هشام النجار يكتب: عودة العثمانيون الجدد.. بني يعرب إن الذئاب تصول
سأركز على العثمانيين الجدد لأنهم مركز السيطرة والتحكم وتحريك الأدوات، لكن هناك إسقاط وشبه في الماضي الذي يرسم لوحة المصائر والنتائج والمآلات؛ فالذي يثق في أن منتمين لأيديولوجية القاعدة سينتجون حكمًا مدنيًا تعدديًا وسيرسخونالعدل والمساواة والاستقرار والكرامة والسلام وسيحققون النهضة والازدهار، هو من جنس الذي يثق في أن هيمنة الرئيس التركي أردوغان وتيار العثمانيين الجدد اليوم على سوريا ستكون مختلفة وستحقق نهضة حضارية ومجدًا للعرب في سوريا بخلاف الذي فعله أجدادهم من العثمانيين القدامى.
إذا تعاملنا باستسلام مع المتغيرات المتسارعة التي تجرى في الإقليم خاصة أخيرًا في سوريا والشام فمعنى ذلك أننا لم نقرأ تاريخ ولا أدب ولا فكر ولا سياسة ولا نفهم معنى كلمة عرب وكلمة أتراك وفرس واسرائيل.
أسترجع في البداية بيتين فقط من قصيدة جميل صدقي الزهاوي التي يرثي فيها شهداء العرب في معركتهم ضد المحتل العثماني القديم قبل مائة سنة،وفيهما يحذر العرب الآتين في المستقبل، يحذرنا من غدر الأتراك، والذي قاله قبل أكثر من مائة سنة عجيب ومدهش ومذهل لأنه ببساطة حصل ونسي الناس الغدر القديم وهاهم يحتضنون بالورود والرياحين الفاتحين الجدد وفي حقيقتهم هم (الغادرون الجدد)، يقول الزهاوي وله الحق أن يزهو بعقله (بَني يَعْرُب لا تأمَنُوا التُرْك بَعْدَها / بَني يَعْرُب إن الذِئابَ تصُولُ / ولا تمْشِ في أمْر أجَنكَلَيْلُه، عَلى ضَوْء تُرْكِي فَذاكَ ضَئيلُ).
السؤال: ماذا حصل قبل مائة سنة؟ لأننا لن نفهم الذي يجري الآن إلا بعد أن نعرف ما حصل بالماضي؟
باختصار وتركيز: حصل أنه كنا كعرب وقتها مثلما نحن عليه الآن؛ دول وكيانات عربية منهارة ومعرضة للتشرذم والتقسيم ومحتاجة لإنقاذ عربي وإطار عروبي يحتضنها، أشعل العرب الثورة ضد الأتراك (العثمانيين القدامى) الذين مارسوا نفس الخدعة؛ رفعوا باليد اليمنى راية الإسلام وبالشمال خربوا وقتلوا ودمروا وحولوا حواضر العرب في دمشق وبيروت وحلب لأطلال مغطاة بالجماجم والعظام، ولكي يكسر الترك الكبرياء العربي ويحققوا تفوقهم العرقي أعدموا خيرة أبناء الشام.
انطلقت الثورة العربية سنة 1916 ضد الاحتلال العثماني البغيض وتُوجت بالنصر سنة 1920م ليعود من جديد بعد قرن بنفس المعادلة والصيغة والأدوات؛إثارة خلافات ونعرات طائفية، ضخ ميليشيات،توظيف وكلاء وخونة، ومن ثم هيمنة على الثروة العربية والتعامل مع أصحاب الأرض كأجراء وعبيد وملاحقة المناضلين والمثقفين والمقاومين وتشويههم لوأد حلم الحرية والإستقلال.
مهمة الميليشيات الثابتة والمتنقلة الشيعية والسنية التي تبادلت الأدوار حيث الآن جناح تابع للعثمانيين الجدد حل محل جناح تابع للولي الفقيه هو إيصال الدول العربية المستهدفة لمستوى الدول الفاشلة،ورغم إن المصطلح ظهر لأول مرة عام 1993م إلا أن المخطط قديم من مطلع القرن العشرين، هدفه إضعاف المؤسسات العربية وجعلها غير قادرة على القيام بوظائفها الأساسية وواجباتها السيادية وعاجزة عن توفير الخدمات العامة وعن بسط نفوذها على حدودها وأراضيها، لتستفيد إسرائيل وتتسلم الدولتان –تركيا وإيران- عبر وكلائهم بالدول العربيةمدمرة فاشلة وتبنيها بالشكل الذي يضمن احتلالها للأبد بغرض السيطرة على الثروة العربية، لكن التطورات كما رأينا جميعًا خدمت الأتراك بشكل مذهل وقطفوا الثمرة بمفردهم.
اعتبر العثمانيون العربَ عبيد وخدم وأجراء في الأراضي التي استولوا عليها ونهبوها فلم يكن أمامهم إلا الثورة فرد العثمانيين بقسوة ووحشية،عذبوا قتلوا ونفوا الآلاف وجوعوا شعب الشام وقُتل منهم ثلاثمائة وخمسون ألفًا في مجاعة1915 نتيجة مصادرة الجيش التركي للمحاصيل وتجنيد الأيدي العاملة في الحرب قسرًا.
اليوم تظهر نفس الأهداف ونفس الممارسات بواسطة نفس الأدوات مع التتريك والأدلجة لكيلا يصعد جيل عربي غيور حر يثور في وجه الاحتلال الجديد المقنع بهدف استعادة الاستقلال والحرية والأرض والهوية.
