هلال عبد الحميد يكتب: نواب جنوب أفريقيا وكندا ومصر.. بين القرارات والكلمات
عندما سمعت عن دعوة مجلس نوابنا المصري لجلسة طارئة يوم الخميس ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣، والتي خصصت لنظر التداعيات بالأراضي الفلسطينية، تسارعت دقات قلبي، وزادت نسبة توقعاتي مع زيادة نسبة الادرينالين في دمي وتمنيت إن يصدر النواب قرارًا بطرد السفير الصهيوني من بلدنا، وأن يزيل علمهم الذي يدنس هواء بلادنا، وأن يكون في نفس القرار سحب سفيرنا وقطع العلاقات الدبلوماسية، وتجميد اتفاقية كامب ديفيد، وكل هذا لا يعني الحرب بالتأكيد. ولكن جاءت الجلسة كلمات (كلمات ليست كالكلمات) تعامل النواب مع كل الدمار والقتل لأطفال ونساء وشيوخ فلسطين وهدم البيوت على رؤوسهم، تعاملوا مع إجرام الصهاينة كتعاملنا -نحن المواطنين- الذي اعطيناهم الحصانة ليمثلونا، فمثلوا علينا بانفعال، وصالوا وجالوا بكلمات وفوضوا بدورهم الرئيس (لاتخاذ ما يلزم للدفاع عن الأمن القومي العربي وفى قلب منه الأمن القومي المصري) وكأن الرئيس يحتاج لتفويض ليقوم بواجبه الدستوري الذي يُنتخب من أجله ويقسم عليه قبل تولي مهام منصبه.
لم يتخذ مجلس النواب أي قرارات -غير التفويض – فلم يتخذ قرارًا بطرد السفير ولا سحب سفيرنا من الكيان ولا بتجميد اتفاقية كامب ديفيد، وكأن مجلس النواب لا يمتلك الا هذه الكلمات الانفعالية، التي قد نقولها نحن في مظاهرة، إن تمكنا منها، وبعض من شاركوا في المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنددة بعدوان الكيان على غزة ما زالوا قيد الحبس منذ ٢٠أكتوبر ٢٠٢٠ وحتى الآن
برلمان نيلسون مانديلا
وبعد شهر ويومين من جلسة نوابنا- التي تمخضت فولدت تفويضًا- وتحديدًا يوم الثلاثاء ٢١ نوفمبر ٢٠٢٣ أصدر برلمان جنوب أفريقيا العظيم والمنتخب من الشعب قرارًا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، وكانت جنوب أفريقيا قبل قرار البرلمان قد سحبت سفيرها وجميع موظفيها بسفارتها بتل أبيب عاصمة الكيان
جاء قرار برلمان جنوب أفريقيا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان إذا لم توقف عدوانها على غزة بناءً على قرار تقدم به حزب (المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية) المعارض، وأيد المقترح حزب المؤتمر الحاكم الذي أسسه نيلسون مانديلا وحصل قرار قطع العلاقات وإغلاق سفارة الكيان - ببيرتوريا العاصمة الإدارية للبلاد -على دعم 248 نائبًا ومعارضة 91 نائبًا.
وكانت جنوب افريقيا قد تقدمت بدعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها حكومة الكيان بالشروع بالإبادة الجماعية وهو المصطلح الذي يستخدمه قادة جنوب أفريقيا حتى قبل تقديم الدعوى.
عاش برلمان كندا
وبينما اكتفى مجلس نوابنا المصري ببعض الكلمات، وفوض الرئيس في بعض واجباته قام البرلمان الكندي بخطوة تاريخية تمثلت في قراره بوقف أمداد جيش الاحتلال بأية أسلحة أو ذخائر ومعدات تكنولوجية عسكرية، وجاءت الموافقة على القرار بأغلبية ٢٠٤ نائبًا مقابل ١١٧ عارضوه، وكاد البرلمان الكندي أن يصوت على قرار قدمه حزب الديمقراطيين الجدد بالاعتراف بدولة فلسطين وتم تأجيل التصويت واستبداله بالعمل على حل الدولتين.
فلماذا امتلكت تلك المجالس النيابية -وغيرها في العالم – القدرة على اتخاذ قرارات مهمة ذات جدوى، بينما لم يمتلك نوابنا غير بعض الكلمات وتفويض للرئيس ليقوم ببعض مهام وظيفته، وكأن القيام بالواجب يحتاج لتفويض!!
هل عدم أي نائب من بين النواب حكومة أو معارضة تقديم أي أداة رقابية-ولو اقتراح برغبة -بطرد السفير الصهيوني وسحب سفيرنا؟!
كيف وصل مجلس نوابنا إلى هذه الدرجة من عدم الفعل، أو حتى الشروع في الفعل، أو حتى إبداء الرغبة؟!
الحقيقة لم تشهد حياتنا النيابية مند مجلس شورى النواب (١٨٦٦) مثل هذين الفصلين التشريعيين (٢٠١٥و ٢٠٢٠)
ففي كل فصل تشريعي- غير هذين الفصلين – كان هناك من يعبر عن الشعب، فنجد مواقف صلبة وأدوات رقابية تمثل الشعب بشكل حقيقي، واعتقد ان موقف الشعب المصري كان واضحًا مند بداية العدوان الصهيوني على غزة وحتى استشهاد أكثر من ٣٢ ألفًا و٧٥ ألف مصاب غير المفقودين تحت الركام أكثر من ٧٥٪ منهم من الأطفال والنساء.
فهل ستشهد الأيام القادمة أي تحرك برلماني يليق بالشعب المصري ويلبي طموحه ويعبر عن مشاعره ؟!، أم أن نوابنا اكتفوا بعقد جلستهم الطارئة وما اسمعونا فيها من كلمات ليست كالكلمات، كما قال شاعرنا العربي والدي يفهم العرب نزار قباني في قصيدته كلمات والتي غنتها ماجدة الرومي؟!