هلال عبد الحميد يكتب: التعويم فيه سم قاتل.. الحكومة تخفض معاشي 65%
ضربت قرارات البنك المركزي معاشي ضربة مزدوجة، وحسمته بالضربة القاضية فخر صريعًا على حلبة رفع سعر الفائدة وتعويم الجنيه.
ففي 29 فبراير 2014 كان معاشي (4449 جنيهًا بعد زيادة الـ 15% التي قررها السيد الرئيس - والتي كنا نستشعر الخطر بمجرد إضافتها - كان معاشي يوازي قبل 6 مارس الحالي (139 دولارًا) وبعد يوم 6 مارس الحزين والذي خفض البنك المركزي سعر الجنيه بحوالي 65% فإن معاشي سينخفض من 139 دولارًا في الشهر لـ (88.80 دولار بالشهر) يعني سيادة الرئيس رفع معاشي بنسبة 15% وبخبطة واحدة البنك المركزي خفض معاشي بحوالي 65%.
ومما يزيد طين معاشي بلة فإنني - كالحكومة - حصلت على قرض من بنك الإسكندرية بعد خروجي على المعاش وفي كل مرة يرفع البنك المركزي نسبة الفائدة تصلني رسالة تقول (عميلنا العزيز يرجى العلم انه قد تم تغيير قسط حساب التمويل لـ ….. نظرًا لتغير سعر الإقراض بالقطاع المصرفي)، وهذا التدهور المزدوج في معاشي سيتضاعف تدهوره بعد تأثر الأسعار بسعر الفائدة وسعر الصرف وبتدهور قيمة الجنيه، فكيف سأعيش يا حكومة?!
ديني ودين الحكومة
ومنذ سنوات أقوم بإعداد ردود على بيانات الحكومة وعلى موازنتها العامة وحسابها الختامي، أقوم بإعداد هذه الردود سنويًا لبعض السيدات والسادة النواب، وفي بيانها للعام المالي 2023/2024 قدرت الحكومة الفوائد على الدين المحلي بـ 976.5 مليار جنيه.
ولكنها وفي تقريرها نصف السنوي عن نفس العام المالي زادت فوائد الديون بـ 200 مليار جنيه لتصل بها إلى (تريليون و320.1 مليار جنيه) بعد ان كانت قدرت هذه الفوائد على الدين المحلي في بيانها المالي لمجلس النواب بـ (ترليون و120.1 مليار جنيه).
وكانت هذه الزيادة لفوائد الدين المحلي قبل أن يرفع البنك المركز سعر الفائدة بنسبة 6% مرة واحدة!!
وإذا كان الدكتور معيط وزير المالية قد صرح أواخر 2022 بأن رفع نسبة الفائدة كل 1% يكلف الموازنة العامة ما بين 30 و32 مليار جنيه، وهو بالطبع تكلفة فوائد الدين المحلي، وهذا التقدير كان يخص تكلفة الـ 1% زيادة بنسبة الفائدة على الدين المحلي في ذلك الوقت، وبالطبع المبلغ سيزيد كلما ارتفع الدين المحلي -وهو يرتفع بشكل مطرد – فكم يكلف ارتفاع نسبة الفائدة بـ 6% مرة واحدة؟!
وكيف ستغطي الحكومة زيادة العجز في الموازنة العامة الذي سيزيد بسبب ارتفاع نسبة الفائدة من جهة، وسيتضاعف بسبب تخفيض سعر الجنيه أمام الدولار، وبالتالي مضاعفة قيمة الاستيراد خاصة من السلع الاستراتيجية؟!
وكمثال فقط فإن تقدير سعر طن القمح في منشور إعداد الموازنة العامة للعام المالي 2024/2025 قدرته الحكومة بـ 320 دولارًا للطن (انظر الموقع الرسمي لوزارة المالية) فاذا كان استيرادنا للقمح يزيد عن 10 ملايين طن فنحن نحتاج لـ 3.3 مليار دولار لاستيراد القمح بما يوازي 102.4 مليار جنيه حسب سعر الدولار الرسمي قبل 6 مارس الحالي، ولكن هذا المبلغ سيصل لـ (160 مليار جنيه) بعد تعويم 6 مارس ولا نعرف إلامَ سيصل سعر الدولار خلال العام المالي القادم 2024/2025 ؟!
لن تجد الحكومة سوى زيادة الاقتراض وزيادة الضرائب التي التهمت جيوب المواطنين لتغطية عجزها المتواصل وعجز موازنتها العامة.
ومنذ 2016 مر الجنيه المصري بتعويمات أربعة، وفي كل مرة نسمع موشحات وحسنات التعويم أو تحرير سعر الصرف ومنها عندهم، القضاء على السوق السوداء للعملة، وزيادة الصادرات، والحد من التضخم (غلاء الأسعار)، وزيادة أعداد السائحين، وتدفق تحويلات المصريين بالخارج عبر الطرق الرسمية.
