د.سمية عسلة تكتب: "نوفوروسيا" كلمة السر في تفجيرات داعش

ذات مصر

أعلنت داعش اليوم تبنيها للعملية الإرهابية التي استهدفت مركز كروكس سيتي مول في روسيا أمس. وكما يبدو أن الأمر ليس ببعيد عن المواجهة الروسية الأمريكية على الأراضي الأوكرانية وبدء كل طرف من الأطراف المذكورة سلفا بإستخدام أدواته لتحقيق أكبر مكاسب ممكنة وبسط نفوذ أكبر داخل أوكرانيا والبحر الأسود.حيث يطمح الطرف المنتصر لتحقيق مكاسب جيو إستراتيجية وأمنية، مستغلاً الموقع الجغرافي والإستراتيجي لأوكرانيا وأنها المنطقة المهمة الفاصلة بين الهيمنة الأمريكية مقابل الهيمنة الروسية.في صراع يشوبه العنجهية المصاحبة لمحاولة القوى العظمى المتناحرة فرض سيطرة ونفوذ أكبر تجاوز الحدود الأوكرانية ليصل إلى السودان في محاولة لتقسيمها وكذلك غزة التي تقاوم من أجل بقاء القضية الفلسطينية و إفشال مخطط صفقة القرن المدعومة أمريكيا والمنافسة غير الشريفة ما بين مشروعي خط السكك الحديد وطريق الحرير.على حساب سيناء المصرية وابتلاع إسرائيل بدعم أمريكي لكل الأراضي الفلسطينية.

وما ترتب على هذه الحروب والنزاعات من نشاط للجماعات الإرهابية والمتطرفة.سواء بإعلان داعش وهي صناعة أمريكية إستهدافها للمنشآت المدنية في روسيا،أو من خلال إستئناف نشاط تنظيم القاعدة في جنوب اليمن،المنطقة ذات الموقع الإستراتيجي المتحكم في أمن باب المندب والمصالح الدولية المرتبطة بالممر المائي الدولي و قناة السويس التي تعد شريان إقتصادي لمصر ويغذي العالم بأسره.مستغلين حالة الإنشقاق الداخلي في اليمن مابين الشمال والجنوب والتي تحاول بعض الدول تغذيته لإفشال الجهود السعودية في لم الشمل اليمني لإنهاء الحرب والوصول إلى حكومة يمنية توافقية تجمع كافة الأطراف والحوثي أحدهم كمكون سياسي بعد أن يتجرد من التبعية السياسية المبنية على تبعية عقائدية مشوهة للولي الفقيه في طهران والتي فرضت على الحوثي أجندة إرهابية وحولته لجماعة متطرفة تهدد أمن اليمن وتفرض الإتاوات في باب المندب خدمة لمصالح ايران.

تفجير بهدف إفشال مشروع "نوفو روسيا"

سيتساءل البعض لماذا في هذا التوقيت قامت داعش بإيعاز من الولايات المتحدة بتفجير كروكس سيتي مول التجاري في روسيا. الأمر يعود إلى إقتراب الرئيس بوتين من تنفيذ حلمه الخاص بمشروع روسيا الجديدة أو "نوفو روسيا" خصوصا بعد ان سيطر بوتين على العديد من المحافظات والمدن الحدودية. وقد بدأ الرئيس الروسي بالإعلان عن مشروع روسيا الجديد التوسعي عام 2014 عندما قام بضم جزيرة القرم ثم تكوين الإتحاد الكونفدرالي الذي بدأ من خاركوف شمال شرق اوكرانيا وصولا إلى نيكولايف والقرم واط اوديسا، وقد سبق بوتين في الإعلان عن هذا المشروع الفيلسوف الروسي الكسندر دوجين، والمعروف عنه أنه عقل بوتين، دعوات دوجين مدفوعة بتاريخ هذه المنطقة التي كانت تسمى بإقليم شمال البحر الأسود وكانت خاضعة لسيطرة الإمبراطورية الروسية عام 1764.سيادة روسيا على هذه المنطقة ستؤمن لها طريق بري يربط ما بين دونباس وشبه جزيرة القرم، بذلك ستحرم أوكرانيا من إطلالتها على البحر الأسود لتحولها بذلك إلى دولة معزولة حبيسة وتحرمها من سلسلة موانئها التي تبلغ 11 ميناء والتي تعطيها أهمية جيو اقتصادية وجيو سياسية. بالتالي فإن فرض روسيا سيطرتها على هذه الموانئ سيجعل 70% من الموارد التي كانت تدخل الى أوكرانيا ستتحول إلى شريان إقتصادي جديد يصب في روسيا، وخصوصا ميناء أوديسا الذي يستحوذ على ثلاثة أرباع الصادرات والواردات الأوكرانية عبر هذه الموانئ. ليس ذلك فقط بل أن النفوذ الروسي في هذه المنطقة سيؤمن للقرم الولوج إلى المياه العذبة بعد أن قطعت عنها كييف قناة المياه التي تضخ من نهر دينيبرو بعد أن تضم روسيا شبه الجزيرة. 

