هشام النجار يكتب: هذا ما قلته في مؤتمر دعم ترشيح السيسي؟

ذات مصر

لبيت بفرح ودون تردد دعوة كريمة جاءتني للمشاركة بمؤتمر شعبي لدعم ترشيح الرئيس عبد الفتاح السيسي لولاية جديدة.

وسبب سعادتي أنني دُعيت وشاركت بمؤتمرات وفعاليات فكرية وسياسية عديدة داخل مصر وخارجها، ونادرًا ما كنت أُدعى لفعاليات ببلدي الجمالية بمحافظة الدقهلية، والجميع يعلم ما يعنيه لقاء كهذا وما يشيعه في النفس من طمأنينة وحنين واستعادة لذكريات جميلة.

وبالفعل جاء اللقاء في وقته ونجح في انتشالي من روتيني اليومي وكانت سعادتي مضاعفة عندما قابلت أساتذة أعتز بهم وأصدقاء قدامى لي ولوالدي رحمه الله.

لم أرتب كلمة لألقيها وسط نخبة مميزة ضمت رموزًا فكرية وإعلامية وسياسية وعلماء دين وناشطين بالعمل الأهلي والحقوقي وقيادات تنفيذية، وفضلت السير على قدمي من منزلي إلى قاعة المؤتمر لأرتب بعض الأفكار والعناصر خلال مشوار استغرق ربع ساعة.

 جاء دوري في الكلمة فدخلت مباشرة في جوهر المسألة وجوهر التحدي ودون أية مقدمات أو تزويق بياني ولغوي..

قلت: مصر بطبيعتها ودورها (إسبارطية) محاربة وهذا قدرها، ليست هونج كونج أو سنغافورة، وكان بإمكان الرئيس عبد الناصر -كما ذكر نزار قباني يومًا في ستينات القرن الماضي- لو أراد أن يجعلها بخمس دقائق مونت كارلو ثانية لا هم لها سوى التزلج نهارًا ولعب الروليت ليلًا.

قلت: بإمكان أي زعيم لمصر منذ عبد الناصر إلى السيسي إذا أراد -معاذ الله وحاشا لله- أن ينزع عنها صفة الدولة المحاربة الحامية للعرب والمنطقة ويحول المليارات التي تتدفق على امتلاك قوة الردع إلى قطاع الاستهلاك فلا يضطر المواطن المصري للشكوى من الغلاء أو الحاجة لأوقية شاي أو تلئيمة سكر أو شريحة لحم.

عودوا معي قليلًا بالذاكرة واطرحوا على أنفسكم هذه الأسئلة: 

لماذا كان التركيز على الجيش المصري وميزانيته من قبل جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين أثناء عامها في الحكم؟

لماذا سعوا –أو لنقل سعى من يرعاهم- لتقليص ميزانية الجيش ومراقبتها والتدخل في شؤونه؟

ولماذا كان هذا الهَوَس المَرَضي لدرجة انتاج أفلام وثائقية تحرض عليه وتدعو للعصيان والتمرد مثل (فيلم العساكر) و(التجنيد الإجباري)؟

هذا كله وغيره الكثير كان هدفه محاولة نزع صفة مصر (الإسبارطية) المحاربة الرادعة، ليتسنى للطامعين (المحركين لأدوات الداخل) تنفيذ مخططاتهم التي باتت أوضح ما تكون خلال الشهرين الأخيرين.

الآن بحسب تصنيف (غلوبال فاير باور) لعام 2021، يحتل الجيش المصري المرتبة الـ13 بين أقوى جيوش العالم، قبل إيران ومرتبتها ال14، لتأتي إسرائيل في المرتبة الـ20.

هذا التصنيف ليس عابرًا ولا هامشيًا ولا جزء من تفاصيل، إنما مُحدِد رئيسي وعنوان ومضمون رادع من مصر التي تقوم بدور إسبرطة في الشرق الأوسط بالنسبة للعرب والمسلمين، وهي ليست رسالة رادعة فحسب إنما يدخل في صميم رؤية مصر (بلد المائة مليون عربي) لنفسها ولدورها ومسؤولياتها.

كما أن ذكري لتصنيف إسرائيل وإيران تحديدًا يعني الكثير لمن يعي ما يجري حولنا من أحداث ومحركيها الحقيقيين.

قلت: يا سادة ويا أعزائي.. الأولوية لدعم قيام مصر بمهمتها التاريخية في دفاعها الدائم عن نفسها وعن العرب والمسلمين، وفي الدول المحاربة يأتي المقاتلون في المرتبة الأولى ويقف الاقتصاد القومي خلفهم بكل قدراته مهما كانت التضحيات.

قلت: هناك من يغفل أو يجهل طبيعة مصر (المحاربة الحامية الرادعة) ما ورطه في وصف وقوف الأشقاء العرب بجانبها بأنها (تقديم تبرعات) أو (معونات) خلال الفترة التي أعقبت ثورة يونيو 2013م، ومن يتصور الأمر هكذا أظنه لم يقرأ تاريخًا ولا يعلم ما يعنيه صمود مصر ومواصلة رباطها على الحدود والتخوم وفي قلب الصراع للعرب بكافة أطيافهم وأديانهم وللمسلمين.

