هشام النجار يكتب: ذكرى اغتيال العقيد محمد مبروك والمصالحة مع الإخوان
مرت قبل أيام قليلة الذكرى ال 11 لاغتيال الشهيد العقيد محمد مبروك الضابط بقطاع الأمن الوطني في 17 نوفمبر والذي كان على رأس قائمة الاغتيالات منذ سقوط حكم جماعة الإخوان سنة 2013، خططت جماعة الإخوان ومولت اغتياله ونفذ العملية الغادرة حلفاؤهم التكفيريون من تنظيم (أنصار بيت المقدس) بمساعدة الخائن التكفيري الكامن محمد عويس، ويشاء القدر أن يُروِج البعض لمصالحة مع الإخوان على خلفية إجراء قضائي بحذف المئات من قائمة الإرهاب في توقيت استحضار ذكرى من ضمن آلاف الذكريات والوقائع التي تبرهن بشكل قاطع على استحالة أن تتصالح مصر مع جماعة الإخوان.
قبل 11 سنة وتحديدًا في 17 نوفمبر 2013 اغتالت الإخوان وحلفاؤها التكفيريون الشهيد البطل محمد مبروك الذي كان له دورًا مهمًا في القبض على قادة الجماعة بعد ثورة 30 يونيو والأهم هو دوره المتطور والنوعي في كشف ارتباطات جماعة الإخوان بالمخططات الخارجية سواء الدولية أو الإقليمية وإسهامها ودورها في مخططات الفوضى والتقسيم بعد مؤامرة ما عُرف ب(الربيع العربي)؛ أي مؤامرة إعادة تقسيم دول الشرق الأوسط وهذا كان محل تحقيق مُدقق من قبل نيابة أمن الدولة العليا في القضية رقم 500 سنة 2008 حصر أمن دولة عليا.
قصة الشهيد محمد مبروك مع جماعة الإخوان والذي وثق وسرد جانبًا منها مسلسل الاختيار2 فتحت نافذة للمصريين والعرب والعالم رأوا منها حقيقة الذي جري وطبيعته، كونه ليس مجرد مواجهة مع فصيل متمرد مسلح أو مهمة لتأديب فصيل إرهابيرفع السلاح ضد الدولة من منطلق تفسيرات مغلوطة، بل حرب وجود ومصير للتصدي لأدوات تفكيك المؤسسات والجيوش وتقسيم الدول بالتعاون مع جهات خارجية، والأهم والأخطر في مسيرته وهو نفسه اعتبره أهم انجازاته تقريره الموثق فائق الأهمية عن دور الإخوان في خدمة المخططات الخارجية قبل حراك يناير 2011 وأثناءه وبعده، والذي عدته الجماعة طريقها للقفز على الثورة والإطاحة بالنظام القائم والهيمنة على السلطة.
المخطط الذي أكدته الاتصالات التي رصدها العقيد محمد مبروك بين قيادات الإخوان ونواب بالكونجرس الأميركي في الفترة من 2004 ل 2011 وأيضًابأجهزة استخبارات إقليمية هدف لخلق بؤرة فوضى بالعاصمة القاهرة، تتسع وتُستنسخ بباقي المحافظات وشملت تسلل عناصر اخوانية من الخارج مدعومين من كيانات إقليمية حليفة لاقتحام السجون وإطلاق قادة الجماعة، وكان الرهان على التسبب في حدوث انقسام بالجيش والوصول بالأوضاع في مصر لحالة شبيهة بأوضاع بعض الدول العربية؛ (سيطرة ميليشيات وجماعات متمردة مسلحة على مناطق إستراتيجية وإدارتها وفق حسابات ومصالح الداعم الخارجي).
أما بعد إسقاط نظام الإخوان وكان هناك دورًا مهمًاللعقيد مبروك ورفاقه أثناء وعقب ثورة يونيو فيمضي في مسارين إثنين بعد توجيه ضربة شعبية ووطنية للمشروع التفكيكي والاستعماري الجديد بالمنطقة؛ الأول التحكم والسيطرة الإقليمية شرقًا وغربًا وجنوبًا والفوز بليبيا النفطية والغاز وموقع متقدم على المتوسط ولن يتحقق هذا إلا بمحاصرة مصر حدوديًا من خلال الميليشيات الإخوانية والتكفيرية، وهذاشارك فيه خونة سعوا لتأسيس ما أطلقوا عليه (جيش مصر الحر)؛ حيث توهموا استنساخ السيناريو السوري عبر جيش مواز وكان في القلب منه الخائن هشام عشماوي، وهو ما أفشله الأبطال العظام بالقوات المسلحة على كافة اتجاهات وحدود الدولة الإستراتيجية ومثال ذلك العقيد أحمد منسي ورفاقه.
