د.سمية عسلة تكتب: رد بوتين على هجمات داعش الأمريكية

ذات مصر

ذكرت في مقالي السابق بأن داعش إحدى أدوات الولايات المتحدة لتنفيذ أجندتها في المنطقة. مما يجعلنا نستبعد فكرة أن تقوم امريكا بتحطيم أدواتها حتى وإن سبق و أعلنها الرئيس دونالد ترامب خلال فترة حكمه مارس 2019 بأنه قضى على داعش وضرب أخر معاقلها بعد أن قام بتصفية زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. إلا أن تنظيم الدولة الإسلامية داعش مازال قائم ولكن ليس ضمن هيكله التقليدي بل أصبح في هيئة مجموعات من الخلايا المستترة المدربة والنشطة موزعة داخل رقع جغرافية مختلفة تعلمها وتديرها الولايات المتحده بل وتستخدم هذه الخلايا في تنفيذ هجمات إرهابية كالتي حدثت في روسيا مؤخرا لخدمة أهداف أمريكية. ويمكن أن نرى ذلك جلياً في مخيم الهول شمال سوريا كأكبر حاضنة لبقايا داعش وبمثابة معمل تفريخ للإرهاب برعاية الولايات المتحدة التي تقوم بدورها في تنظيم حركة التمويلات الخارجية التي تدعم زوجات وأبناء قيادي داعش الهاربين والمعتقلين داخل هذا المخيم. بل وتقوم امريكا بتأمينهم وحمايتهم حتى الآن.

البعض سيتساءل عن كيفية وآلية الرد الروسي على ما تقوم به امريكا من دعم وتوجيه لخلايا داعش التي كان أخر جرائمها هو إستهداف معبد يهودي في روسيا وتبعه تفجير كروكوس مول التجاري في موسكو. وحتى أكون واقعية في تحليلي فإنه من الصعب جداً أن تتوقع  كمحلل سياسي ردود فعل رجل المخابرات الأقوى في العالم ورئيس دولة عظمى وهو الرئيس بوتين. ولكن في كل الأحوال ستكون ردود أفعاله مبتكره وخارج السياق المتعارف عليه ولا يمكن أن نستبعد أن تتطور الأزمة إلى حرب عالميه ثالثة. وإذ ما حاولنا وضع سيناريوهات لردود الفعل الروسية على الهجمات الداعشية على موسكو مؤخراً فيمكن ان نختصرها في ثلاثة من السيناريوهات المتوقعة. أولهما هو بسط نفوذ روسي أكبر داخل اوكرانيا بقوة السلاح يرتقي إلى تدخل عسكري روسي هو الأعنف منذ أن بدأت الأزمة الأوكرانية وهو تصعيد متوقع نظراً للأهمية الجيو استراتيجيه لاوكرانيا وأنها منطقة عازلة ما بين الهيمنة الروسية والهيمنة الأمريكية. وعلى الأغلب ستنتصر الهيمنة الروسية وتتعدى المناطق الموجودة تحت سيطرة روسيا إلى مناطق أوسع داخل اوكرانيا، لتعزلها تماما عن السواحل البحرية لتصبح اوكرانيا كما تم التخطيط لها مسبقا في مشروع "نوفو روسيا" أو مشروع روسيا الجديده، مجرد دولة معزولة حبيسة تسيطر روسيا على 11 ميناء بحري فيها بقوه السلاح وهو أبسط رد على ما أسماه بوتين "بتحذير استفزازي" من قبل المخابرات الأمريكية والذي تم توجيه للمخابرات الروسية بخصوص توقع استهداف داعش لمناطق داخل العمق الروسي. هذا السيناريو يخدم روسيا على صعيد استعادة هيبتها كقوة عظمى وكذلك يدعم وبقوة المصالح الروسية على الصعيد الجيوسياسي والجيو اقتصادي بل والجيواستراتيجي بشكل عام. وهو بمثابة رد إعتبار لروسيا على حساب زعزعة ثقة حلفاء امريكا فيها وعلى رأسهم أوكرانيا و أوروبا.

