محمد ثابت يكتب: بأي وجه ننظر في المرايا دون أن نرى دماء أطفال غزة؟!

ذات مصر

مثلت فلسطين عامة وغزة والأقصى خاصة طعنة نافذة في أقصى عمق من ثنايا روح كل حر شريف من أبناء وأجيال هذه الأمة، حاولنا تناسيها لنتعايش مع أوضاعنا التي تزداد مرارة ففشلنا، رأيناها أمامنا في الإفساد المتعمد في جميع مناحي حياتنا كمصريين خاصة ما فعله نظام حسني مبارك بنا إذ لم يبقِ على قيمة أو منزلة لشريف أو متعفف إلا وحاول إقصاءهما عن وجه الوطن بداية من السلطة ودرجاتها وحتى المكانة الاجتماعية، لكننا بقينا نأكل ونشرب وتستمر بنا الحياة ـ أي حياة ـ رغم صور الشهداء الفلسطينيين على مدار عشرات السنوات بإعلامنا، ولعل الله عاقب الشعوب التي تناست المأساة بأن أذاقها شيئًا غير يسير من طوفان الدماء، وكان المصريين الأعزاء للأسف الشديد المرارة من ضمنهم مثلهم مثل الأشقاء والأحبة في العراق، سوريا، ليبيا، اليمن، السودان!

لكم حاولنا تناسي جراح فلسطين وغزة والأقصى ففشلنا وعوقبنا حتى فوجئنا بأن حماس والفصائل فعلوها، عوضوا خيبة أجيالنا وفشلها في تغيير مجتمعاتها أو حتى خوض معركة الوعي بتوفيق داخل النخب، ولو اتصل بعضها بالدين!

منذ سنوات قليلة استطاع الموساد اغتيال مهندس الطيران محمد الزواري بتونس، كان هذا في ديسمبر/ كانون الأول 2016م، حزنا وأسفنا عليه وعلى إمكاناته العبقرية، ولكننا من طرف آخر قصي توسمنا خيرًا بقدرتها على تجنيد المهندس الراحل لطرح نوع من الطائرات تنفرد به، اعتقدنا أننا قريبًا نستطيع المساهمة في مسيرة نهضة الأمة التي تأتي من أكناف بيت المقدس، تأملنا أن تستطيع حماس استغلال طاقات الأمة متجاوزة الحدود التي أبدعها الاحتلال، ولم يحدث ما توقعنا، بل تألمنا لبعض مواقفها السياسية.

واستمرت أوطاننا في "طرح" أفضل ما فيها عنها وتركهم في الخارج أحيانًا يعانون أزمات متلاحقة من الأنظمة وما تفعله بهم إن فكروا في ملامسة أرواحهم لأراضي أوطانهم، وما يتفنن به رفاق الدرب المفترضين السابقين من حصد المنافع والمغانم ـ اللهم إلا القليل النادر من ملح هذه الأرض ـ، باختصار تشابهت مساءاتنا مع غيرها من أوقات الأيام التي صارت بلا نكهة، تبعد الكفاءات عن الأوطان ويقاس أصحابها في خارجها من إصلاحيين مفترضين من مواطنيهم ـ إلا قليلًا ـ بالثقة لا الكفاءة، حتى جاء 7 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري بمفاجأة مدوية.

استطاعت حماس والفصائل تكثيف ما اعتمل في صدور الأمة من فشل وإزهاق للقدرات وما يترجمه الأعداء لعدم نجاح عربي بعامة في الحياة، فندت حماس والفصائل أقاويل أننا لا نقرا ولا نفهم ولا نعمل، أثبتت أن الصهاينة ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأعوانهما في العالم لا يفهمون، كررت عليهم خطة الرئيس المصري الراحل أنور السادات في مهاجمتهم في عيد الغفران المزعوم، وبتخطيط عبقري محكم وتقنيات بالغة التطور عبر أكثر من ألف مقاتل وتقني دخلوا الحدود بأعجوبة والثكنات العسكرية التي كان الكيان الغاصب يعدها للهجوم على غزة بعد الأعياد، حسبما صرح به نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العروري الخميس الماضي لفضائية الجزيرة.

كانت العملية مدبرة بحنكة ومهارة شديدين، ألحقت بالكيان المحتل خسائر مدوية لعلنا لا نكون مبالغين إذا ما قلنا إنها غير مسبوقة، فعبر يومين اثنين أذاقت الدولة الصهيونية ما لم تذقه من 22 دولة عربية في 75 عامًا، أفشل مخططاتها لإزهاق المزيد من أشقائنا الصغار حول بيت المقدس المبارك وإذلال وإهانة وانتهاك حرمات النساء والعجائز والاستيلاء على بيوتهم، أثبتت الفصائل أن فجر نهضة هذه الأمة أذن الله بالتنفس له، تبادر حماس عبر القسام والمزيد من أبطال الفصائل بالهجوم على العدو للمرة الأولى في تاريخه. 

رأى العقل فيما فعلته حماس قمة الواجب على الأمة كلها فيما تألمت العاطفة لما سيحدث لها، ولم تخيب الأيام ذلك الشعور إذ أتت بالعجائب التي يذهل لها العقل والعاطفة معًا، إذ أنبرى بعض كتابنا العرب في مدح الانتصار الأول متناسين ما سيحدث بعده، وإذ اكتفينا بالمشاهدة عن بعض، بل وجدت بعض الشاشات وأصحاب المقالات مزيدًا من العوض عن الأماني التي بذلوها لصعود الربيع العربي وفشلت.

أفقنا جميعًا في الأيام التالية على طوفان من الأكاذيب في صورة أخبار إعلامية وصلت للرئيس الأمريكي جون بايدن دون دليل أو تبرير، وهجمت دول الغرب المختلفة على حماس والفصائل والشعب الفلسطيني المظلوم لعشرات السنوات بالاتهام، تبين أن حماس التي أحكمت ودبرت ونفذت بإمعان تعاني لأننا محسوبون عليها وعلى الأمة، ففي حين ينبري العالم لمساندة الظلمة الصهيونيين؛ نتعجل فنفرح ونحزن دون أن نحسن التعبير عن أنفسنا في الحالين!

إن غزة وحماس يعانيان الأمرين الآن بعد أن أثبتا أن الأمة كلها لا تزال تسعى نحو النور والخير، ولكن فصائل المقاومة لن تستطيع مهما أوتيت من عبقرية ومهارة وقدرة ومن قبل إيمان أن تسد منافذ كان علينا أن نسدها كأمة، فهل نفهم أنهم يدافعون عن شرفنا وكرامتنا ويكادون يبادون لأجلنا فلا أقل من أن نجتهد في ظل إمكاناتنا شبه المنعدمة في التعريف بقضيتهم للرقي بإنسانيتنا قبل أمتنا؟ أم نواصل الحياة الخائبة المريرة عديمة الجدوى التي أدمناها؟ 

ترى كيف لا نرى دماء أطفالهم وسواد ديارهم ومنع الغذاء والوقود والمياه عنهم في المرايا من حولنا بدلًا من وجوهنا إن استمررنا في تجاهل مأساواتهم؟!