والثاني محاولة شل المحافظات والاستحواذ على أجزاء منها وإطلاق شرارة فتنة طائفية وخلق فوضى بطول البلاد وعرضها لتنشغل مصر وأجهزتها داخليًا عن الذي يفعله المستعمر وأدواته بالمحيط الإقليمي وفي المجال الحيوي شرقًا وجنوبًا وغربًا، فكاناستهدافهم لمراكز الشرطة والكنائس وإعدادهم لمائة ألف مسلح متدرب في بحري ومثلهم في الصعيد كما قال القيادي الموالي للإخوان محمد الصغير، وهذا المسار الذي كان في القلب منه خونة أيضًا مثلمحمد عويس وأفشله ببسالة واقتدار أبطال الشرطة والأجهزة الأمنية وجهاز الأمن الوطني.
وضحت جدًا خطوط وخيوط القضية التي وثقها العقيد محمد مبروك وكان المفترض لولا اغتياله أنيكون الشاهد الرئيسي فيها من الوقائع والتطورات والمستجدات على الأرض من يومئذ إلى اليوم، ومنها على سبيل المثال محتوى الرسائل والمراسلات التيرُفعت عنها السرية سنة 2020 لوزيرة الخارجية الأميركية في عهد باراك أوباما هيلاري كلينتون والتي تثبت تواصل وتعاون ودعم وتمويل إدارة أوباماللإخوان، أيضًا ما استجد على الأرض بعد أكتوبر2023 وكيف أن إسرائيل والغرب والأميركانمُصممون على مخطط الوطن البديل للفلسطينيين وهو ما لم يحققوه بالتعاون مع الإخوان؛ بأن يستقطعوا سيناء أو جزءًا منها مقابل تمكين الجماعةمن السلطة، هاهم يحاولون تحقيقه بالهدم والدم والتهجير القسري.
الصفقة كانت وفق مشروع غزة الكبرى الذي أعده الجنرال جيورا أيلاند الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، (وهو نفسه واضع خطة الأرض المحروقة وتحويل غزة إلى محرقة طاردة للفلسطينيين)؛ ومفاده تحقيق إستفادة لإسرائيلالتي ترفض التنازل عن شبر واحد من الأراضي المحتلة وتريد إبتلاع الضفة وغزة وطرد الفلسطينيين، ويستفيد الغربيون والأميركان بتجميع الإرهابيينبعيدًا عن نطاق تصدير الإرهاب لبلادهم، وتستفيد الإخوان بالسلطة والإستمرار في الحكم مع قبول انتقال الغزاويين بوصفهم إخوتهم في العقيدة، وبالفعل جرت الأحداث في سينا وفق ترتيبات الاجتماع الذي ضم خيرت الشاطر وتكفيريين في نوفمبر 2011 وخلاله اتفقوا على أن سينا تستقل عن مصر كإمارة إسلامية ولذلك أطلق الإخوان سراح قادة الإرهاب الذين تطور أداؤهم القتالي وتسليحهم خلال فترة قياسية فهاجموا الجيش المصري بصواريخ الكورنت والهاون والمدفعية المضادة للطيران وقذائف الآربي جي، وهذا كله أعقب نشر خرائط تتماشى مع الحقبة العثمانية تزعم أن سيناءكانت جزء من الشام حتى إبرام اتفاقية 1906، ما يعني أن جماعة الإخوان تتبنى قناعة بعض الفلسطينيين خاصة من معتنقي الفكر التكفيري بأن سيناء تابعة لفلسطين وجزء من الشام ويجب تحريرها.
هذه كانت الصفقة الكبرى التي غذت مكنة تمكين الإخوان من السلطة في عهد أوباما وهيلاري التياعتمدت بشكل رئيسي على مستشارتها هوماعابدين عضوة التنظيم الدولي للإخوان وإبنة واحد من أهم كوادر الإسلام السياسي في أميركا في الستينات والسبعينات، من منطلق ما تبناه أيزنهاور صاحب فكرة الانفتاح على الإخوان وكل من جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأميركي وشقيقه آلاندالاس مدير وكالة المخابرات المركزية سيرًا على خطط برنارد لويس صاحب خرائط تقسيم البلاد العربية والإسلامية على أسس طائفية وعرقية... إذن المخطط كان فصل سيناء أو على الأقل أجزاء منها تحت هيمنة التكفيريين والإخوان على غرار الوضع في سوريا وليبيا، ولذلك كان الهدف الرئيسي لأبطال الكتيبة 103 صاعقة وهم صامدون وبعدها وهميسقطون شهداء ويدافع من بقي منهم عن جثامينمن سقط هو ألا يتمكن الإرهابيون من رفع أعلامهم ولو للحظات على جزء من سيناء وهذا ما استشهد لأجله العقيد أحمد منسي تجسيدًا ورمزًا لبطولات الجيش والعقيد محمد مبروك تجسيدًا ورمزًا لبطولات الشرطة، وخان فيه هشام عشماوي ومحمد عويس.
