عمار علي حسن يكتب: "حماس" و"الجهاد الإسلامي".. جانب من تاريخ الكفاح الفلسطيني المسلح

ذات مصر

في العقود الأربعة الأخيرة قام النضال الفلسطيني المسلح، في الغالب الأعم، على كتفي حركتين تتخذان من "الإسلام" أيديولوجية لهما، لكنهما تختلفان عن كثير من الحركات والجماعات والتنظيمات السياسية الإسلامية في بلاد العرب والمسلمين في أنهما منذورتان لقضية تحرير فلسطين، حيث جعلهما الوقوع تحت الاحتلال حركتي مقاومة، بغض النظر عن الأيديولوجية التي يعتنقانها، وهي مسألة يجب أن توضع في الحسبان حال تقييم أهداف الحركتين ودورهما.

وقد تكونت حركة الجهاد في الثمانينات من عناصر خرجت من الإخوان المسلمين وبدأت تروج لفكرتها بين الشباب واستقطبت عددًا من المعتقلين ممن كانوا ينتمون إلى الجماعة الإسلامية أو فتح أو قوات التحرير الشعبية أو غيرها, وخاصة عندما إعتقل مؤسس الحركة ومفكرها الدكتور فتحي الشقاقي في عام 1983، كما نشطت الحركة في قطاع غزة فضمت إليها الكثير من الشباب الذين لم يسبق لهم الإنتماء لأي تنظيم.

وكان الشقاقى قد اقتنع في شبابه بفكر حسن البنا، حيث أنه ينتمي لأحد مخيمات اللاجئين في رفح الذين صدمتهم هزيمة يونيه 1967, واقتنع بسيد قطب وكتابه في ظلال القرآن الذي كتب للشباب المسلم خلاله معالم الطريق، واختلف الشقاقي مع الإخوان بعد ما إندلعت الثورة الإيرانية واستبشر بها شباب الإخوان وأيدوها فقط, في حين أيدها هو بقوة وطالب ببيعة كل المسلمين للخوميني،  وكتب كتابًا في ذلك بعنوان "الخميني الحل الإسلامي البديل".

اعتقلته السلطات المصرية, وبعد خروجه من المعتقل اتصل بالجهاد الإسلامي المصري وبدأ في تجميع الشباب في مصر حول أفكاره وانضم إليه طلاب فلسطينيين كانوا يدرسون في مصر.

وتمكن الشقاقي من مغادرة مصر إلى غزة عام 1980 وتعاون مع عبد العزيز حمودة في الدعوة إلى فكرهم الجديد واستغلوا المساجد والجامعة لعمل ذلك فدخلا هم وأعضاء جماعة الجهاد الإسلامي في منافسة مع الإخوان المسلمين, اشتعلت رحاها بسبب خلفيات الماضي القريب.
اختلفت رؤية الجهاد الإسلامي للمشكلة الفلسطينية عن رؤية الإسلاميين السائدة والتي مثلها الإخوان المسلمون وغيرهم, فبينما يرى الإخوان أن المشكلة الأساسية التي تواجه الأمة مع غياب الدولة الإسلامية الواحدة "الخلافة" وأن مشكلة فلسطين هى إحدى المشاكل الفرعية لهذا الغياب، وسيتم حلها بعد قيام الدولة الإسلامية، فإن حركة الجهاد الإسلامي اعتبرت قضية فلسطين القضية المركزية للمسلمين.

ويعتقد قادة الجهاد الإسلامي أن حركة فتح وليدة محاولة إسلامية للإجابة على أزمة التيار الإسلامي في مرحلة 1855 إلى 1958 وأنها نموذج مصغر للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بكل ماضيه وحاضره وتفاعلاته وحاسياته وتناقضاته ولذلك فهى في قلب اهتمامات الشعب الفلسطيني في كل مواقفه وانتماءاته.

ولقناعة الجهاد الإسلامي بموقع فتح في نفوس كل الفلسطينيين حرصت على عدم الاصطدام معها لدرجة أنه وردت أحاديث كثيرة عن وجود صلة بين الجهاد وفتح. ولكن أنكرتها مصادر الجهاد برغم أن المصادر الأمنية الإسرائيلية أكدتها وعناصر من فتح روجتها.