السيناريو الثاني للرد الروسي على هجمات داعش التي إستهدفت كروكوس مول التجاري الروسي تتمثل في إحتمالية إشتعال الصراع بين القطبين الأمريكي والروسي داخل بعض المناطق التي تتشابك فيها مصالحهما. وستعتبر روسيا أن تنفيذ رؤيتها التي تخدم مصالحها في ملف غزة والسودان وليبيا وشرق المتوسط والبحر الأحمر و اوكرانيا هو بمثابة استعادة للهيبة الروسية بعد الهجمات الأخيرة. وما يخدم  هذا السيناريو هو تصريح الرئيس بوتين مؤخرا بأنه يعترف بالدولة الفلسطينية ويرفض تصفية القضية ويدين انتهاكات اسرائيل في غزة. ولعل هذا النزاع الأمريكي الروسي بعد الهجمات الأخيرة على موسكو ستستفيد منه مصر سياسياً إن حاولت مصر كسب موقف روسي معلن بإنضمام روسيا رسميا إلى المعسكر المصري السعودي الداعم لإستمرار وبقاء القضية الفلسطينية والرافض للتهجير. في حين أن الفترة القادمة وفي ظل هذه الظروف ستفرض على الخارجية المصرية ضرورة التحرك وإقتناص الفرصة لكسب موقف روسي داعم لمصر والسعودية في ملف السودان بهدف استعاده السودان ومنع تقسيمها ودعم مؤسساتها النظامية الشرعية وعلى رأسها مؤسسة الجيش الشرعي السوداني.وكذلك هو الحال في الملف الليبي الذي أبقته الولايات المتحدة في وضع خمول وتجميد لفترات زمنية حددتها أمريكا إستعدادا لتحريكه وإشعاله في أي وقت بهدف الضغط على مصر لتمرير أجندات معينة ،على رأسها أن تسمح القاهرة بإتساع رقعة العربدة الدولية داخل شرق البحر المتوسط والتي تصب في مصلحة امريكا و أدواتها من أصحاب المشاريع الصهيونية والعثمانلية والفارسية بالتبعية.

أما عن السيناريو الثالث لردود الفعل الروسية المتوقعة بعد  تفجير داعش الأداة الأمريكية لكروكوس مول الروسي، وقد يكون هذا السيناريو مفاجئ للبعض وهو إعلان مشروع "نوفو روسيا" أو روسيا الجديدة، والذي يشمل مناطق عديدة في اوكرانيا جميعها مطلة على البحر الأسود، وتشمل موانئ مهمة لتصبح بذلك اوكرانيا دولة منبوذة حبيسة ليس لديها حدود بحرية ولم تجلب لها علاقتها بامريكا سوى الخراب والدمار.وهي رسالة تحذيرية في المقام الأول تبعث بها روسيا لحلفاء الولايات المتحدة.ولا أستبعد أن يضطر الرئيس بوتين للتصعيد العسكري مع امريكا ومن أمامها مقاتلي اوكرانيا واوروبا بهدف تحقيق هذا السيناريو. ما سيدفع بالولايات المتحدة لتحريك أدواتها في المنطقة بهدف دعم مصالحها في مناطق النزاع المشترك مع روسيا. مع العلم أن أهم هذه الأدوات تشمل جماعات الإسلام السياسي شيعة وسُنة بل ويهودية أيضا. لذلك سنجد خلايا متطرفة تقوم بعمليات إرهابية منفردة بهدف الضغط على روسيا للتراجع ولو خطوه للخلف ولعل ما حدث من استهداف داعشي لمول كروكوس الروسي مؤشر على إحتمالية وقوع هذا السيناريو.

مجمل القول أن قطبي العالم الآن في حالة نزاع شاهدنا صداه في غزة التي تقاوم  من أجل بقاء القضية الفلسطينية وترفض التهجير والإستيطان في سيناء تنفيذا لمشروع صفقة القرن الذي سبق وأعلن عنه ترامب. كذلك نرى صدى هذا النزاع في السودان التي تقاوم لإفشال مشروع التقسيم ونهب ثروات الدولة ومنها الذهب ليصب في خزائن دول خارجية ولعل روسيا إحدى الدول المهتمة بذهب السودان وثرواته المعدنية مقابل اهتمام امريكا واسرائيل بتقسيم الرقعة الجغرافية للسودان، وهو ما يضع مصر والسعودية في معسكر عربي واحد رافض لمشاريع القطبين الروسي والامريكي في السودان. 

ونرى صدى هذا النزاع في ليبيا في محاولة لتقسيم ثرواتها ووضعها كخنجر في ظهر مصر بمحاولة إنشاء دولة للعائدين من داعش على الحدود المصرية الليبية.ونرى صداه في اوكرانيا وفي مشاريع أخرى كالسكك الحديد وطريق الحرير.وتبقى مصر والسعودية تقاومان حتى تحافظا على استقلاليتهما في ظل أقطاب عالمية جديدة تتشكل.