أشرف راضي يكتب: لغة السياسة والتحليل السياسي ملاحظات على التعليقات الخاصة بالتطورات في سوريا

ذات مصر

هناك فارق كبير بين السياسة كممارسة والخطاب السياسي الذي يصدره المنخرطون في العمل السياسي وبين التحليل السياسي، لكن قلما يلتزم السياسيون الممارسون والمحللون بمراعاة الخطوط الفاصلة بين السياسة كممارسة وبين التحليل السياسي الذي يستند إلى أسس علمية، وبعيداً عن التداخل العفوي بين المجالين وبعيدين أيضاً على التبادل غير المقصود في الأدوار بين ممارسي السياسة ودارسيها، إلا أن هناك تداخلاً بينهما بالضرورة، مع الاحترام والتقدير المتبادل من الممارسين والمحللين للدور الذي يؤديه كل منهما. ممارسو السياسية معنيون بالأساس بالتأثير على الأحداث، بينماالمحللون معنيون بتفسير الأحداث وفهمها، وقد يكون الدور الذي يلعبه التحليل السياسي في لحظات التغيير والانتقال وتعدد اللاعبين على قدر خطورة الدور الذي يلعبه الممارسون السياسيون، بل قد يكون أكثر خطورة مع عدم وجود ممارسين سياسيين ورجال دولة يتحلون بالمهارة السياسة ويفتقرون إلى القدرة على التأثير في مسار الأحداث، في ظل بيئة داخلية معقدة نتيجة للواقع الاجتماعي المنقسم وفق اعتبارات إثنية وطائفية ومذهبية، والتي يزيدها تعقيداً التداخل والتفاعل بين العوامل الدولية والإقليمية والمحلية، وقد يكون من الصعب التنبؤ بمسار الأحداث في مثل هذه البيئة التي تتسم بالقابلية الشديدة للتغير.

تكشف الكثير من التحليلات والمقالات والتقارير والأوراق السياسية التي تتناول التطورات في سوريا منذ الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، زوال تلك الحدود الفاصلة بين الممارسة السياسية وبين التحليل السياسي، فيما تسعى القوى المعنية بمحاولة التدخل للتأثير على مسار الأحداث في سوريا بما يضمن لها مصالحها، والسعي لتثبيت موطئ قدم لها على الأرض السورية تدعمه قوة مسلحة وجاهزية للتدخل المسلح إذا لزم الأمر. إن كثيرا من الخطاب الصادر عن مراكز للتفكير والبحث وعن محللين ينتمون لهذه المراكز ومحللين مستقلين، يميل في ظل فقر المعلومات المتاحة إلى خدمة المنخرطين في الصراع على مستقبل سوريا، وفي ظل ضعف المعرفة بتاريخ سوريا أو تركيبيتها الاجتماعية والاثنية، وتجاهل تأثير التطورات الإقليمية الناجمة عن حرب غزة على الإخلال بالتوازن الذي استقر بعد نجاح التحالف الدولي والعربي في تدمير تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وإنهاء سيطرته على مناطق في شمال العراق وفي شمال سوريا، بدعم مباشر من إيران التي دعمت قوات الحشد الشعبي في العراق والتي تعاونت مع العشائر السنية التي شكلتها الولايات المتحدة ودعمتها ومولتها، وبدعم سلبي من نظام الرئيس السوري، الذي لم يحرك ساكناً في الحرب التي تدار بالوكالة على الأراضي السورية.

التفكير الموجهة بالرغبات

من أسوأ أنواع التحليل السياسي، تلك التحليلات التي يخلط فيها المحللون بين توقعاتهم لمسار الأحداث في سوريا وبين رغباتهم التي تحددها ميولهم وتوجهاتهم الأيديولوجية والعقائدية. فالمناصرون لنظام بشار الأسد يتغاضون عن حقيقة أن الأوضاع في سوريا بدأت في التدهور منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، والذي أدى إلى خروج القوات السورية بشكل كامل من لبنان، وتسبب في توتر علاقة النظام السوري بالسعودية وبالدول الخليجية الداعمة للسنة في لبنان والداعمة للحريري وحرمان سوريا من موارد مالية كانت تحصل عليها من الخليج إما بشكل مباشر أو من خلال السياحة، الأمر الذي مَكَّن إيران من إحكام قبضتها على سوريا وتحويلها إلى ساحة من ساحات مشروعها الإقليمي الذي يرتكز على تعزيز فصائل المقاومة للمشروع "الصهيوني" ووحدة ساحات المقاومة في لبنان واليمن والعراق قطاع غزة. اللافت أن أحدا من داعمي بشار الأسد لم يحرك ساكناً في مواجهة الاختراقات العسكرية الإسرائيلية المتكررة للحدود السورية وتوجيه ضربات عسكرية مركزة تستهدف مخازن للسلاح أو مقاتلين على الأراضي السورية، ولم تفعل روسيا التي لعبت دوراً عسكرياً حاسما ضد معارضي الأسد، شيئا سوى الاتفاق على قواعد للاشتباك مع كل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة.