وظلت حركة الجهاد الإسلامى ترى في نظام التجزئة العربية وجها آخر للدولة الصهيونية وبالتالي لابد من محاربتهما معًا. وتعيب الجهاد الإسلامي على الإخوان المسلمين مهادنتهم لأنظمة الحكم، ومشاركتهم في مجالسها النيابية.
وبالنسبة للموقف من الثورة الإسلامية في إيران فقد اعتبرتها حركة الجهاد الإسلامي مركز الثورة الإسلامية العالمية التي يتوجب بيعتها والاندماج فيها واعتبار الخيني إماماً للمسلمين, بينما تحفظت جماعة الإخوان على ذلك.

ولذلك السبب وجه الإخوان المسلمون وقادة حركة حماس نقدًا حركة الجهاد الإسلامي، ووصفوا أعضاءها بأنهم يخلطون الإسلام بغيره، ولا يميزون الموقف الإسلامي الصحيح، واعتبروهم أداة إيرانية في المنطقة، وأطلقوا عليهم لفظ الشيعة والخمينيين.

واتسمت العلاقة بين الجهاد الإسلامي وحماس بالتنافس والصدام طيلة الفترة من بداية الثمانينات "تأسيس الجهاد" وحتى الانتفاضة في عام 1987, حيث رأى الإخوان المسلمون فيهم خطرًا على سيرة الإخوان، ومنافسًا قويًا لهم على الشرعية الإسلامية.

وخلال تلك الفترة اتهمت الجهاد كلًا من حركة حماس والإخوان بالتقاعس عن العمل الوطني، والعمالة، وتلقي الأموال من السعودية والأردن، وكذلك بالتخلف الفكري والجمود التنظيمي. ووصل الصراع إلى مداه حينما اعتدى بعض شباب الإخوان بالضرب على الشيخ عبد العزيز حمودة "قيادى بارز في الجهاد"، وكان اعتداء مخططًا له، رقد الرجل بسببه في المستشفى عدة أيام.

وبينما ترى حماس أن صراعها مع الجهاد قد عرقل مسيرة كفاحها ضد الإحتلال الإسرائيلي وأخَّر الشروع في تنفيذهت لمخططها النضالي/ ترى حركة الجهاد أن تأخرها في مباشرة العمل المسلح ضد إسرائيل يرجع إلى حملة المحاصرة التي شنها الإخوان المسلمون ضدها والتي بدأت بعد عام 1981.

وبعدما اشترك الفصيلان في الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وكذلك في الثانية، فإنه من الناحية النظرية صارت حماس قريبة جدًا من فهم التيار الجهادي للقضية الفلسطينية، وصارت حماس تركز مركزية القضية الفلسطينية وضرورة قتال اليهود, بل وتقوم بالعبء الأكبر في ذلك، وهو ما يثير تساؤلات داخل الجهاد نفسها وخارجها، هل هناك مبرر لوجود الجهاد واستمرارها بعيدًا عن حماس؟
أما حركة المقاومة الإسلامية "حماس" فقد ظهرت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة مع بداية الإنتفاضة الفلسطينية الأولى التى اندلعت يوم 8/12/1987, حيث تم توزيع بيانها الأول موقعا باسم الحركة بتاريخ 14/12/1987, وسقط فيها العديد من الشهداء الذين ينتمون للحركة فى غزة وخان يونس والمعسكرات الوسطى, وذلك في الأيام الأولى للإنتفاضة.

وقد أبرزت حماس أنها نشأت من رحم الإخوان المسلمين, وكان ذلك في عام 1948, حيث أقر بيان الإنتفاضة رقم 6 المؤرخ بتاريخ 11/2/1988 أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" تعتبر الساعد القوي لجماعة الإخوان المسلمين التي قدمت إمامها الأول شهيداً في مثل هذا الوقت من عام 1949. وهو نفس المعنى الذى تكرر في البيان رقم 15.
واتضحت هذه الحقيقة تماماً من خلال المادة الثانية من ميثاق الحركة الصادر بتاريخ 18/8/1988, والتى تنص على أن "حركة المقاومة الإسلامية" جناح من أجنحة الأخوان المسلمين فى فلسطين.

وحقيقة الأمر أن الحركة الإسلامية في قطاع غزة والتي تمخضت عنها حركة حماس, قد مارست كل أشكال العمل وتعرضت لمختلف الظروف في الفترة من 1948–1957 حيث عاشت تجربة العمل العلني والأنشطة الشعبية العامة والإمتداد الجماهيري الواسع, كما عاشت ابتداء من 1954 تجربة العمل العسكري المقاوم للإحتلال من خلف الحدود, وعاشت تجربة العمل السياسي والشعبي.

