هلال عبدالحميد يكتب: السعودية من الأصولية الدينية المنقبة للعلمانية العارية
على مسرح قاعة ( ذا فينيو ) بالبوليفار سيتي بحي ( حطين ) بشمالي الرياض
تظهر على المسرح شاشة عرض ضخمة على شكل مجسم للكعبة المشرفة، تطوف حولها نساء شبه عاريات
تخطف الإضاءة المبهرة حول المجسم أنظار المتفرجين ،وبينما تخفت الإضاءة رويدًا رويدًا، مع طواف النساء الكاسيات/ العاريات المغطيات على غياب إبهار مجسم الكعبة ومع حلول إبهار للنساء بعروض أزياءهن وكأن تصور الإضاءة تشير لزوال أنوار الكعبة التي تجذب حوالي ٢ مليار مسلم بقارات الدنيا السبع ؟!
وكان الاستعراض المبهر للمصمم اللبناني / العالمي جولي صعب قد أثار موجة من الغضب العارم لدى المسلمين
وفي نفس هذا المكان قبل ٢٠١٩ كان فريق هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتجولون ويا ويلها وسواد ليلها من يجدونها تلبس ملابس غير العبايات حالكة السواد، أو تظهر من تحت نقابها خصلة شعر محنية!!
اختلف كما تشاء- وأنا معك - مع رغبة المسلمين المحمومة في أداء فريضة الحج أو سنة العمرة وانفاق عشرات المليارات من الدولارت سنويًا، بينما المسلون افقر شعوب العالم وأكثرهم تعرضًا للتشرد والتهجير ؟!
من الممكن مناقشة ذلك، ولكن كيف نبرر الاستهانة بمشاعر أكثر من ملياري مسلم حول العالم بفعل هذا العمل القبيح، البعيد عن روح الفن وجوهره،بل وشكله؟!
كيف نفسر وقوف مغنيات شهيرات يرتدين ملابس- أو لا يرتدين - بهذا الشكل في مجتمع كان لأشهرٍ ماضية يحرم قيادة المرأة للسيارة، ويحرم سيرها في الشارع دون نقاب ؟
شخصيًا لا أجد غرابة في مواقف مشايخ السعودية السلفيين، فلا تسأل كيف تحول هؤلاء من قيادة الأصولية الإسلامية في العالم، وكانوا يمثلون قمة التشدد، وهم ذاتهم الآن يدافعون عمَّا يحدث في أرض الحرمين؟! ، بل وبعضهم يعتبره سنة؟ !!!
فلعلماء ومشايخ السلطان وظيفة يؤدونها حسب طلب من وظفوهم؟!
ولكن السؤال الأهم : كيف تماهى المجتمع السعودي بهذه السرعة مع هذه التغيرات الجذرية في المجتمع السعودي وبهذه السرعة ؟!
لا أعرف بشكل قطعي هل اعتمدت الوهابية على آل سعود لتنتشر، أم أن آل سعود اعتمدوا على الوهابية ليشيدوا دولتهم ؟! ولكن اعتقد أن الاثنين تبادلا الأدوار ودعم الوهابيون آل سعود بالغطاء الديني، بينما ساعد آل سعود الوهابية على السيطرة دينيًا واجتماعيًا على المجتمع السعودي، بل وامتد نفوذ الوهابيين للكثير من الدول العربية ومنها مصر، فازدهرت التيارات الأصولية بعد هزيمة ٦٧ انتشارًا كبيرًا
ولكن ما الذي حدث بالسعودية مؤخرًا ؟!
وكيف انتقلت السعودية من الأصولية الدينية شديدة التطرف على المستوى الشكلي وخاصة في التعامل مع المرأة وزيها ومكانتها في المجتمع؟!، ومع الفن بكل أشكاله وأنواعه بالتحريم الكلي ؟!
وكيف وفي فترة وجيرة انتقل المجتمع السعودي من المحافظة واعتبار المرأة كلها عورة لحفلات عري كامل في حفلات الرياض ؟!
وكيف انتقل المحتمع السعودي من اعتبار مجرد العزف على العود حرام وغناء محمد عبده كفر لاستضافة جينيفر لوبينز لتغني وترقص شبه عارية على مسرح بحي ( حطين بالرياض ) ؟!