وأتمنى ألا يغامر أحد ويجرب لأن ساعتها سيكونون في ذمة التاريخ لا حضور لهم ولا أثر ولا حتى حس ولا خبر.

لو شاءت مصر (معاذ الله) لتخلت منذ البداية عن دورها ومسؤولياتها لتعيش مرفهة في أحضان أميركا وبريطانيا وتركيا وإيران وإسرائيل، وتترك العرب لينهشهم كل ناهش شَرِه، لكنها تتحمل فالكبار لا يحلمون أحلامًا صغيرة، وقدر مصر أن تعيش مناضلة ومحاربة وحامية للعرب.

ومهما حدث من تباين وجهات نظر في بعض الملفات فلن يستغني العرب عن مصر ولن تستغي مصر عن أشقائها العرب.

قلت: لم يرأس السيسي مصر العام 2014م إنما قاد حربًا وجودية للدفاع عن وجود مصر والعرب والمسلمين بدون أدنى مبالغة.

حافظ السيسي على دعائم الدولة الوطنية من منطلق كونها الوحيدة القادرة على احتواء التنوعات الطائفية والإثنية تحت عنوان المساواة والمواطنة، وعدم السماح باختراقها أو استهدافها بمشاريع أيديولوجية أو مذهبية أحادية من شأنها تفجير كيان الدولة ومحو هويتها وتفتيتها إلى كيانات متصارعة، في ظل ازدهار للنزعات الانفصالية للأقليات وتدعيمها من قوى خارجية.

لو لم يكبح العرب بقيادة مصر هذا العبث لما بقوا دولًا ومجتمعات، ولفقدنا البوصلة والهوية ولصارت دولنا ساحات معارك وحروب يخوضها من يبحث لنفسه عن مجد زائف ومن يرى قوميته وعرقه هو الأنقى ويتعامل مع العرب باستعلاء واحتقار لشأنهم.

ولو لم يضحي المصريون وجيشهم بأرواح أنبل أبنائهم وشهدائهم في ساحات القتال في سيناء وعلى امتداد الجغرافيا المصرية خاصة منذ العام 2014إلى 2019م لتواصل مشروع التفكيك الذي قادته قوى دولية معلومة وأمدت الأدوات بالداخل بكل ما يلزم من مال وسلاح ومعلومات.

مشروع السيسي باختصار هو مشروع إنقاذ العرب من التيه عبر الاعتصام بالعروبة وبالانتماء العربي والتحرك في مساحات علاقاتنا الإقليمية والدولية من منطلق (الانتماء العربي).

وهو ما وصفه سابقًا جمال حمدان -رحمه الله- في مقال قديم له بعنوان (أبعادنا الأربعة) إنقاذًا للدين الحنيف والأوطان وحتى لا نصاب بالدوار والتيه ومن ثم الإنهيار؛ فالانتماء العربي ضد الأبعاد الإقليمية، ومقياس الأشياء جميعًا بين أبعادنا هو انتماؤنا القومي، أي الجسم والكيان نفسه مقابل وقبل وبعد أبعاده وامتداداته، وهذا ما يعنى ويرادف العروبة على الفور.

يقول جمال حمدان رحمه الله: (القومية والانتماء القومي هو وحده الذي يحفظ توازننا بين أبعادنا المتباينة ويمنع عنا الإصابة بالدوار الجغرافي بينها، باختصار الانتماء القومي والقومية قبل الأبعاد وبعدها، بين الأبعاد وضدها، ذلك هو المصل المضاد لخطر الدوار الجغرافي في قلب العالم).

فهل تحسون وتشعرون بذلك الآن وتجدونه واقعًا ملموسًا؛ أن غالبية الدول المحيطة بنا شرقًا وغربًا وجنوبًا مشتعلة بالصراعات ومصابة بالتيه؟

نعم لأنها فقدت احداثيات تظبيط الهوية والوجهة ذاهبة هنا وهناك وتاركة البوصلة التي تحفظ التوازن.

لا مفر من العودة للاعتصام بالعروبة وبالانتماء العربي والتحرك في مساحات علاقاتنا الإقليمية والدولية من منطلق الانتماء العربي؛ لأنه كما قال حمدان: (الجسم حيث الأبعاد هي الأطراف، وهو الوجه وهى الوجهة، وهو الهوية وهى هوائيات الإرسال والاستقبال، والعروبة وجود ولكن الأبعاد توجهه، وإن كانت الأبعاد هي اتجاهات البوصلة فان الأساس العربي هو جسم البوصلة ذاته، وفى كل الحالات فان العروبة وحدها هي دائرة الانتماء وكل ما عداها فدوائر علاقات).

ذكرت كيف حارب الجيش المصري لسنوات جيوش من المليشيات التكفيرية المدعومة من الخارج ليس فقط لحماية الأرض والحدود، إنما أيضًا لحماية القضية الفلسطينية والثوابت العربية من أن تُصفى وتنسف.

قلت: إن من يعرف طبيعة مصر (الإسبارطية) المحاربة والتحديات التي تواجهها يعرف جيدًا لمن سيعطي صوته.