وأصبحت الحركة الإسلامية في الضفة الغربية وقطاع غزة هى بمثابة المخلص للشعب الفلسطيني, بعدما وقعت نكسة يونيو وخاب أمل الفلسطينين في المخلص الخارجي سواء كان ممثلاً في شخص جمال عبد الناصر أو الجيوش العربية.

وبفعل الضربات الإسرائيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومعاهدة كامب ديفيد وتداعياتها على الفلسطينين واندلاع الثورة الإسلامية في إيران, وتمكن الحركة الإسلامية من عمل أرضية شعبية لها من خلال مشروعات طبية وخدمية بأموال سعودية وأردنية, ثم إيرانية فيما بعد اتسعت قاعدة حركة حماس في فترة ما بعد الإنتفاضة الأولى, والتى كانت إنتفاضة شعبية عنيفة اشترك فيها الشعب كله لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي, وذلك بعد شعور الفلسطنيين باليأس والإحباط نتيجه لسياسات القمع والإذلال والإبعاد والتهجير ومصادرة الأراضي والإستيطان وأشياء أخرى كثيرة. 

كانت حركة حماس تستخدم قبل الدخول في صراع شامل ومكشوف مع الإحتلال تستخدم أسماء مستعارة من أجل المحافظة على أمن وتنظيم وسرية أعمالها وإرباك أجهزة الأمن المضادة, حيث استخدمت أسماء مختلفة منها "المرابطون على أرض الإسراء" و"الإتجاه الإسلامي في فلسطين", وذلك في الإعلان عن الإضرابات العامة والعصيان المدني كأسلوب لمقاومة الإحتلال الإسرائيلي، ولم يظهر اسم "حركة المقاومة الإسلامية" حماس إلا مرتين قبل الإنتفاضة الأولى, وذلك طبقا لما أورده زئيف شيبو الذي يتلقى معلوماته من أجهزة الأمن الإسرائيلية, وكانت المرة الأولى في مارس 1987 في منشور أنذر فيه الصيادلة بوجوب مد يد العون لمكافحة المخدرات, والثانية في منشور وزع في نوفمبر 1987 دعا إلى إتقاء مناورات مصلحة الأمن العام.

وفى يوم 9/12/1987 اجتمعت الهيئة الإدارية للإخوان المسلمين مكتب قطاع غزة فى منزل الشيخ أحمد ياسين بحضور كل الأعضاء وهم الصيدلي إبراهيم اليازوري الأمين العام للمجمع الإسلامي والأستاذ محمد حسن شحتة والأستاذ عبدالفتاح دخان والشيخ صلاح شحادة عميد شئون الطلاب في الجامعة الإسلامية والمهندس عيسى النشار وكان مسئول الحركة عن منطقة رفح والدكتور عبد العزيز الرنتيسي طبيب أطفال وكان قد إكتسب شهرته من صلابته وكان ناطق رسمى باسم المعبدين في مرج الزهور وأدار تلك المعركة بنجاح فائق, وكان هو وعيسى النشار من الجيل الثاني في الحركة.

وتقرر في ذلك الإجتماع والذي استغل حادث المقطورة العمل تحت اسم حركة المقاومة الإسلامية كجناح سياسي وإعلامي يختص بالإنتفاضة وتطويرها والإشراف على فعالياتها من خلال "جهاز الأحداث" بالإضافة إلى جهازين آخرين سابقين كانا قد تم تأسيسهما في وقت سابق ويتصلون مباشرة بالشيخ أحمد ياسين, وهما:

• الجناح العسكري "المجاهدون الفلسطينيون" الذي أسسه الشيخ أحمد ياسين في عام 1983 ثم أعاد تشكيله في عام 1986 مسنداً مسئوليته إلى الشيخ صلاح شحادة.

• الجناح الأمني "مجد" والذي أسسه الشيخ أحمد ياسين عام 1985 وكان من أهم من عمل فيه الأخ يحيى السنوار الذي كان يقضي حكما بالسجن مدى الحياة.

وكان زعيم حركة حماس الشيخ أحمد ياسين والذي اغتالته “إسرائيل” من أكثر الإخوان اندفاعاً باتجاه مواجهة الإحتلال بجميع الأشكال وخاصة العسكرية حيث قال لأحد محدثيه في عام 1968 “سأقاتل إسرائيل عندما أمتلك مسدساً واحداً”.