هذا السيناريو متوقع أن يمنح  الكرملين إمكانية الوصول إلى إقليم ترانسريستيان الذي إنفصل عن مولدوفا عام 1992 ويدين بالولاء لموسكو. وعلى أرض الواقع كما نرى فان إقليم دونيتسك ولوجانسيك أصبحتى جمهوريتين في العرف الروسي. بالتالي فان هذا السيناريو المتوقع أثار غضب وحفيظة الولايات المتحدة. وترى إدارة بايدن أنه انتصار عسكري و أمني وجيو سياسي وجيو اقتصادي للجانب الروسي على حساب تراجع النفوذ الأمريكي والمصالح الامريكية الاوروبية في رقعة جغرافية مهمة كما هو الحال في أوكرانيا. بل هو إعلان دولي بأن الولايات المتحدة غير قادرة على حماية حلفائها وتأمين مصالحها إقليميا ودوليا.

تخفيف الضغط على مسرح الشرق الأوسط 

فمن الواضح أن النار بدأت تهدأ في الشرق الأوسط بفعل ضغط سياسي مصري وسعودي مشترك لتهدئة الأوضاع في غزة ومن قبلها السودان والبحر الأحمر وليبيا. مما أضطر الأقطاب الكبرى المتصارعة لنقل الصراع الى رقعة جغرافية مختلفة، والغريب أن الصراع الأن داخل العمق الروسي ما يشير إلى احتمالية نشوب حرب عالمية ثالثة.ويتم إشعال المسرح الأوروبى الروسي من جديد. ومن المتوقع أن يعاد إشعال دول أخرى مثل ليبيا عبر عودة نشاط داعش فيها وكذلك اليمن عبر استئناف القاعدة لنشاطها في المناطق الجنوبية. وهو أمر متوقع بعد محاولة بعض الدول الكبرى و أدواتها الوظيفية إفشال الجهود السعودية لإنهاء الأزمة في اليمن و إنشاء حكومة توافقية وكذلك محاولتهم إفشال الجهود المصرية في إنهاء الأزمة الليبية والوصول إلى حكومة توافقية تعبر عن كافة المكونات الشعبية والسياسية الليبية. لتبقى السودان واليمن وغزه وليبيا دول نزاعات بلا حارس يردأ عنها نشاط الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتي هي بمثابة أدوات في يد دول كبرى تحركها لتنفيذ أجندتها. 

ولعل الحادث الإرهابي الذي استهدف كروكس سيتي مول في روسيا هو  نتاج انشغال الدول الكبرى في صراعات جيوسياسية وجيو اقتصادية وبسط نفوذ وهيمنة، منصرفين بذلك عن تحمل دورهم في التصدي للإرهاب والتطرف ضمن التحالف الدولي الذي سبق الإعلان عنه لتحجيم نشاط داعش. مما أعطى الفرصة لتنظيم داعش في استغلال النزاعات الدولية بين القطب الروسي والقطب الامريكي وما يتبعهم من الدول وكذلك  الانقلابات العسكرية الممنهجة في افريقيا مؤخرا والتي شملت مالي والنيجر وبوركينا فاسو وساهمت في إعادة إحياء التنظيم ودوره وإنتشاره وتنظيم صفوفه الداخلية. حتى وإن لم يعد داعش في شكل دولة كالتي أعلن دونالد ترامب عن سقوطها وهزيمتها في 22 مارس 2019 .ولكن التنظيم عاد في شكل خلايا نائمة مستترة تنشط في ظروف معينة بأوامر من أطراف دولية صنعتها لتنفيذ أجندة تخدم مصالحها. وكما يبدو واضحا ان الأزمة في أوكرانيا أثرت على التنسيق الاستخباراتي ما بين امريكا وروسيا مما أدى الى تجاهل بوتين لتحذيرات جائته من امريكا بإحتمالية قيام عناصر من داعش بتنفيذ عملية إرهابية داخل الأراضي الروسية وهذا ما اعتبره بوتين تحذير إستفزازي.