إبراهيم عبد المجيد يكتب: الأيام كما عشتها

ذات مصر

-1-
هذا كتاب للقاص والباحث والمفكر السوري إسماعيل إسماعيل مروة، صاحب الكتب الرائعة التي تتجاوز الأربعين كتابا، بين القصة القصيرة والرواية والدراسات والنصوص المفتوحة. الكتاب صادر عن دارالتكوين السورية هذا العام 2024 في أربعمائة صفحة، عن سيرته الحافلة بالإنسانيات والمحبة منذ نشأته، حتى صار علامة في فضائنا الفكري والثقافي. كم التواضع الذي في الكتاب مثير وعظيم جدا يكشف عن نفس وروح هي الطيبة نفسها كما يقول عن غيره. أهدى الكتاب إلى طه حسين الذي يعشقه ويعشق فكره، وصار ملهمه في الإرادة، بعد أن أصيب في عينه اليسري إصابة كادت توقفه عن القراءة والبحث، لكن طه حسين كان قدوته، فضلا عن تقديره لما قدمه طه حسين من فكر وعمل من أجل التجديد الفكري والنهضة.  كما أهدى الكتاب إلى عدد من الأحباء أعطاهم ألقابا، مثل مفتي القلب والعقل الدكتور أحمد بدر الدين حسون، وشفيف الروح الأخ الدكتور حسان فلاح أوغلي وغيرهم. تبدأ الكتاب مع وفاة أخيه حسن مروة "أبو خلدون" وكيف بعد أن أنزله إلى القبر أيام، أخذ أوراقه وبدأ في تدوين سيرته الذاتية. السيرة كما يراها وكيف تنفتح في السنين الأخيرة من العمر، ومن ثم فهو الذي اقترب من الستين، آن له أن يكتبها، فالسيرة تُكتب في مرحلة متأخرة من العمر لتلخص التجربة. ندخل إلى قريته التي تحمل أسم "معربا" وكيف صار تاريخ ميلاده هو العاشر من شهر آيار لعام 1963 بسبب مسألة ليست غريبة على القرى، إذ التحق أصحابه بالمدرسة ولم يلتحق، فطلب من أبيه أن يدخله المدرسة. ذهب أبوه إلي مدير المدرسة الوحيدة بالقرية مستجيبا له رغم قسوته، قائلا للمدير " ضع لي إسماعيل في الزريبة" فضحك المدير وقال "ما عندنا زريبة الله يعزك.هات دفتر العائلة لأسجله بشكل نظامي". لم يجد الولد مسجلا بدفتر العائلة، فذهب أبوه وسجله في اليوم التالي بالسجل المدني في مدينة التل" السرايا". حين سأله المأمور عن شهادة الميلاد، قال أبوه "بدّي أسجله بالمدرسة، عِد ست سنين وسجله ليدخل المدرسة" اختار له المأمور تاريخ ميلاده الذي صار ينتمي فيه إلى برج الثور. كان ذلك عام 1969.عاد إلى رفاقه، وصار يرتدي صديرية المدرسة الكاكي، التي تخيطها أمه خديجة الخياطة الوحيدة بالقرية. حديث رائع دائما عن من قابلهم من الأساتذة والأصدقاء. يتذكر مدرسيه بالأسماء وكيف كانت لهم رحلة شهرية إلى السينما تنظمها الإدارة، فشاهدوا فيلم الأرض وفيلم العصفور وفيلم كفر قاسم وغيرها. بعد ذلك سيتحدث عن أثر السينما في حياته وكيف كانت رافدا للقراءة. يذكرني بطفولتي في المدرسة رغم أني أكبر بحوالي عشرين سنة. كيف فكر يوما في دراسة الإخراج، والبعثة التي تقدم إليها من أجل ذلك، وكيف ذهبت إلى غيره بفعل المسؤول الذي أرسل أبنه الي القاهرة، وفيها لم يدرس الإخراج الذي أرسله لأجله. تاريخ قريته "معربا" وأهلها. هل كانوا أصيلين فيها، أم هاجروا إليها. اكتشافه الحقيقة متأخرا، من أنها كانت قرية أغلبها مسيحيون، قامت الدولة العثمانية بطردهم في منتصف القرن التاسع عشر فصارت خالية، ومن ثم شغلها المهاجرون بعد ذلك من بلاد أخرى. وصف للقرية