وقد طلب أحمد ياسين في إجتماع مجلس شورى الإخوان المسلمين في قطاع غزة في نهاية عام 1985 أن يختاروا زعيماً لحركة حماس بدلاً منه, حيث كان يريد حسب أقرب التحليلات إلى الصحة ترك دفة الأمور إلى الجيل الجديد ولكي يتفرغ هو للعمل العسكري والأمني ولكن مجلس شورى الإخوان لم يوافق على طلبه في ذلك الإجتماع.

ويؤكد الدكتور على الجرياوي أن تأسيس حماس والإنخراط بالإنتفاضة أعطى تشكيل حماس دفعة تنظيمة قوية في الضفة الغربية وقطاع غزة وساهم في إنتشار الجماعة بشكل منظم في مختلف أرجاء الأراضي المحتلة من مدن وقرى ومخيمات, بالإضافة إلى أكبر مركز إستراتيجي لهم وهو أنه دفع القيادات لبلورة قيادة مركزية للإخوان على صعيد الأراضي المحتلة وإنخراط أجيال جديدة وآلاف من الشباب في حركة المقاومة الإسلامية حماس.

واستخدمت حركة حماس المسجد محوراً أساسياً في التعبئة الحماسية لأنها كانت تفتقد لوسائل الإعلام، وقد برز دور المسجد في حركة الإنتفاضة، حيث كانت أكبر المظاهرات وأعنف الصدمات تبدأ من المسجد ولم تغفل الحركة دورها الإجتماعي الذي زاد من شعبيتها في أوساط الفلسطينيين.

وفى أغسطس عام 1988 دعت حركة حماس إلى مواجهات وصدمات مع قوات الإحتلال في ذكرى الهجرة النبوية كانت الأعنف في تاريخ الإنتفاضة وخاصة في الضفة الغربية، كما نفذت مجموعة من شباب حماس هجوماً على الجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس قذف الرعب في قلوب السلطات المحتلة وجعلها تراجع حساباتها من جديد.

وفى الشهر نفسه صدر في الأرض المحتلة ميثاق حركة المقاومة الاسلامية، وكان صدوره صدمة للعدو الإسرائيلي كما كان صدمة لمنظمة التحرير الفلسطينية لأنه كرس مقولة إسلامية فلسطين من البحر إلى النهر وأنها أرض وقف إسلامي لا يجوز التنازل عن ذرة من ترابها وبالتالي استشعرت حركة فتح خطرها كما استشعرته الدولة الإسرائيلية كل وفقاً لحساباته السياسية.

وفى شهر أغسطس أيضاً ظهر صوت حماس لأول مرة مدوياً خارج الأرض المحتلة على لسان الشيخ خليل القوقا, أحد قادة حماس الذي أبعدته السلطات الإسرائيلية، كما نشطت اللجان الخيرية الإسلامية في الخارج في جمع التبرعات للأراضي المحتلة أظهرت في الشهر نفسه لجان جديدة مما جعل "م. ت. ف" تشعر أن حركة حماس بدأت تقتحم عليها مناطقها المغلقة.

ويقول الدكتور زياد أبو عمرو "وبالإضافة إلى الفعاليات المعتادة للإنتفاضة, كانت حركة حماس الجهة الأكثر إنخراطاً في أعمال مسلحة ضد أهداف إسرائيلية حيث هاجم أربعة من شبابها مركز الشرطة في مدينة نابلس في صباح يوم 14/8/1988 وقذفوا 50 جندياً إسرائيلياً بالزجاجات الحارقة وأصابوا منهم لإثنين وأحرقوا ثلاث خيام وانسحبوا بسلام وسط ذهول وذعر الجنود, وفي بيت لحم طعن شاب آخر جندي إسرائيلي عدة طعنات سببت له الموت, وفي عملية ثأرية لشهداء مسجد الرضوان في غزة توجه عضو حماس طلال قويدر لمهاجمة دورية إسرائيلية وقتل ثلاثة من جنود العدو قبل استشهاده.

وهكذا استمرت عمليات المقاومة وتعددت أشكالها العسكرية من جانب حركة حماس لقوات الإحتلال الإسرائيلي, حتى وصلت إلى حد القصف بصواريخ القسام لمستوطنة سيدروت واستخدام الأحزمة الناسفة في الحالات التي يراد فيها تقديم رسائل بعينها إلى حكومات تل أبيب. 

