د. عمرو عبدالرازق تعلب يكتب: الموضوعية المهدرة في اختيار أعضاء السلطة القضائية

ذات مصر

 حينما تهدر الموضوعية تتمخض عنها غُصّة في قلوب ضحايها من صفوة شباب الخريجين أوائل دفعاتهم وغيرهم من النابهين الأكْفاء والأكفياء،لا يداويها الزمن ؛فيحتل بها الظلم نفوسهم ويطغى ،ويطارد الظلام أعينهم أينما ولّوا وجوههم.

فكم من وجه للموضوعية المفقودة بل والمهدرة في اختيار أعضاء السلطة القضائية ؟!!!، ومنها أن يتحمل المرشح للتعيين في وظيفة قضائية وزر أيا من أفراد أسرته أو عائلته رغم رد اعتباره وهذا ما انطوى عليه فيه مخالفة بيّنة للنص القرآني الشريف " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ".

وأيا كانت وجاهة ما استقرت عليه مبادئ المحكمة الإدارية العليا في شأن رد اعتبار أيا من أفراد أسرة المتقدم للوظيفة القضائية أو عائلته  إلا أن أخذه بذنب غيره هو أمر تَأباهُ قواعد العدالة ويطعن في تطبيق مبادئ تكافؤ الفرص والمساوة ويتأبّى على المنصفين مسلكه.

ولن اخشى إن قلت بأن توصيف ما ارتأته المحكمة الإدارية العليا من نظر في شأن حرمان المتقدم للتعيين في الوظيفة القضائية على مانع خارج عنه أو لمنقصة أو عيب لصيق بغيره إن صح ما هو إلا ابتداعًا وتزيدًا في شروط تولي القضاء في الإسلام وبدعة لمن خالجه هوى.

ولهذا سطر قلمي نقدًا على ما استقرت عليه أحكام القضاء فيما أصدرته المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن حيث قررت بأنه يتفاوت مستوى حسن السمعة تبعا لنوع الوظيفة وخطورتها ومسئوليتها، فما قد تتساهل فيه الإدارة بالنسبة لوظائف معينة، قد تتشدد فيه بالنسبة لوظائف أخرى، كالقضاء؛ لما لهذه الوظائف من أهمية وخطورة تتطلب فيمن يشغلها مستوى معينا وخاصا من حسن السمعة بالنسبة له ولأفراد أسرته.

 كما قررت بأن الغاية المرجوة من إجراء التحريات الأمنية على المرشح لشغل وظيفة قضائية هي اختيار أفضل العناصر للقيام بمهام الولاية القضائية، والإستيثاق من أنه يتمتع بحسن السمعة والسيرة والسلوك القويم بين أقاربه وأهله وذويه، وأنه لا يوجد من بين أفراد أسرته وأقاربه من يلحق به عيب في سلوكه، أو شطط في تصرفاته، أو خطر على مجتمعه- هذه التحريات تكون شاملة وفي كل مناحي الحياة، وخاصة فيما قد يمثل خطراً على المجتمع، وهو السلوك الإجرامي.

وأضافت بأنه يكفي لفقد شرط حسن السمعة في المرشح للوظيفة القضائية أن توجد دلائل أو شبهات قوية تلقي بظلال من الشك على مسلكه أو مسلك أسرته، وتقلل من الثقة فيه، وتنال من جدارته لولاية القضاء. ومن ثم فإن الانقضاء بالتصالح أو رد الاعتبار بعد مرور مدة معينة على صدور الأحكام الجنائية لا يعني عدم ارتكاب الجرائم المسندة لأي من أفراد أسرة المرشح. 

 النقد : رغم واقعية بعض مبررات مبنى الحكم القضائي السابق بشأن عدم إعمال الأثر القانوني لرد الاعتبار ووجاهتها بعض الشيء في شأن ذوي المتقدم لتولي وظائف الكادر الخاص بوجه عام والوظائف القضائية بوجه خاص، إلا أنه لا يجب أن تؤخذ على أنها من المسلمات أو المطلقات.

 وأن الارتكان أو الاستناد إليها واعتبارها كأساس مشروع ليس صحيحاً في كل أحواله؛ فقد أثبت لنا الواقع العملي - بأحكام قضائية باتة- أنه رغم اعتناق هذا المذهب وإعمال مقتضاه تطبيقياً في طور الاختيار ارتكاب بعض ممن تم اصطفاؤهم لِتَولّي الوظيفة القضائية للعديد من الجرائم على اختلاف أنواعها و جسامتها بما فيها الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة والفاقدة للثقة والاعتبار حتى وقع ما كان يُحذر وقوعه لو لم يتم إبعاد ممن تشوبهم شائبة.

 حيث أطاحوا بِمُسَلّمة المذهب المعتنق والموروث في اختيار أعضاء الهيئات القضائية، وأثبتوا - وبحق غير عامدين- عدم جدارتهم نهائياً لتولي مهام الوظيفة القضائية وشرف الانتساب إليها كل هذا ورغم انتقائهم وإبعاد أو إقصاء غيرهم في الوقت ذاته على ظن - لا يسانده دليل - أنهم غير جديرين للقيام بمهمة القضاء لارتكاب أحد أفراد عائلته الصغيرة أو الكبيرة كانت جريمة لا وزر للمتقدم للوظيفة القضائية بشأنها.

          لذا أدعو المشرع المصري بسن نص تشريعي يُقصر بمقتضاه موانعشغل الوظيفة القضائية على المرشح لها دون سواه .....وللحديث بقية دمتم سالمين