ووادياها والنهر الصغير، وتفاصيل رائعة عن المكان. ما كان فيها من محلات قليلة على رأسها محل والده، الذي كان منقسما ما بين الحلاقة والبقالة وغيرها، وكيف مارس هو الحلاقة إلى مرحلة متأخرة من عمره. كيف كانت خالية من الأطباء ثم ظهروا، وتعدد أطباء الأسنان وغيرهم مع الزمن، وكل المهن الأخرى. الحديث عن القرية يشمل الأعراس وتقاليدها والوفيات والحج وغيرها، وكيف تغيرت من الإقبال الشعبي إلى العمل العادي وطقوس كل ذلك. كيف كانت خالية من شيوخ الشريعة ثم تعددوا. كيف كان يتردد على المسجد، وكيف حفظ القرآن ومال إلى التصوف والزهد. الحديث عن تطور وتغيرالقرى نعرفه في كل البلاد، لكنه هنا بلغة رائعة وأسماء الناس، وليس مجرد حديث ثقافي أو إجتماعي عن تطور القرية. حديث فيه تجسيد للسيرة التي تريد الإمساك بكل شيئ .حديثه عن أمه وأبيه وإخوته وأخواته البنات، يصل إلي أكبر درجات المحبة والإنسانية. كيف وقع مرة على الأرض فأصيبت عينه اليسرى. رحلة العلاج اليائسة وأسماء الأطباء، لكنه نجح في تجاوزها كما نجح طه حسين في تجاوز العمى. كيف كان تعليمه الحكومي في المدرسة يقابله تعليمه الأهلي في المسجد، ومن ساهم في ذلك من مدرسين وشيوخ. تعليمه الثانوي في "برزة" ومن عرفهم فيه من أصدقاء بالإسم كعادته. حيرته بين حبه للأدب ورغبة والده أن يدرس الطب، وكيف نجح أن يدرس الأدب. كيف عرف في الثانوي الاتجاهات المختلفة عند الأكبر منه. اتجاهات قومية وبعثية وماركسية وغيرها، وكيف كان بعضهم يأخذها طريقا للمصلحة وأحداث عن ذلك، لننتقل إلي أيام الجامعة في دمشق بعد رحلة لم يترك فيها شيئا إلا ذكره. كانت الجامعة حلما بعد التعثر في الثانوية، والإنغماس في سراديب الفن والسينما والمسرح والرواية، لكن حدث وصار طالبا في جامعة دمشق بكلية الآداب قسم اللغة العربية. تفاصيل الالتحاق بدءا بشراء الملابس المقررة على الطلبة، وصداقته الرائعة بعدنان الخطيب زميله، ورحلة التعرف على الشباب والشابات، ولا يزال مشبعا بحب السينما ونجومها من المصريين، وكيف رغم ذلك حافظ على أداء واجباته الصوفية والدينية دون تقصير. القلق من النجاح بعد السنة الأولى، ومن درس لهم من الأساتذة، ومواد من الدراسة مثل الأدب الجاهلي أو النحو، وطرق البحث. صداقته مع  محمد شفيق البيطار، وفضل الدكتور على أبو زيد في تدريبه على الفهرسة للمعاجم، واهتمامه بالمكتبات، وزيارته لها مع محمد شفيق البيطار. عبوره إلى السنة الثانية وماجري فيها بنفس التفصيل السابق، وكيف أضيفت مادة القرآن وعلومه. كذلك في السنة الثالثة أضيفت مادة الأدب العباسي