كانت المؤامرات الإرهابية (وفقًا لتقديري الشخصي) رغم خطورتها في الخمسينات والستينات بسيطة وربما ساذجة بالمقارنة بمؤامرات حقبة ما بعد 2011م وهي الأكثر خطورة وتهديدًا لكيان الدول في العصر الحديث، فكان سهلًا تقويضها وإجهاضها ومثالًا على ذلك اكتشاف مؤامرة (تنظيم 65 ) الذيشكله سيد قطب وزينب الغزالي الجبيلي، مخطط كتبه سيد بخط يده لقلب نظام الحكم يتضمن اغتيالات للضباط في مجلس قيادة الثورة وضباط شرطة وقضاة واستهداف مؤسسات الدولة والمرافق العامة مثل الكباري وأبراج وشبكات الكهرباءوالقناطر الخيرية وفق خطة ذكرها في كتابه (لماذا أعدموني) تحت عنوان (خطة رد الاعتداء)، أراه مجرد مخطط حماسي عاطفي حالم محلي محدود اكتشفته الأجهزة وأجهضته وقبضت على مدبريه قبل تنفيذه، لكن أنظر هنا إلى الفارق الهائل الشاسعبعد 2011م.
لكي تُوضع بطولات ومُنجز رجال جهاز الأمن المصري وفي القلب منهم رجال الأمن الوطني النوعي في المكان الذي تستحقه ينبغي أن نقارن؛ ذلك لأن الإخوان في الخمسينات والستينات كانت بمفردها ودعمها محلي وتنظيمها الدولي كان لا يزالفي بداياته، وأيضًا كانت المواجهة المسلحة في التسعينات في مواجهة الجماعة الإسلامية مع تطور الدعم بعض الشيء، والقصد أنه في كل مرحلة كانت مواجهة التمرد المسلح مع فصيل واحد فقط، أما ماحصل بعد 2011 فمختلف تمامًا لأن وضع الجماعات الإرهابية بعد هذا التاريخ من حيث التمويلات والارتباطات الخارجية والإقليمية والدولية والتشابك والتشعب في الداخل شهد تحولًا وطفرة مهولة غير مسبوقة ويكفي أن نعلم أن عدد الخلايا والفصائل والتنظيمات المسلحة التي تشكلت وكانت تتلقى الدعم سواء من التنظيم الدولي للإخوان أو من أجهزة استخبارات خارجية كان بالعشرات بل بالمئات، هذا علاوة على أن جماعة الإخوان ووراءها التكفيريون انخرطوا في تحالفات وتعاون لم يحدث مثيله من قبل مع أجهزة استخبارات خارجية لخدمة مؤامرة كبرى ثبت أنها تخدم قيام (إسرائيل الكبرى)وإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية مقابل ترضياتللإسلاميين والتكفيريين ومنحهم مناطق يحكمونها بالدول العربية وإلحاق مصر بنموذج سوريا وليبيا ما يعني جعل مشروع التقسيم والتفكيك والشرق الأوسط الجديد أمرًا واقعًا، وهذا أفشله في مصر الجيش ومؤسسات الدولة السيادية وأجهزة الدولة الأمنية.
إذن أرى أن إزالة المئات من قوائم الكيانات الإرهابية بناء على حكم قضائي ليس معناه أن هناكمصالحة مع جماعة الإخوان، إنما يُفهم أنه تعامل قضائي مع أفراد تغيرت ممارساتهم وربما قناعاتهم ولديهم استعداد للتوبة وأن يرجعوا مواطنين صالحين، وهذا ليس معناه أيضًا تبرئة واحد منهم لو كان مدانًا في قضية أخرى، أما التعامل مع الإخوان كجماعة وكتنظيم تحت زعم زائف أنها عادت أو تابت ومستعدة لعقد مصالحات وصفقات فأرى أنه مستبعد تمامًا ليس فقط لأنها جماعة معروف عنها أنها لا تتوب، إنما أيضًا لأنها مدانة بالجرم المشهود وبالخيانة العظمى وارتضت أن تكون ركنًاوأداة في مشروع استعماري تفكيكي خبيث.
أما من اكتشف الكارثة متأخرًا من أفراد الإخوان وتبين له فداحة ما كان متورطًا فيه وراء قيادات خانت الوطن مقابل سلطة ونفوذ، فهذا تُدرس حالته ووضعه على حدة ومن الجيد إذا كان صادقًا وليس مُدانًا في إرهاب أن تقبله الدولة والمجتمع خاصة أنه كانت هناك حقائق كثيرة غائبة خلال مرحلة الأحداث والتحولات الكبرى من 2011 إلى اليوم حتى عن عناصر وشباب التنظيم.
أخيرًا: في مواجهة من لديهم استعداد لخيانة الوطن والشعب ومن خانوا فعليًا الوطن والشعب هناك من أبطالنا ورجالنا من خاضوا التحدي وأصابوا المتآمرين والإرهابيين والخونة بالعجز والشلل والهزائم والخيبات، وكان العقيد الشهيد محمد مبروك واحدًا منهم، وفي ذكرى استشهاده نوجه إليهولكل بطل مصري عظيم ضحى ولا يزال التحية والإكبار، فسلامًا وتحية وإعزازًا وكرامة.