وكان من أبرز العمليات التى قامت بها حماس عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط والتى اجتاحت بسببه الجيوش الإسرائيلية لقطاع غزة أكثر من مرة بدون النجاح في كسر شوكة قادة الحركة في داخل غزة وخارجها، ومن أبرزها أيضا عملية حدثت في 1988, حيث تم خطف جنود إسرائيليين بكامل أسلحتهم في داخل فلسطين المحتلة والإستيلاء على أسلحتهم ووثائقهم وملابسهم وقتلهم ودفنهم دون أن يعلم أحد, وهى العملية التي أربكت أجهزة الأمن الإسرائيلية آنذاك وأشعرتها بالهزيمة أمام جرأة الجناح العسكرى لحركة حماس.

وكانت حركة حماس قد بدأت إنتفاضتها بالحجارة ولكن ردود فعل الإحتلال هى التي غالبا ما تؤدي إلى اضطرار الطرف المقاوم لتغيير أساليبه، ومن الأمور المهمة هو أن قيادات وناشطي الحركة قد تعرضوا لأكبر عمليات اعتقال وبرغم ذلك إزدادت روح المقاومة المسلحة ضد الإحتلال وتعرضت حماس لضربات اعتقال جماعية كبيرة الضربة الأولى حدثت في مايو 1988 حيث اعتقل القادة الستة المؤسسين ماعدا الشيخ أحمد ياسين واعتقل الشيخ جميل الحمامي الذي كان يمثل حلقة الوصل بين القطاع والضفة، كما اعتقل أعضاء الجهاز الإعلامي في غزة وعدد من مسئولي المناطق.
وبعد صدور الميثاق فى أغسطس 1988 اعتقلت أجهزة الأمن الإسرائيلية كل القياديين الإسلاميين في قطاع غزة وزادت على ذلك بأنها سجنت العشرات من الأساتذة والوعاظ بذريعة أنهم من الصف الوسط لقيادة الحركة، واعتقلت كذلك 50 شخصاً في نابلس ينتمون للحركة.
وفى مايو 1989 قامت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بجملة اعتقالات استمرت عدة أيام بلغ فيها عدد المعتقلين 1500 معتقل من جميع المناطق المحتلة وتم خلالها اعتقال الشيخ أحمد ياسين والدكتور محمود الزهار وجميع الرموز الإسلامية الموجودة خارج السجون، بالإضافة إلى الشيخ بسام جرار في رام الله بتهمة قيادة حركة حماس في الضفة الغربية، وكان ذلك في 19/5/1989.
وبرغم تلك الضربات وقوتها واتساعها, إلا أن حركة حماس استعادت قوتها بسرعة ونزلت بيانها الدوري في موعده واستمرت في فعاليتها وأنشطتها وزادت من عملياتها العسكرية, وهو نفس الأمر الذي حدث إثر إجتياح غزة بهدف اسقاط حكومة حركة حماس، واعتقال العديد من قيادتها وكذلك نواب لحماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، ومع الحملة التي لم يسلم منها حتى بعض وزراء حكومة حماس.

وفى مرحلة ما بعد إعلان القيادة الوطنية الموحدة للإنتفاضة اتضح الإختلاف الكبير في وجهتى نظر فتح وحماس فيما يتعلق بالوحدة الوطنية, حيث ترى فتح أن الوحدة الوطنية ولقاء كافة القوى السياسية يجب أن يكون تحت مظلة فكر منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطيني, في حين ترى حماس أن مفهوم الوحدة يقوم على أساس فكرها وبرنامجها السياسي والرامي لتحرير فلسطين بالكامل وأن يكون تحرير الضفة والقطاع خطوة تكتيكية نحو تحقيق الهدف الأكبر والذى يبدو مستحيلاً بحكم ما هو موجود على أرض الواقع, وفي الوقت نفسه تعرب حماس عن استعدادها للعمل تحت قيادة "م. ت. ف", حيث جاء في المادة السابعة والعشرين من ميثاق حماس "ويوم تتبنى منظمة التحرير الفلسطينية الإسلام كمنهج حياة فنحن جنودها ووقود نارها التي تحرق الأعداء.