وفي المرات الماضية لم تتحقق كل هذه الحسنات التي يدعونها.
ولكن الشعب المصري ظل يعاني معاناة لا حدود لها في المرات السابقة، ويكتوي بعذابات تعويماتهم، وبالتأكيد معاناتنا ستتضاعف هذه المرة.
1- ففي 3 نوفمبر 2016 سنة حدث التعويم الأول وتم تخفيض الجنيه من 8.88 جنيه دولار إلى 15.77 جنيه للدولار بخفض قيمة الجنيه بنسبة 78%.
22- في مارس 2022 كان الخفض الثاني من 15.77 جنيه للدولار إلى 19.7 جنيه بنسبة خفض للجنيه بلغت 25٪.
3- في أكتوبر 2022 تم خفض قيمة الجنيه من 19.7 جنيه للدولار إلى 24.7 جنيه للدولار بتراجع 25.4%.
55- وفي يناير 2023 تم تخفيض الجنية للمرة الرابعة من 24.7 إلى 32 جنيهًا للدولار الواحد بخفض وصل لـ 30%.
5- ويوم الأربعاء 6 مارس 2024 تُرك سعر الدولار لسعر السوق فوصل لما يزيد عن 50 جنيهًا للدولار الواحد بخفض للجنية بحوالي 65%.
والسؤال الأهم: هل سيفرق هذا التعويم عن التعويمات السابقة؟!
الحقيقة أنه لم يحدث شيء جديد كي يجعل النتائج مختلفة، وبالتالي فلا أمل في أية حسنات سيعود بها التعويم الجديد والذي لن يكون الأخير أيضًا:
1- لن يقضي التعويم الجديد على السوق السوداء للعملة-كما يدعون -، فالبنك المركزي ليست لديه احتياطيات كافية لتلبية الطلب المتزايد على الدولار.
2- إذا لم يتم القضاء على السوق السوداء للعملة، وإذا لم يلبي البنك المركزي الطلب على الدولار فتحويلات المصريين بالخارج لن تمر عبر القنوات المصرفية الرسمية ولن تزيد تحويلاتهم.
3- سترتفع الأسعار لغالبية السلع بنسب عالية جدًا، لأن رفع نسبة الفائدة بالشكل الذي أعلنه المركزي (6%) مرة واحدة لن يقضي على التضخم لأن غالبية سلعنا مستوردة ويتم تقييم سعرها بسعر الدولار الذي أصبح (رسمي نظمي) فوق الخمسين بعد أن كان بشكل رسمي بـ 32 جنيهًا للدولار، وبالتالي فالأسعار ستزيد، كما أن السعر الرسمي للدولار سيؤثر على مضاعفة سعر الجمارك، والذي سيدخل في تقدير سعر السلع ومستلزمات الإنتاج المستوردة.
4- سيرتفع عجز الموازنة ارتفاعًا رهيبًا بسبب رفع نسبة الفائدة بـ 6% مرة واحدة.
5- لن تزيد الصادرات لأنه ليس لدينا ما نصدره فوق ما نصدره بالفعل قبل التعويم، فالدول التي تخفض عملتها عمدًا-كالصين -، لترفع نسب التصدير وتجعل صادراتها منافسة هي تلك الدول التي لديها منتجات قابلة للتصدير بالفعل، ونحن ليس لدينا هذه الميزة التنافسية للتصدير.
6- أسعار الوقود تقيمه الحكومة بالسعر العالمي، والمرجح أن لجنة تسعير الطاقة والتي تنعقد بشكل ربع سنوي وكان اخر اجتماع لها في نوفمبر 2023، وبالتالي فأول اجتماع للجنة سيرفع أسعار الطاقة حتمًا بسبب ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه بنسبة تقارب الـ 65%، وحسب قرار رئيس مجلس الوزراء فان تغيير سعر الطاقة سيزيد أو يقل بنسبة لا تتجاوز 10% رفعًا أو خفضًا، وبالتالي فالمتوقع زيادات مستمرة في أسعار الوقود، ومن المعروف أن رفع أسعار الوقود سيؤدي لرفع كل الأسعار.
فإلى متى تتبع الحكومة روشتة صندوق النقد الدولي السامة، وإلى متى تنفق الحكومة ببذخ على ملذاتها الخاصة وتترك الشعب يعاني الأمرين محاولًا تدبير معيشته، ولكنه لا يستطيع مجرد تلبية حاجياته الأساسية، فأصبحنا جميعًا نتدهور تحت خط الفقر اللعين.