والأدب الأندلسي، وفقه اللغة واللسانيات، والأدب الحديث والنقد العربي الحديث، وبقية المواد بالتفصيل ومن درسوها له. هذه سمه أساسية في الكتاب، فهو يمسك بكل التفاصييل تجسيدا للزمن بكل تجلياته الهامة، وحتى خلافاته مع بعض الأساتذة. الأبحاث التي قام بها، والكتب التي قرأها، لننتقل إلى الدراسات العليا والطريق إليها روتينيا وشروطها، وكيف تزامن ذلك مع التحاقه في مركز البحوث، وعمله فيه في مجموعة اللغة العربية. كيف كان قد بدأ ينشر مقالاته في الصحف وكتابين له بعد أن لبسته لوثة الكتابة. كيف كان المركز يمنع العاملين فيه من أي نشاط آخر، فصار ينشر مقالاته بإسم إسماعيل إسماعيل مكتفيا بإسمه وإسم والده. كيف كان الحب يرفرف عليه في مركز البحوث لمن عمل أو تعلم منهم حتى من لا يحبه. حصل على الماجستير وجاءته فرصة الانتقال للعمل في الإمارات التي تقدم إليها بعد إعلان رآه، وكانت الماجستير لم تناقش بعد، لكن شاء الحظ أن تتم مناقشتها قبل إنهاء اجراءات السفر، وكان ذلك في عام 1994. رحلته إلى الإمارات ووداع أمه له وأبيه وتاثره بالسفر والبعد عنهم، وحديث مع نفسه يوجز كل المشاعر إذ قالت له النفس "أما من بديل عن الرحيل؟ ويرد: أصعب مافي العمر ياحبيبة عمري أن يكون البديل عن الرحيل رحيلا" وهو يبكي. عمله بالإمارات حتي عام 2000 وحين شعر بما وراء من يسأله عن حال الأسرة، أدرك كما قال له البعض إنه إذا سألك أحد عن ذلك فاعرف أن عقدك انتهى. استقال وعاد بعد أن أمَّنت له هذه الفترة بيتا، وشبكة من العلاقات الطيبة مع أدباء من الإمارات والخليج ومصر يذكر أسماءهم، وكتب خلالها في  زاوية بجريدة الخليج وقبلها البيان. بعد مرحلة الإمارات صار أكثر قدرة على الفرز والانتقاء، فما لا يناسبه يمكن أن يرفضه، وما لا يقتنع به يمكن أن لا يفعله، وظل على وفاق مع الإمارت يزورها كل عام أو عامين.

-2-
اتسعت مساحة الكتابة التى يعود إلى بداياته فيها وهو في المرحلة الابتداية وقراءاته. من طرائف ما قال كيف كانت قراءة مصطفي صادق الرافعي صعبة جدا. ذكرني بصباي، فبعد أن قرأت معاركه مع طه حسين، بدأت في قراءة كتاب "وحي القلم" ولم أكن أستوعبه بسهولة. أصابتني الحمي التي ادخلوني بسببها مستشفى الحميات في منطقة الحضرة بالإسكندرية وكان عمري خمس عشرة سنة. أتذكر ما قاله عنه طه حسين " أُخال هذا الكاتب يضع الكلام وضعا" أي يلده بما في الولادة من آلام، فرد عليه الرافعي قائلا " أتحداك أن تضع مثلما أضع وعلىْ نفقات القابلة". رغم ذلك فللرافعي كتب عظيمة مثل "تاريخ آداب العرب" والمدهش أنه مؤلف أجمل نشيد وطني وأسهله وهو نشيد " أسلمي يا مصر" الذي لحنه صفر علي في عشرينات القرن الماضي، وصار راية للمدارس والجامعات، ولحقت به في تعليمي الابتدائي في بداية خمسينات القرن الماضي، حتي وقع العدوان الثلاثي عام 1956 وصار النشيد هو" الله أكبر".
