أثواب سيدة النيل أن تُعرض في خزانة مستقلة، مصحوبًا بإضاءة تكشف جمال التصميم وأصالته، وصورة للسيدة وهي ترتديه محلقة في سماء الغناء والطرب، وشاشة تعرض لقطات من الأغنية التي صدحت بها وهي ترتديه، وتاريخ غنائها للمرة الأولى، والمكان الذي شهد هذه اللحظات الخالدة، وما ارتبط به من ذكريات وحكايات.
يضم المتحف قاعة عرض بائسة يُعرض فيها فيلم تسجيلي عن السيدة أم كلثوم، لا يليق بالسيدة الجليلة وتاريخها الزاخر فنيًّا وإنسانيًّا، ومكانتها لدى المصريين والعرب منذ أكثر من قرن من الزمان، بقيت خلاله في ذروة لا ينازعها عليها أحد.
لفت نظري أيضًا غياب بعض القطع التي شاهدت صورًا لها في مواد إعلامية عنه، وفي صور الأصدقاء الذين زاروا المتحف ونشروا صورًا وموضوعات عن مقتنياته.
ويمكن كذلك أن يتضمن المتحف ركنًا لبيع الهدايا التذكارية، كما هو موجود في معظم متاحف العالم، ويمكن أن تكون صورًا أو مجسمات للسيدة العظيمة وحفلاتها، أو مقتنيات المتحف، أو بعض الأعمال الفنية لكبار الفنانين الذين رسموها في مراحل مختلفة من حياتها، على أن يُستخدم العائد لتطوير المتحف والعناية به.
أخيرًا، فإن تكلفة تطوير المتحف على النحو المرجو لن تكون كبيرة، ويمكن أن يتحول من مكان غير معروف إلى قبلة سياحية مهمة ومبهرة تليق بأم كلثوم، وتحقق مكاسب مادية ومعنوية كبرى مع تزايد عدد الزوار من داخل مصر وخارجها. وربما يكون إجراء مسابقة بين طلبة كليات الفنون الجميلة حول تقديم أفكار لتطوير المتحف خطوة مفيدة بإشراف أساتذة مختارين وشخصيات ثقافية بارزة. والمؤكد أن هؤلاء الطلبة سيكون لديهم مقترحات مبدعة ومدهشة تحمل فكرهم الشاب، وتتسق مع المتغيرات الجديدة التي يدركونها ويفهمون متطلباتها أكثر من غيرهم.