أيمن شرف يكتب: ثم ماذا بعد حرب غزة؟ (2-3)

ذات مصر

من دون هزيمة إسرائيل في الحرب الأمريكية-الإسرائيلية على غزة لن يكون هناك "حلٌ عادلٌ" للقضية الفلسطينية، بل سيخطو اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل خطوة أخرى متقدمة على طريق تصفية قضية الفلسطينيين نهائيا في هذا الجيل على الأقل.. بل وستصعد إسرائيل صعوداً أكبر كقوة إقليمية نافذة -محمية حمايةً مطلقة من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين- لرسم مستقبل الشرق الأوسط، ومنع أي صعود أو نهوض حقيقي للدول الأربعة المتنافسة على الدور في المنطقة (مصر وإيران وتركيا والسعودية)، وما بعدها من بقية الدول العربية.

هزيمة إسرائيل تعني من باب التعريف والتحديد "استكمال الانكشاف الذي أحدثته حماس في قدراتها العسكرية والاستخباراتية يوم 7 أكتوبر 2022 وما تلاه من أيام أثبتت عجزها حتى عن حماية نفسها بدون عون عاجل ومكثف، عسكريا وسياسيا.. هزيمة إسرائيل تعني "تحقيق الانكشاف الديموجرافي والاقتصادي الإسرائيلي الكامل.. بمعنى خسارة إسرائيل لنصف سكانها تقريبا، وتراجع هيبتها العسكرية وقدرتها على ردع خصومها، وافتقادها لقوى العمل والردع العسكري عند اللزوم، لكي تعود مرة أخرى إلى دولة متوسطة القوة متوسطة النفوذ، لا يمكنها إيهام أصحاب الثروات في المنطقة بالقدرة على حمايتهم من خلال التحالف معها، وبالتالي يتراجع حلمها في استلاب ثرواتهم وابتزازهم، والمقصود هنا دول الخليج العربي المقبلة على تطبيع كامل مع إسرائيل!.

ونظرا لانشغال روسيا بحربها في أوكرانيا من أجل أن تمنع تمدد الغرب الأوروبي الأمريكي (ورأس حربته الناتو) نحو أراضيها ونطاقها الإقليمي، ونظرا لنهج الصين "الانتهازي" البراجماتي للغاية في صراعها طويل المدى مع أمريكا، سيكون من المستبعد أن تحمل تلك الدولتان الكبيرتان -المتطلعتان إلى نظام دولي متعدد الأقطاب- على عاتقهما دخول المواجهة المباشرة مع أمريكا وحلفائها في أزمة انكسار إسرائيل على يد حماس.. لكنهما أي روسيا والصين لن تترددا في دعم وتأكيد القوى الإقليمية الأربعة "مصر وإيران وتركيا والسعودية" إذا ما أخذت زمام المبادرة... نقول إذا..

في اللحظة الراهنة.. بعد قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وقرارات مجلس الأمن محدودة التأثير والمعلقة بالإرادة الإسرائيلية، ماذا يمكن أن تفعل تلك الدول الأربعة (بالتعاون والتنسيق مع دول عربية وإسلامية وغيرها من الدول ذات المواقف المتباينة تجاه الهيمنة الأمريكية على مقدرات العالم)؟

بدلا من بيانات التنديد والشجب والمحادثات الهاتفية مع بايدن وماكرون وشولتس وسوناك ماذا تستطيع الدول الأربعة؟ تستطيع أن تفعل الكثير.. يمكنها على الأقل وعلى سبيل المثال لا الحصر: أن تعقد مؤتمرا سريعا وعاجلا لوزراء خارجيتها مع ممثلين للدول الأخرى التي تشاركهم الموقف الإنساني تجاه الفلسطينيين، تعلن فيه عزمها إرسال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة تحت أعلامها، وأن تنذر "إسرائيل" وحلفائها (أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا) بأن أي قصف إسرائيلي لشاحنات المساعدات التي تحمل أعلامها بمثابة إعلان حرب عليها.. وأن تعلن أيضا أنها عازمة على تطوير أساليب إدخال المساعدات، وعلى المواجهة الشاملة مع إسرائيل بردود مختلفة في حالة عدم التزامها بقرار الأمم المتحدة..

اتخاذ إجراءات مختلفة من تلك الدول الأربعة.. معلق بصناع القرار السياسي فيها (الرؤساء والحكام ومستشاريهم السياسيين وقادة أجهزتهم المخابراتية والأمنية).. معلق بقدرتهم على استيعاب تحولات اللحظة التاريخية ودلالاتها، ومآلات الصراع الفلسطيني (العربي) – الإسرائيلي (الأمريكي) عليها، وعلى المنطقة إذا ما نجحت أمريكا في ترميم الهزيمة والانكشاف الإسرائيلي.

بدون إجراءات على الأرض، وبدون استعداد لمواجهات دبلوماسية وسياسية واقتصادية (ثم لاحقا عسكرية) لن يتطور الموقف الذي أحدثته عمليات حماس في 7 أكتوبر وما تلاه من صمود فلسطيني بتضحياته الإنسانية الهائلة.. بل سيرتد الموقف على القوى الإقليمية البازغة نفسها.