بل يتمادى المناصرون للرئيس السوري بشار الأسد في غِيّهم إلى حد الادعاء بأن ما حدث في سوريا كان مفاجئاً لجميع المحللين ولأطراف إقليمية ودولية باستثناء قيادات سوريا وروسيا وإيران وتركيا والسعودية وقطر ومصر والعراق، ويرون أن ما توصلت إليه هذه القيادات كان استجابة لما لديها من أدلة تؤكد وجود مخطط كان يهدف إلى "جر سوريا إلى حمام دم غير مسبوق، وإلى حصار أشد وأقسى مما فات"، وانتهت إلى أن المخرج الوحيد من هذا المأزق الناجم عن قسوة وكارثية التنافس بين السيناريوهات المتوقعة، هو خروج الرئيس الأسد، "بعد الحصول على ضمانات بحقن الدماء، وعدم تقسيم سوريا، وعدم تفكيك جيشها". يا له من تصور ساذج لمحللين أدمنوا الدفاع عن الاستبداد وتبرير ما يفعله الحُكَّام المستبدين الذي يدعمونهم، ويتجاهلون الحقائق على الأرض ولا يجيدون قراءة المشهد الإقليمي، أو يحاولون وضع أياديهم على أعينهم كي لا يروا ما يجري من تغيرات لا تتوافق مع أهوائهم وحقائق تفرع أحلامهم.  

ثمة سؤال كبير يتعلق بموقف الجيش السوري وانهياره السريع في مواجهة قوات هيئة تحرير الشام والتي بدأت تقدمها بعد التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان مباشرة، وفرار عدد كبير من الضباط والجنود إلى العراق، وهناك سؤال آخر يتعلق بموقف إيران وروسيا وحزب الله والحرس الثوري الإيراني ولماذا لم تتدخل هذه القوى للدفاع عن النظام السوري والحفاظ على مناطق سيطرته في سوريا مثلما فعلت من قبل؟ وحديث المناصرين لبشار الأسد عن أن سوريا كانت ستصبح أفغانستان ثانية غير مقنع لما فيه من تجاهل لحقيقة الوضع في سوريا التي جرى تقسيمها بالفعل بين الفصائل المتحاربة وأن هذا الوضع مستقر منذ عام 2016، مع بعض الاشتباكات التي تسعى لاختبار ما إذا كان هذا الاستقرار هشاً. السؤال الخاص بموقف الجيش السوري سؤال جدي ومهم والإجابة عليه ستحدد مستقبل سوريا، وطرحه يزيد صايغ من مركز كارنيجي وسيتم تناوله بالتفصيل لاحقاً.

ولا يخلو حديث المعارضين للرئيس السوري من الإسلاميين وبعض الليبراليين وفصائل المعارضة السورية الأخرى والتي كانت تسعى للإطاحة بحكم بشار الأسد، من خلط بين التوقعات والرغبات، وفي هذا الخلط خطر عظيم لأنه يحول دون رؤية الكثير من الحقائق على الأرض تتعلق بطبيعة التحالف الذي استطاع إحكام سيطرته على معظم المناطق التي كانت في قبضة النظام، باستثناء معاقل الطائفة العلوية على الساحل الشمالي الغربي لسوريا، والمنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي تسكنها أغلبية كردية في شمال شرق البلاد، وبمدى التطابق رؤية هذا التحالف وفصائل المعارضة المدنية الأخرى في سوريا، والأهم مدى تطابق رؤية هذه الفصائل بخصوص مستقبل الحكم في سوريا وكيفية التعامل مع مكونات المجتمع السوري المختلفة واستيعابها في الصيغة الجديدة، وتتعلق أيضاً بتناقض مصالح وأولويات الداعمين الإقليميين والدوليين لمشروع التغيير في سوريا، وقدرة كل منهم على التأثير على التطورات على الأرض، إما من خلال وكلاء لهم في سوريا، أو من خلال تدخلهم العسكري المباشر إذا اقتضى الأمر.

