سقوط بشار وآثار الطوفان ومجيء ترامب واحتضار حميدتي
2025.. أمنيات ومخاوف
صفحة جديدة بيضاء من صفحات الزمن سوف تنفتح على مصراعيها ليبدأ قلم القدر في كتابتها بحروف من أمل ووجل..
أشياء كثيرة تتغير من حولنا في الاقتصاد والسياسة والعلوم والفنون والتقنيات، وإن لم نتغير كأفراد ومجتمعات فلسوف نظل ثابتين متحجرين في أماكننا محلك سر ويتجاوزنا الزمن. وأما منطقتنا العربية فهي تتغير قسراً بفعل فاعل. وما دمنا نتمسك بالولايات المتحدة الأمريكية ونتمسح بها فسوف يرتبط مصيرنا بمصيرها، فإذا ضعفت ضعفنا وإذا انهارت انهرنا معها، إلا إذا انتبهنا لما يدور حولنا واستعددنا له.
نوايا ترامب
التغير الأكبر والأهم والمنتظر سيحدث عندما يتولى ترامب حكم الولايات المتحدة الأمريكية رسمياً في الثلث الأخير من شهر يناير. ولقد توعَّد ترامب لكثيرين وتعهد لآخرين..
تعهد لليهود أنه سيقوم بتوسعة إسرائيل ومدِّها بمناطق نفوذ جديدة، وتعهد لروسيا أنه سيوقف الحرب بينها وبين أوكرانيا، وتعهد للأمريكيين أنه سوف ينعشهم اقتصادياً من خلال ضرائب سيفرضها على بضائع الصين وكندا وأمريكا الجنوبية، ومن خلال علاقاته الخارجية التي ستقوم في الأساس على مبدأ تقليص النفقات وزيادة العائدات من أي طريق!
ثم إنه توعَّدنا نحن العرب بالويل والثبور وعظائم الأمور إن لم نرضخ لشروطه وننفذ تعليماته. فهل ما تزال الولايات المتحدة الأمريكية ملاذنا الآمن كما حسبناها قديماً؟! وهل آن الأوان لفك ارتباطنا الأزلي بها اقتصادياً وسياسياً؟ ربما لو اتجهنا للقوة الجديدة الواعدة المتمثلة في منظمة البريكس بلس. تلك التي توعدها ترامب إذا قامت بتنفيذ مخططها المعلَن لإنشاء عملة موحدة للدول التابعة للمنظمة.
أهم ما يميز ترامب كسياسي مختلف عن غيره من السياسيين التقليديين أنه صريح للغاية ولا يحاول إخفاء نواياه. أي أن أفعاله متوقعة وممهَّدة ومن الممكن الاستعداد لها والبناء عليها. ثم إن فترة حكمه السابقة سمحت لمراكز الأبحاث حول العالَم من دراسة شخصيته وردود أفعاله، لهذا فإن التعامل معه سهل لو أن الطرف الآخر كان يتمتع بذكاء وحنكة وحكمة.
سوريا بلا بشار
استطاعت تركيا بدهاء أن تضع سوريا في جيبها خلال سنوات قامت أثناءها بتدريب قوات سورية أصبحت هي الآن التي تقود المشهد السوري. وبهذا تمكنت تركيا من تغيير معادلات القوي في تلك المنطقة الملتهبة المتاخمة لجنوب تركيا.
لا شك أن هناك مخاوف كثيرة حول الوضع في سوريا في المستقبل القريب والبعيد، لاسيما وأن بشار قد تركها خلفه منهارة ضعيفة وبلا جيش، ثم جاءت إسرائيل وقضت على البقية الباقية من القوة العسكرية لهذا الجيش المتداعي.
غير أن الفائز الأكبر في تلك المعركة القصيرة التي انتهت في أقل من أسبوعين بسقوط دمشق هو "تركيا" التي استطاعت تحقيق عشرة أهداف أو أكثر بضربة واحدة قاضية: فقد توسع نفوذها في سوريا على حساب إيران، ووضعت نفسها كلاعب أساسي في المنطقة في مواجهة إسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية ، كما وضعت أقدامها اقتصادياً في منطقة تهفو لإعادة الإعمار، أي أن شركات المقاولات في تركيا ستعمل بأقصى طاقتها. ثم هي الآن بصدد إعادة ترسيم الحدود بينها وبين سوريا للانتفاع بالاكتشافات البترولية الجديدة، كما أنها بصدد تحييد القلق الكردي المزمن في شمال شرق سوريا.
أكثر من هذا أن ملايين السوريين الذين أرهقوا الاقتصاد التركي سوف يغادر معظمهم عائدين إلى موطنهم. وخلال عام واحد سوف نري أمامنا سوريا جديدة، فهل سيكون التغير إلى الأفضل أم إلى الأسوأ؟ دعونا نترقب ونري.