هذا وتعتقد حركة حماس أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية وأن الحرب مع اليهود إنما هى حرب عقائدية بكل جذورها وأصولها وذات أبعاد حضارية بكل تفرعاتها, وهو ما يجعلها تختلف في التصور عن باقي التنظيمات الفلسطينية.
وينسب في ذلك الصدد للشيخ أحمد ياسين قوله "يجب أن تكون هناك أرضية أساسية مشتركة تقوم على الإلتزام بالقيم والمبادئ الإسلامية وعدم إنتهاكها في فترة المقاومة، كما يجب الإتفاق سلفاً على أن يكون نظام الدولة بعد التحرر هو الإسلام, فإذا قبلنا بالدولة العلمانية نكون قد خرجنا عن الاسلام.

وبدأت الصدمات بين حماس وفتح من يوم 21 أغسطس 1988, حيث أعلنت حماس عن إضراب منفرد نجح بشكل كبير، وبرغم محاولات عناصر فتح لإفشال الإضراب من خلال تحذيرهم لأصحاب المحلات عن قفلها وقيامهم بكسر أقفال المحلات التي أغلقت استجابة لدعوة الإضراب بهدف إفشال الإضراب من ناحية وتسريب انطباع بأن حماس ليست موجودة إلا في غزة فقط من ناحية أخرى، وتطورت الأمور لدرجة أن مجموعة من "ق. و. م" قامت بضرب أحد عناصر بثلاث زجاجات حارقة دخل على أثرها المستشفى، وقام آخرون برجم شاب من حماس بالحجارة وبتحريض التجار وأصحاب المحلات التجارية على عدم الإلتزام بالإضراب.

وفى شهر سبتمبر 1990 ظهرت بعض الصدامات بين حماس والحزب الشيوعي في مخيم جباليا، وكذلك صدامات أخرى مع حركة فتح في مخيم البريج بقطاع غزة، وصدامات أخرى في قرية "جبع" بالضفة الغربية, وبذلت مساعي حميدة للصلح على إثر ذلك، وتم بالفعل التوصل إلى إتفاق في الأردن بين حماس وفتح في 19/9/ 1990 أطلق عليه اسم "وثيقة الشرف", والتي أكدت على حق كل فصيل في الاجتهاد الفكري وأداء فعالياته كاملة دون تعرض فصيل آخر، ولم يتعرض الإتفاق إلى المسائل السياسية وإنما ركز على وضع الأسس للعلاقة الحسنة بين الطرفين "فتح وحماس".

وكانت قيادات حركة حماس ومنذ بداية الإنتفاضة في الأرض المحتلة قد عملت على نقل مركز اتخاذ القرار إلى الخارج، وأوكلت إلى قيادات الإخوان الفلسطينيين في الخارج دور قيادة الحركة أو على الأقل إدارتها حسب ما يتوفر لديها من إمكانيات، وقد تم ذلك بالرضى الكامل ودون أدنى حساسية، وذلك لأسباب ودوافع منها الروح الأخوية التي تربط بين الإخوان في كل مكان والاعتقالات المتكررة التي تصل إلى كل قيادة والتي تطلب الأمر معها أن تكون هناك مرجعية آمنة, ومعاناة الحركة في الداخل من الحصار الإعلامي والتعتيم على نشاطاتها وتحريف توجهاتها وقرب قيادات الخارج من القيادة الدولية للإخوان المسلمين وسهولة إتصالها بالتنظيمات الإسلامية القطرية, بالإضافة إلى الظروف المتاحة بشكل أكبر لقيادات الخارج في تمثيل الحركة وشرح مواقفها أو الإتفاق باسمها مع المنظمات الفلسطينية والعربية.
ولأن حركة حماس في بدايتها لم تكن تمتلك جهازاً إعلامياً فقد إعتمدت في توصيل دعوتها لمقاومة الإحتلال وأسسه الفكرية لتلك الدعوة على الميثاق الذى أصدرته ووزعته على نشطائها ومنها إلى الفلسطينيين في الضفة والقطاع حيث وزعته بطريقة سرية في أغسطس 1988, واعتمدت كذلك في سبيل تحقيق هدفها على إصدار نشرات سرية يتم توزيعها على الأعضاء والمناصرين وتعليقها على المساجد.
وقد أصدرت الحركة العديد من النشرات السرية عن طريق المكتب الإعلامي والأجهزة الأخرى مثل أنصار حماس والحصاد والثبات وصوت الطلبة والسواعد الرامية وصوت الأقصى, وهى نشرات تورد تحليلات سياسية للأحداث وقصص للشهداء وقصائد وأشعار وآيات قرآنيه تعظم الشهادة والشهداء والصبر والجهاد والتعاون.
كما تعتمد حركة حماس أيضا على الشعارات وينسب للإنتفاضة أنها جعلت الجدران في المدن والقرى والمخيمات بمثابة لوحة وطنية تزدحم بالشعارات التي تحث الفلسطينين على المقاومة والتي استخدمتها حركة حماس كأحد الروافد الإسلامية للوصول إلى الجماهير, واعتمدت حماس كذلك في هذا الإطار على المسجد والمقابلات الصحفية, بالإضافة إلى الإعلام خارج الأراضي المحتلة والذي يتمثل في المهرجانات والندوات والكتب والإصدارات والمجلات الإسلامية.
وانطلاقا من مرتكزات دينية وتاريخية وقانونية تعتبر حركة حماس أن إسرائيل دولة مصطنعة قامت على الظلم والإغتصاب ولا مكان لها على أرض فلسطين لأن فلسطين كل لا يتجزأ من البحر إلى النهر، وأرض عربية إسلامية.