تتناقض الرؤية المتفائلة للمعارضين لبشار الأسد والذين يركزون على الطبيعة الاستبدادية للنظام الذي وضع أسسه الرئيس السابق حافظ الأسد مع كثير من الحقائق، وفي مقدمتها أن الأسد استطاع أن يحافظ على الاستقرار السياسي في بلد اتسمت العقود الثلاثة الأولى بعد استقلاله رسميا عن فرنسا في عام 1946 بسلسلة من الانقلابات العسكرية، كان آخرها انقلاب البعث في عام 1970 الذي جاء بحافظ الأسد إلى السلطة، وإخضاع البلاد بقبضة حديدية وصلت إلى حد ارتكاب مجازر ضد معارضيه، مثلما حدث في عدد من المجازر التي ارتكبها نظام الأسد في عهد الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد، وتعرضت مدينة حماة بوسط سوريا التي كانت معقلاً لجماعة الإخوان المسلمين لسلسلة من المواجهات الدامية مع السلطة السورية منذ عام 1964، أي قبل وصول حافظ الأسد للسلطة بسنوات وحتى عام 2012 في عهد ابنه وخليفته بشار. وتتضارب الروايات حول من يتحمل مسؤولية تلك المواجهات الدامية، ولكن من المؤكد في كل الأحوال أنها كانت بين اللاعبين الرئيسيين على الساحة السورية وتعبيرا عن حالة الاستقطاب الناجمة عن الصراع على السلطة بين أيديولوجية حزب البعث وأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين والتي عززها مصادرة الحياة السياسية في سوريا.

السؤال الخاطئ

ربما كان السؤال عما إذا كانت جبهة النصرة ستحكم سوريا، الأمر الذي يراه البعض التحدي الأكبر الآن للولايات المتحدة وللعالم، تأسيساً على تصنيف كثير من المنظمات المنضوية تحت لواء هيئة تحرير الشام في قائمة التنظيمات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة أو بتنظيم الدولة الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من فصائل الإسلام السياسي؟ وقد يكون السؤال الأولى بأن ننشغل به هو السؤال المتعلق ببناء سوريا الجديدة، وبأن تتحدد الأولويات انطلاقاً من الواقع السوري وتحدياته وليس انطلاقاً من أولويات التنظيم القوى الإقليمية الراعية والداعمة، وفي مقدمتها تركيا وقطر، وفي أن تتبنى الإدارة الجديدة في سوريا نهجاً مستقلاً في التعامل مع تحدي كيفية إنهاء التقسيم الفعلي لسوريا الناجم عن مرحلة الحرب الأهلية، والتعامل مع الفصائل المسلحة، ويأتي في مقدمة هذا التحدي أمران، الأول يتعلق بالموقف من قوات سوريا الديمقراطية ومن الجيش السوري الحر، وكيفية التعامل مع مكونات المجتمع السوري. الأمر الثاني يتعلق بالموقف من الجيش السوري وكيف ستنظر الإدارة الجديدة إليه، هل ستعتبره جيشاً للنظام السابق، أم جيش وطني وركيزة أساسية في إعادة بناء سوريا مؤسسيا؟

من المؤكد أن تركيز الإدارة الجديدة في سوريا على النفوذ الإيراني ونفوذ حزب الله أمر مطلوب، وخطوة أولى لاستعادة المبادرة في ترتيب الأولويات من منطلق المصلحة السورية ولكنها خطوة لا تكفي إذا لم يتم التعامل بالقدر نفسه مع الضغوط التركية والإسرائيلية، وكلاهما يحتل مساحات من التراب الوطني السوري. لقد أظهرت الإدارة الجديدة في سوريا قدراً من التفهم لتعقيدات الوضع الداخلي في سوريا والوضع الإقليمي المتغير والذي سمح بتغيير النظام في سوريا، لكن من المبكر الحكم على نجاح هذه المبادرات. ونشير هنا إلى سلسلة القرارات التي أصدرت القيادة العامة للفصائل المسلحة السورية والتي تسعى إلى إغلاق باب "تصفية الحسابات" والثأر من خلال تقرير عقوبة لأي تهديد أو محاولة من المواطنين بدعوى المطالبة بدماء الشهداء أو المطالبة بالثأر.