عاث الأتراك تخريبًا وتدميرًا وإفسادًا في البلاد العربية قبل مائة سنة وحُرم العرب من حقوقهم في بلدهم, وتحولت كلمة (عربي) مرادفة لكلمة ولمعنى الانحطاط في قاموس الأتراك المهووسين بالاستعلاء على العربي وتحقيره.
لما دخل العثمانيون الحرب العالمية الأولى 1914م زجوا بآلاف العرب في معاركهم تحت عنوان (الجهاد ضد الكفار) وهذا فعلوه وسيفعلون المزيد في سوريا، وليس مستبعدًا أن يجندوا السوريين كمرتزقة في حروبهم ولحساب مشروعهم لا لحساب سوريا ولا ضد التوسع الإسرائيلي، ولهذا كشف الشريف حسين الخدعة قديمًا فشوهوا صورته واتهموه بالخيانة.
الذي فرق شمل العرب ورماهم في الخطوط الأمامية للقتال في الشام هو الدموي التركي جمال باشا السفاح الذي تسبب في استشهاد آلاف من خيرة العرب في حرب لا تخصهم، وقبض على قادة الحركة القومية وأعدمهم، فانطلقت الثورة وكانت شرارتها في الشام، قاد الشريف حسين شريف مكة الثورة ضد المحتل العثماني وبدأ اتصالاته مع البريطانيين بعد فرض إرادته وهذا ما استغله مؤرخو جماعة الإخوان (أذناب العثمانيين الجدد) لكي يتهموه بالخيانة، رغم انه تصرفه وطني لتحقيق التحرر ونيل الاستقلال ولذلك وضعه الأتراك قيد الإقامة الجبرية.
العثمانيون وأذيلهم من العرب ألصقوا بالشريف حسين النقائص وزعوا انه تعاون مع الانجليز وانه فتت العرب، بينما الحقيقة انه سعى لاستقلال العرب وتوحيدهم ليخرجوا من نفق الاحتلال والاستغلال وفرض الإرادة من الخارج سواء من ترك عثمانيين أو من بريطانيين أو غيرهم.
استطاع الشريف حسين توحيد القبائل العربية خلف مطلب الاستقلال، وعند شروق الشمس في خمسةيونيو ركب الأميران فيصل بن الحسين وعلي وحشدا 1500 من الجنود، وأعلنوا باسم الشريف حسين أمير مكة استقلال العرب عن الحكم التركي.
انطلق نداء الثورة (اعلموا أيها العرب أنه تأسست جمعية فدائية تقتل كل من يقاتل العرب، ويقاوم الإصلاح العربي، وتتبنى مبدأ الاستقلال التام، وتأليف دولة عربية لامركزية، تعيد سالف مجدنا الغابر)، وبذلك انطلقت الثورة ضد المحتل التركي من الشام وامتدت لمصر والعراق والحجاز وهي الأراضي التي تحولت إلى مراكز لإعداد الثورة العربية ولتحويل أطماع التركي العثماني إلى جحيم مقيم.
ليس فقط بالفداء والبطولة والشجاعة في ميادين المواجهات بل أيضًا بالذكاء والدهاء عندما خدع الشريف حسين جمال باشا السفاح وسحب الضباط العرب من الجيش التركي وضمهم لصفوف الثورة فانهزم الاستعلاء والغرور التركي أمام شجاعة العرب وذكائهم وقال بصري باشا محافظ المدينة(لقد انتصر الذكاء العربي في هذه المعركة على الذكاء التركي وفاز عليه)، واسترجعت الثورة الجزيرة العربية وبعدها العقبة ومضت باتجاه استرداد الشام وتحريره.
إذن هو قرن كامل من الثورة والنضال العربي بداية من انتفاض الروح القومية بين العرب لإسقاط ركام الظلمات التركية والعثمانلية تصدره مفكرون ومثقفون ومناضلون أحرار وحتى الانتفاض اليوم ضد الاحتلال التركي المقنع ووكلائه من تنظيمات الإخوان والقاعدة المتحورة، حيث أيقن العرب أن الخلاص من ذلك الغزو الطائفي والاحتلال المتستر بالدين والمستغل للنفوس الضعيفة والوكلاء لا يكون ولن يكون إلا بالثورة.
عرف العرب طريق الحرية والخلاص ولن يرضوا بحاكم مستبد ديكتاتور، ولن يرضوا أن تنتقل قيودهم من بعثية طائفية إيرانية إلى عثمانية إخوانية قاعديةأميركية إسرائيلية.
تعلمت الشعوب العربية الدرس وبداية من العام 2013م بدأ الأحرار يطردون خفافيش الظلام التي لا تزال تعشش في بعض عواصمنا.
إصرار تركيا وقبلها إيران على جعل الشام ومصر مذبح دائم للعرب بدافع العنصرية والكراهية ووهم التفوق العرقي والطمع في الثروة، يقابله ويجابهه إصرار وتصميم عربي عارم على الخروج من الزمن الذي عبثت فيه ميليشيات شيعية كانت أو سنية تابعة لمستعمر فارسي أو عثماني حقود وخاضعة لقراره وخادمة لمصالحه، في مشهد دال على أن حركة القوميين العرب التي تشكلت في الشام قبل نقلها إلى القاهرة لا تزال عفية ومغروسة في الأرض ولو كانت بذرة ستكبر لتحقق وحدة المصير العربي ضد المستعمرين، الذين حذرنا من غدرهم الزهاويياللعجب قبل أكتر من مائة سنة وكأنه كان يعلم أنهم سيعودون: (بني يعرب لا تأمنوا الترك بعدها، بني يعرب إن الذئاب تصول، ولا تمش في أمر أجنك ليله، على ضوء تركي فذاك ضئيل).