ردة فعل
لا أجد إجابة منطقية لكل هذه التحولات الا منطقية إلا أنها ردة فعل علمانية أصولية شكلية على الأصولية الدينية الشكليك التي كانت تعيشها السعودية . وتمكن رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المجتمع وسوقه كالقطيع، وعندما وجد المجتمع من يرفع عصا الهيئه الغليظة وصوتها سار معه
ربما تشبه ردة الفعل العلمانية شديدة التطرف على سيطرة الكنيسة بأوروبا على كل مناحي الحياة: سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية، حتى وصول السيطرة لبيع صكوك الغفران !! تلك السيطرة التي تمكنت من خلالها الكنيسة الكاثوليكية من السيطرة على أوربا
ولكن أوروبا لم تمر من سيطرة الكنيسة للعلمانية المتطرفة دفعة واحدة ولكن كانت هناك حركات إصلاحية خرجت من الكنيسة ذاتها فكان مارتن لوثر الثائر الديني المسيحي أول من طرح أفكارًا تحررية ونادى بأن الدين علاقة شخصية بين الإنسان وربه ولا تخضع لسلطة رجال الدين ولا الكنيسة وانما للكتاب المقدس وحده والذي لا يحتاج لتفسير رجال الدين.
ولكننا لم نجد في السعودية- مثلًا - محاولات إصلاح دينية تحاول تجديد الفكر الديني المتحجر هناك كما حاول مارتن لوثر فعله أو حتى كمحاولات اصلاح الفكر الديني لدى مصلحين مسلمين مثل محمد عبده ورشيد رضا وطه حسين وعلي عبدالرازق وجميعهم القوا حجارة في ماء العالم العربي والإسلامي شديد الركود
فلماذا لم يمر المجتمع السعودي بفترة انتقالية ؟!
البعض يعتبر أن الوهابية حركة إصلاح ديني في بداياتها !!
ولماذا تحول فجأة لعلمانية شكلية أصولية متطرفة، لا ترى نفسها إلا في ازدراء الدين؟!
أنا اعتقد أن العلمانية هي طريقنا للحل، ولكنها العلمانية التي ترعى جميع الأديان وتُمَّكن جميع المتدينين من ممارسة شعائرهم الدينية، وترعى دور عبادتهم دون تمييز، وتتبنى الحرية والتداول السلمي للسلطة
العلمانية التي ترعى حرية المؤمن والملحد. وتدعم العلم والتفكير العلمي وتحارب العشوائية والتفكير العشوائي، وتحارب استغلال الدين لتخدير الفقراء ولتبرير السيطرة على السلطة باسم الله
ولكن تلك العلمانية التي تزدري الأديان وتحض على كراهيتها، وتمنع المتدينين من التحلي بشعاراتهم الدينية، والتي تحتقر الرموز الدينية ، فتلك علمانية أصولية لا تفترق أبدًا عن الأصوليات الدينية التي تنتشر في معظم الأديان وتكره مخالفيها، وتنكر أي تعايش مشترك!!
وكنت أتمنى أن يرعى المستشار تركي آل الشيخ حركة إصلاح علمي، وديني وفكري وثقافي وفني أفضل من المليارات التي ينفقها على ممثلين ومطربين ولاعبي كرة قدم، فتلك أشياء تعكس صورة زائفة لتطور خادع مخادع ، براق لكنه كذوب .
فتلك قشرة رقيقة زائفة تغطي روحًا استهلاكية، ورغبة في اظهار عصرنة ، يحاول الغرب نفسه الخروج منها
ليس سائغًا أن تتراقص جينيفير لوبيز بحي حطين السعودي بعد ٨٣٧ سنة من انتصار صلاح الدين بحطين الفلسطينية
وبينما زارت لوبيز الكيان ٢٠١٩ وغنت ورقصت للكيان وصورت نفسها أمام خريطة فلسطين المحتلة وكتبت ( الوطن الأم إسرائيل ، أنا في حالة حب ) تتراقص الآن بالبلاد العربية ، بينما قنابل بلادها الأم تتساقط على رؤوس أطفال العرب كزخات المطر فتحول أطفالنا ونسائنا لكرات لحم مشوية
(فتلك قضية وتلك قضية) كما يقول المطرب الجميل كاريوكي
أنا كغيري حائر ، ولا أملك إلا طرح أسئلة، واتوهم إجابات!!
وقد يقول قائل: يا عم علمانية إيه وهباب إيه اللي بتصف به ما يحدث هناك؟!
والحقيقة له كل الحق