وتعتقد الحركة في أن وجود الدولة العبرية وجود باطل ولابد من إجتثاثه بالكامل وإقامة الدولة الإسلامية في كل فلسطين، ويعيش أصحاب كل الأديان ويتمتعون بحقوقهم في دولة الإسلام العادلة. وفي هذا السياق جاء بيان الحركة الأول بعد إندلاع الإنتفاضة واضح وصريح حيث توجه في كلمات منه إلى الإحتلال وقال "معركتنا معكم معركة عقيدة ووجود وحياة".

وتعتبر الحركة “إسرائيل” غزوة صهيونية حديثة مثلها مثل الغزوات الصليبية والمغولية التي سيتم هزيمتها ودحرها مهما طال الأمد، كما ترى أن الدولة الإسرائيلية لا تستند في قيامها على الحق والعدل، وتعتبرها دولة مهاجرين جاءوا من جميع البلدان ومن مختلف القارات، غزاة محتلين طردوا أهل الأرض بالقوة والإرهاب، وأخذوا بيوتهم ومزارعهم ومدنهم وقراهم في وقت إختلت فيه الموازين وتبدلت القيم وساد الظلم واغتصبت الأوطان وغابت دولة الحق وقامت دولة الباطل.

وتؤكد الحركة على أن قرارات الهيئات الدولية التي تسيطر عليها القوى الكبرى لا يمكن أن تغير الحقيقة, وهى أن الوجود اليهودي على أي جزء من الأراضي الفلسطينية المقدسة سواء الذي احتل عام 1948 أو عام 1967 هو وجود باطل ومرفوض, وتؤكد الحركة أيضا أن كل القرارات الدولية أو التنازلات السياسية لن تغير مطلقاً هذه الحقيقة.
ولذلك فإن الحل عند حماس هو المقاومة والجهاد لإقتلاع الدولة اليهودية من جذورها وعدم التفريط في أي شبر من أرض فلسطين، وهو مايراه خصوم حماس ومنتقدوها أنه حل غير واقعي لأنه لا يأخذ في الإعتبار الحقائق الموجودة على الأرض التي فشلت الحروب العربية مع إسرائيل في تغييرها.

وترى حركة حماس أن منظمة التحرير الفلسطينية "م. ت. ف" نشأت بقرار عربي ولم تنشأ بقرار فلسطيني وأنها تعمل لإرضاء الأنظمة العربية التي تمولها برغم أنها الأنظمة المسئولة عن ضياع فلسطين في الماضي وهى نفسها الأنظمة التي تحافظ على أمن “إسرائيل” في الحاضر، وهى التي تروض شعوبها ومعها الشعب الفلسطيني لقبول الذل والمهانة من اليهود وتوقع إتفاقيات سلام جديدة, وبالتالي فإن تلك المنظمة "م. ت. ف" لابد من إعادة هيكلتها على النحو الذي تراه حركة حماس وبالشكل الذى يحقق هدفين مهمين هما الإصرار على أن المقاومة المسلحة هى الخيار الأفضل الذي يرغم الجانب الإسرائيلي على مفاوضات حقيقية، والإستقلالية في إتخاذ القرار من جانب منظمة التحرير بعيداً عن الأنظمة العربية.