أعود إلى الكتاب الملحمي التكوين في تفاصيله. تمشي مع رحلة الكتابة والنشر. من ساعده فيها ودور النشر التي تعاون معها.  الإعلام الذي كان أغني محطاته على الاطلاق ومن يدين لهم في ذلك. الصحف التي كتب فيها مثل جريدة الأسبوع الادبي وجريدة الثورة ومجلة الفيصل ومجلة الثقافة والكفاح العربي وجريدة الوطن وطبعا الصحافة الإماراتية. من ساعده ومن ناكفه أو تآمر عليه. ينتقل في رحلته إلى الإذاعة والبرامج التي ساهم في إعدادها أو أعدها مثل برنامج" المفكرة الثقافية" و" عالم المخطوطات "كذلك في التليفزيون. لكن تبقي الصحافة المقروءة هي ميدانه الأحب. تعاونه مع وزارة الثقافة والوزراء الذين تناوبوا عليها مثل نجاح العطار والدكتورة مها قنوت ثم رياض نعسان أغا وغيرهم. أحاديث تعكس الحياة الثقافية والسياسية في سوريا والأنشطة والندوات. ننتقل إلى فصل طويل حوالي مائة صفحة عن الأيام والقامات والأصدقاء، يذكر فيه عشرات الأسماء التي قابلها وسعد بها، وإسهام بعضهم في تكوينه أو دراساته أو نشره. فصل هو شهادة فائقة الإنسانية من جهة، ومحفل لمظاهر الحياة الثقافية في كل تجلياتها. كان من حسن حظي أني وجدت اسمي بين من قابلهم في مصر وسوريا، وكيف صارت المحبة لي، وذكرني بأيام جميلة. سبق له من قبل أن ذكرني في مقال في كتابه " كما عرفتهم – فصول من السيرة الذاتية" المنشور في دار البشائر السورية.  كما جاء ذكر فتحية العسال ممن قابلهم في مصر. فتحية العسال صديقتي أيام الأمل في العمل السياسي، وأسماء أخرى من كل البلاد كما قلت، ناشرون ومثقفون وإعلاميون واساتذة بالجامعات. من القامات سماحة المفتي الأستاذ الدكتور الشيخ أحمد بدر الدين حسون وقناعته برؤيته الدينية واجتهاداته، فضلا عن العلاقة الخاصة الإنسانية، وهي علاقة استمرت لثلاثة عقود. كذلك أستاذه ياسر عبد ربه الذي زرع فيه حب مهنة الإعلام، والدكتورة نجاح العطارصاحبة القلم الأدبي الراقي، راعية الأنشطة الثقافة والفنية وهي وزيرة الثقافة، وصديق عمره الدكتور حسان فلاح أوغلي. من الأصدقاء يذكر أعدادا كبيرة يرفرف الحب على علاقته بها، مثل إبراهيم الصالح المحقق والمدقق اللغوي الذي التقاه كثيرا في دار البشاير، والدكتور أحمد أبو حاقة العالم الموسوعي، وأحمد الخوص كاتب الكبار والصغار، والدكتور أحمد سيد عمار أبو صلاح الباحث في التراث وعلوم القرآن والمصري الذي صادقه في الإمارات، والأستاذ أحمد عبيد كبير ورّاقي بلاد الشام في القرن العشرين، صاحب المكتبة العربية بدمشق، وأسامة انور عكاشة الكاتب المصري الشهير، والأب إلياس زحلاوي الكاتب المسرحي والمترجم الهام، والفنان أيمن الدقر رحمه الله الذي رسم له أغلفة كثير من كتبه، والدكتورة بثينة شعبان، ووزراء وأطباء، فضلاعن الدكتور جواد الركابي أستاذ الأدب الأندلسي، والكاتب عبد السلام العجيلي، وغيرهم عشرات أعجب بأعمالهم أو أعجبوا بأعماله. فصل فيه تتدفق المحبة مثل نهر هادر. يحكي تفاصيل اللقاءات وما جرى بينه وبينهم حتي نصل إلى الفصل العشرين بعنوان الأيام والدول. 