السودان دون حميدتي
أوشك الوضع في السودان أن يصل لحالة من الهدوء والاستقرار بعد الهزائم المتتالية التي مُنيت بها قوات الدعم السريع. غير أن السودان الآن في حالة يُرثي لها بعد أن خرج من الحرب بلداً منهاراً اقتصادياً وفى حاجة ماسة للدعم الدولي.
كلنا يعرف أن السودان دولة غنية بمواردها الكثيرة: أراضي خصبة ممتدة ومعادن نفيسة وبترول وثروة حيوانية هائلة. إلا أنها غير محظوظة سياسياً، ولا تجد حولها مَن يمد لها يد العون لاستعادة قوتها وإمكانياتها. حتى السودانيون الذين باستطاعتهم إعادة بناء دولتهم هاجروا وغادروا إلى دول مجاورة، والأغنياء منهم غادروا إلى أمريكا وأوروبا. وبات على السودان بعد أن تقوم بإتمام القضاء على بقايا الدعم السريع أن تبحث لنفسها عن موطئ قدم في المنظومة الدولية طمعاً في بعض الدعم الذي يساعدها في تثبيت أقدامها اقتصادياً، وهو أمر يحتاج إلى شهور وسنوات من الكفاح العسكري والسياسي والدبلوماسي.
مصير غزة
خلال أيام أو أسابيع سوف تنعقد الهدنة بين الطرف الفلسطيني والإسرائيلي للسماح بتبادل الأسري وإدخال المساعدات، وإن كان هذا لا يضمن الوقف الكامل لإطلاق النار، غير أن الهدنة في ذاتها تمثل فرصة جيدة لإيقاف الحرب رغم كل تهديدات نتنياهو باستمرار الحرب.
الأرقام تتحدث عن نزيف حاد في الدماء والأموال في إسرائيل، وأن آلاف الجنود والضباط قُتلوا في معارك غزة وجنوب لبنان على مدي الشهور السابقة، بخلاف المصابين بإصابات خطيرة وعاهات مستديمة. يضاف لهؤلاء عشرات الضباط والجنود الذين يرفضون العودة للخدمة الآن. ومن المتوقع أن تتضاعف أعدادهم في حالة الإيقاف المؤقت للحرب أثناء الهدنة. معني هذا أن الوضع الداخلي لإسرائيل قد يضطر نتنياهو للإيقاف الدائم للحرب لنقص قواته وامتناع الجنود عن القتال.
غير أن أهم مسألة هنا تتعلق بمصير غزة بعد وقف الحرب، وهل ستجد حولها مَن يعيد إعمارها من جديد؟ ثم كيف يكون حالها اقتصادياً وأمنياً بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي؟ مَن سيدير قطاع غزة؟ وكيف سُتدفع رواتب العاملين بالقطاع؟ أمور كثيرة تظل طي المجهول، حتى تحدث الهدنة، ويأتي ترامب ينفذ تعهداته لليهود، وحينها سوف تتضح الصورة، وتدخل غزة في مرحلة جديدة مختلفة أرجو أن تكون أفضل من سَنة الحرب المضنية.
الاقتصاد العالمي
بصفة عامة هناك أزمة اقتصادية عالمية بدأت منذ وباء كورونا ولم تنتهي بعد. الجميع يعاني حتى أوروبا. ثم إن الحروب استهلكت الموارد والأموال في كل الخزائن. ولم ينجح في الحفاظ على ثباته اقتصادياً إلا الدول التي أبعدت نفسها عن دائرة الحرب وبؤر الصراع.
مصر تأثرت بكورونا وبالحروب التي دارت حولها في السودان وغزة ثم الآن في سوريا. غير أنها استطاعت أن تمر مروراً صعباً من تلك الأزمات المتتالية بشيء من الثبات والاستقرار النسبي. ومن المتوقع أن يمر العالم في ظل سياسات ترامب الاقتصادية بمرحلة صعبة اقتصادياً، لأن الدولار سوف يتأثر بهذه السياسات، وسوف نتأثر تبعاً لهذا. وعلينا أن نملك أدوات جديدة للتعامل مع تحديات الاقتصاد العالَمي في الفترة المقبلة.
ثمة مبشرات كثيرة: كالعاصمة الإدارية والعلمين الجديدة ورأس الحكمة ومشروعات الاستصلاح الزراعي والمتحف الكبير وغيرها من مشروعات عظيمة واعدة ذات أهمية استراتيجية وعائدات سنوية متزايدة. وهناك استثمارات قادمة، وفرص كبيرة للسياحة في المستقبل. ولطالما استطاعت مصر أن تعبر أي أزمة وأن تحول المحن إلى منح، وأن تقف وقوف الجبال الرواسي في مواجهة الأعاصير المهلكة.
ومهما كانت الحالة الاقتصادية في مصر ليست مثالية كما نتمناها، إلا أنها تظل أفضل كثيراً من بلدان مجاورة دمرتها الصراعات.
عبد السلام فاروق