لكن هذا القرار يواجه اختباراً حاسماً مع بدء عملية لضبط الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، وملاحقة "فلول ميليشيات الأسد" في أحراش وتلال ريف محافظة طرطوس، تستهدف اعتقال من وصفتهم بعناصر "الميليشيات" الموالية لبشار الأسد، خصوصاً مع ورود أنباء عن سقوط قتلى وجرحى من الطرفين، تتضارب الأنباء بخصوص أعدادهم. وتأتي الحادثة فيما تشهد مناطق مختلفة في سوريا دفعت قوات الأمن العام إلى فرض حظر للتجول في حمص وبانياس وجبلة، بعد خروج مظاهرات، بسبب تداول مقطع مصور يظهر اعتداء على مقام ديني علوي في حلب، قالت وزارة الداخلية التابعة للسلطات الانتقالية إنه "قديم ويعود لفترة تحرير" مدينة حمص، وعلى الرغم من التوترات الطائفية التي شهدتها سوريا منذ الإطاحة بالأسد قبل الإطاحة بالأسد، إلا أن هذه المظاهرات التي اندلعت على ساحل البحر الأبيض المتوسط، حيث معاقل الأقليةالعلوية. وتضيف هذه المصادمات تحديا آخر إلى التحدي الذي تشكله قوات سوريا الديمقراطية والأكراد السوريين، ولم يتضح بعد ما إذا كانت الإدارة الجديدة في سوريا ستتمكن من احتواء الآثار التي ترتبت على قتل عشرات السوريين في أعمال عنف انتقامية، معظمهم من الطائفة العلوية، خلال الأيام التي تلت سقوط الأسد مباشرة، لكن القرار الذي اتخذ قد يكون خطوة أولى على هذا الطريق.

كذلك، يجب إدراك أن جميع الطوائف والأقليات في سوريا كانت تعاني بشكل أو بآخر في ظل الحكم الاستبدادي لنظام الأسد، على الرغم من الاعتقاد السائد لدى كثير من المراقبين خارج سوريا والصورة التي سعى النظام السابق إلى تصديرها للعالم بأنه حائط الصد الذي يحمي الأقليات، إلا أن هذه الأقليات جميعاً، بما في ذلك الطائفة العلوية التي ينتمي إليه آل الأسد كانت تعاني من بطش هذا النظام ولا ترغب في أن تدفع ثمناً لسياساته. من المؤكد أن هناك مسؤولين سابقين في أجهزة الأمن متورطون مع النظام ويجب محاسبتهم سواء كان ذلك من خلال آليات للعدالة الانتقالية أو من خلال أي نظام آخر للعدالة. وإذا أظهرت الإدارة الانتقالية قدرة على فرض الأمن العام في البلاد وتوفير الحماية والأمن للأقليات، ستكون مهمتها في إعادة توحيد الفصائل والعمل على وضع أسس للنظام الجديد أكثر سهولة.

من الواضح أيضا من خلال القرارات التي اتخذتها الإدارة الجديدة أنها تمس الحريات الشخصية والحريات العامة والحريات الدينية التي تمتع بها السوريون، وأنهم يحترمون أيضاً تنوع المجتمع السوري اجتماعياً وثقافياً وسياسياً بحريات دينية، ويحظر القرار المشار إليه التدخل في لباس النساء أو فرض أي طلب يتعلق بملابسهن أو مظهرهن، وتأكيد أن الحرية الشخصية مكفولة للجميع، وأن احترام حقوق الأفراد هو أساس بناء وطن متحضر، ولكن سيكون تسامحهم مع بعض العادات مثل اختلاط الرجال والنساء بحرية على الشواطئ وفي الأماكن العامة، وتقديم مشروبات كحولية في المطاعم، سيكون محل اختبار؛ وأيضاً موقفهم من المرأة وشغلها مناصب عليا في الحكومةوالقضاء سيكون محل مراقبة من منظمات حقوقية وحكومات غربية. قد توفر الأولوية الأولى والقصوى للإدارة الجديدة والمتمثلة في رفع هيئة تحرير الشام،وزعيمها أحمد الشرع، من قائمة "الإرهاب"، ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا على سوريا ضمانة للالتزام بوعود الإدارة الجديدة بشأن حماية حقوق الأقليات والنساء في المدى المنظور على الأقل، بسبب الضرورات الملحة وتوفير احتياجات المواطنين إذ تواجه سوريا عجزاً في مخزون السلع الأساسية على ما يبدو من قرار تقييد كمية الخبز المسموح بشرائها للفرد.