-3-
ننتقل هنا إلى الدول التي زارها. الأردن كانت أول زيارة مع زملائه طلاب الإعدادية في رحلة مدرسية. هناك حدث أنه كان يمشي مع زميل له، فخرج إليهما رجل من سور مزرعة إنهال عليهما ضربا. كان صاحب المزرعة وتمت سرقة ثمارالموز منها من قبل، فظنهما لصوصا. حين عرف أنها سوريين في رحلة تأسف لهما، لكن بعد الضرب العنيف الذي لا ينساه. زارها مرة ثانية مع وفد حين استقر اسمه بين الكتاب بدعوة من الأمم المتحدة. تصادفت زيارته مع تفجيرات عمّان واستشهاد المخرج مصطفى العقاد في فندق حياة ريجينسي، وكانوا ينزلون في فندق قريب منه. حظ غريب مع الأردن. لبنان زراها كثيرا. كانت أول مرة عام 1991 حين عزم على تسجيل الماجستير في جامعة بيروت، واستمرت زيارته تتكرر في بهجة حتى مناقشة الدكتوراة في 2015 . كذلك الإمارات ومصر  ثم قطر والكويت وسراييفو التي زار فيها قبر على عزت بيجوفتش.  كازاخستان لها حكاية. سبق له والتقي بوفد علمي منها في دمشق عام 2008 وكان الوفد برئاسة رئيس جامعة جاميلوف الحكومية، بختيجان رحيموف. كانوا يتواصلون معه بعد عودتهم، وعرضوا عليه منحه الدكتوراة، فأعد بحثا عن الدكتورة سعاد الصباح بعنوان" سعاد الصباح والحب" تمت ترجمته إلى الروسية وطبعت منه آلاف النسخ في الجامعة. كانت زيارته لها بعدها عام 2010 فمنحوه الدكتوراة وأزاحوا الستار عن لوحة خاصة به، وظلت علاقته بهم يرسل إليهم  شحنات من الكتب العربية. لم تُعتمد هذه الدكتوراة في بلده، فحصل فيما بعد عام  2015علي الدكتوراة من جامعة بيروت. كذلك يتحدث عن تونس والسودان وسلطنة عمان. تنفرد لبنان بحديث أكبر في فصل مستقل، سواء الصحافة أو الدراسة، وكانت رسالة الدكتوراة عن "البنية والرؤية في الرواية السورية" حكايات كثيرة مدهشة عن بيروت وأعلامها في الأدب والصحافة. ثم يأتي فصل بعنوان " أيام الأيام" عن الأيام الصعبة في حياته، مثل القبر الأول الذي دفن فيه فاطمة الطفلة الرضيعة إبنة أخيه معتز الذي كان مسافرا، ويوم الدهشة الأولى بعد أن تحول من حلاق وبائع خضار إلى مدرس يحمل حقيبة جلدية، والخيانة الأولي لمن جعلوه يقدم استقالته من العمل بالامارات، والموت الأول وفيه الحديث المؤلم عن  وفاة أمه، والإنجاز الأول عن دكتوراة كازاخستان، ثم الخيبة بعدم اعتمادها في سوريا فاضطر للدكتوراة الأخرى. أما الظلام الأول فهو المرض الذي أصاب عينيه وكيف نجا منه متاخرا، ثم الذبح الأول له بموت أخيه حسن الأكبر منه، الذي كان أخا وأبا وصديقا وحبيبا. ثم تأتي أول مخالفة للقناعة، فهو لا يرى معنى للانتخابات في بلاد بها عصبيات وقبائل، لكنه يخالف ذلك ويترشح لانتخابات اتحاد الكتاب عام 2020 فتثور الشائعات حوله أنه رجل السلطة كأن الإتحاد مستقل، وأنه جاء بالمال السياسي، وأنه من الإخوان المسلمين يتظاهر بالعلمانية، وأنه متعالي مغرور، وغير ذلك، فأخفق في الانتخابات. يفسر ذلك بأنه خالف قناعاته. هكذا نمشي مع عمله في مجمع اللغة العربية واعتذاراته المتكررة أكثر من سنة عن الترشح للعضوية، ثم الحديث عن لماذا يجلّ طه حسين ولماذا يستخدم كلمة يجلّ لا كلمة يحب، فيجلّ فيها من الإجلال الكثيروالنظرة التقويمية أكبر. العمي فهو يشبهه في العاهة التي كادت تعميه، وحديث عن مناهج طه حسين في البحث، وقصة زواجه من سوزان الفرنسية، وكتابها عنه بعنوان " معك" الذي ترجمه بدر الدين عرودكي. كذلك حديث سكرتيره عنه وعن سوزان. كيف صار طه حسين مثله الأعلي فحمل الكتاب عنوان الأيام بإضافة "كما عشتها". هكذا تمشي مع الكتاب وفصوله الأخيرة القصيرة حتى تصل إلي الأيام والروح، وكيف لا يقصد بالحديث عن الروح القضايا الروحية بحد ذاتها، إنما يقصد تبلور الروحانيات في مسيرة الأيام بالتأثر بالبيئة البسيطة، وأمه التى كانت في منتهى الكرم، ومنتهى الخوف من الله، والتزامه في المرحلة الإبتدائية بجلسات المسجد والتزامه بالتصوف والزهد، ثم قراءاته التي توسع فيها من قبل ويضيف إليها. تنتهي من الكتاب وقد قطعت رحلة هائلة في الزمن والحياة والنفس البشرية غلفتها المحبة ونادرا جدا الغضب.