تعهدت الإدارة الجديدة أبضا بحماية الحرية الإعلاميين ومنع التعرض للإعلاميين العاملين وتوجيه أي تهديد لهم تحت أي ظرف، وتأكيد أهمية حماية الإعلاميين وضمان حرية عملهم في خدمة الوطن والمجتمع، وهناك تسامح مع بعض الآراء الداعية للعلمانية كأساس لبناء سوريا، باعتبارها نقيض للمشاريع التي تفتّت المجتمعات. ثمة تساؤلات أخرى تتعلق بإرث نظام الأسد، ومن بينها الموقف من التنظيمات الفلسطينية المسلحة في سوريا، والتي لديها مقاتلين، ويرتبط بهذا السؤال الموقف من إسرائيل، التي سارعت لفرض وجودها على الساحة السورية من خلال توسيع المنطقة التي تحتلها في مرتفعات الجولان وجبل الشيخ. ثمة تقارير تشير إلى أن الإدارة الجديدة قد تسعى للتركيز على الداخل ولن تتورط في قضايا إقليمية، لكن ماذا لو فرضت هذه الملفات الإقليمية نفسها على المشهد السوري، وفرضت تناقضات المصالح الإقليمية والدولية نفسها على الساحة السورية، مستغلة بعض الفصائل.

الأكراد وبناء الجيش

من الأمور اللافتة هي انسحاب الجيش السوري في مواجهة فصائل المعارضة الإسلامية بزعامة هيئة تحرير الشام، والذي تتضارب بشأنه التقارير والتحليلات، التي أشار معظمها إلى ضعف المعنويات نتيجة لتدهور المرتبات والظروف المعيشية لكبار ضباط الجيش ناهيك عن صغار الضباط والجنود. لكن ثمة تقارير أشارت إلى استياء مستويات مختلفة في تسلسل القيادة العسكرية من الضربات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف مواقع في سوريا بسبب نشاط إيران وحزب الله، وطالبوا بضرورة وضع حد لتحويل سوريا إلى ساحة للقتال بالوكالة. كذلك تتضارب التقارير حول قرار حل الجيش والتوقيت الذي اتخذ فيه القرار. وفي كل الأحوال، فإن القرار وانسحاب الجيش من المقاومة وفر على سوريا تكرار الحرب الأهلية التي شهدتها على مدى سنوات لاحقة على انتفاضة 2011، وهو قرار يحسب لقيادات الجيش، ويجب أخذه في الاعتبار في خطط إعادة بناء القوات المسلحة السورية وكيفية دمج الفصائل المسلحة ضمن الهيكل العام للجيش السوري النظامي.

من المؤكد أن هذه الخطوة تتوقف على مدى التوافق الدولي والإقليمي بخصوص إعادة بناء الجيش السوري وبخصوص عقيدته القتالية ودوره، ويجب الالتفات إلى التاريخ الانقلابي لضباط الجيش وكيف سيؤثر على آليات إعادة بناء القوات المسلحة السورية ودورها في الحفاظ على أمن سوريا في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. والسؤال الآن، يتعلق بالكيفية التي ستعيد من خلالها الإدارة الانتقالية بناء الجيش وتعيد تسليحه، وهل سيتم الاعتماد على كوادر عسكرية من الجيش الذي تم حله، أم ستكون إعادة بناء الجيش من خلال دمج الفصائل المسلحة، وهنا يطرح سؤال بخصوص دمج الجيش الحر، الذي تكون من ضباط منشقين عن النظام السابق، لكن المشكلة الأكبر ستتعلق بدمج قوات سوريات الديمقراطية والأكراد في الجيش. وهذه نقاط تستحق مقالاً آخر