إبراهيم عبد المجيد يكتب: حكاية صرماية.. العرب وثقافة الحذاء

ذات مصر

-1-

هذا كتاب رائع للمفكر السعودي عبد العزيز حسين الصويغ، السفير السابق للمملكة، وعضو مجلس الشوري السابق أيضا، ورئيس قسم علوم سياسية بكلية التجارة جامعة الرياض. من أعماله الأخرى" أوراق بعثرها الرقيب" و" مع سعود الفيصل" و" تحت القبة - حكايات من داخل مجلس الشورى السعودي" وغيرها. الكتاب صادر عن دار الأدهم المصرية عام 2018 ولا أعرف كيف غاب عني. على أي حال هو كتاب عابر للزمان.

بلاشك يجذبك عنوان الكتاب، فالصرماية هي الحذاء أو الجزمة، أو ما تشاء من أسماء تختلف بين الدول العربية، وهي الكلمة الشائعة في سوريا. قد تظن أن ثقافة الحذاء هي حديث عن الأحذية فقط وتاريخها وأنواعها، لكنك ما أن تدخل في الكتاب حتي تجد كيف صارت الصرماية، دليلا لفهم تاريخنا قديما وحديثا. تاريخ لا يبتعد عن الحذاء حتي يعود إليه. ندخل في تفاصيل اجتماعية وسياسية مدهشة. فهو قصة الحذاء الذي يحاول الكاتب إخراجه من رأس الإنسان العربي ليحل محله العقل والحكمة، فربما بعدها نستطيع ان نحسن التفكير. في البداية نحن مع أول حذاء شغل الصحافة ومواقع التواصل الإجتماعي، وهو حذاء العراقي منتظر الزيدي ضد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش في زيارته في 14 ديسمبر 2008 للعراق. المعتاد هو الضرب بالطماطم والبيض أو الجاتوه، كما حدث فيما بعد للرئيس الفرنسي ساركوزي، وهو في طريقه إلى مكتبه. وكان آخر استخدام مستحق للحذاء على الضفة الأخرى من نهر المانش، ضد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، شريك بوش في الحرب على العراق، الذي رشقه المحتجون على تلك الحرب بالأحذية والبيض، وطالبوا بالقبض عليه باعتباره مجرم حرب، وكان في طريقه لحفل توقيع كتابه "رحلة" في مدينة دبلن. يقول الكاتب إنه إذا كان الحذاء غريبا على العالم الغربي، فهو ليس غريبا على عالمنا العربي، فحذاء السلطة في التاريخ له المنزلة العالية، وبعده أو تحته تأتي جميع الرؤوس. عباس محمود العقاد رأى أن الأنظمة الشمولية كلها تدوس كرامة الإنسان، ويتساءل العقاد ما الذي يساويه أي انسان حتى يضع الكون كله في جزمته؟ يأتي رصد لأهم حوادث استخدام الحذاء في البرلمان المصري منذ عام 2005 .منها حين أتهم النائب في الحزب الوطني حسن نشأت نواب الإخوان بالعمل ضد مصر، مما أدي لرفع أحد نواب الإخوان حذاءه معبرا عن اعتراضه. ومثل طلعت السادات حين ألقى حذاءه على أحمد عز عام 2006 . كيف في عام 2012 ألقي شاب حذاءه على أحمد شفيق مرشح الرئاسة أثناء مؤتمر شعبي بأسوان وغيرها من الأحداث الشهيرة . يأتي بحوادث أخرى في اليمن، وكيف ألقت صحافية يمنية بحذائها على القيادي الحوثي، حمزة الحوثي، في جنيف، يوم الخميس 18 يونيو 2015. ليدخل بعدها في الكتاب، ويتناول الحذاء أو الصرماية من مختلف الزوايا. 

-2-

الفصل الأول عن الحذاء تعريف وتاريخ، يبدؤه بجملة "وخير رفيق في الزمان حذاء!!" لتثير في ذهنك الدهشة فهو ليس كتابا، أو كيف سيحل محل الكتاب. في اللغة العربية مرادفات لكل شيئ، فللأسد مئات الأسماء. كذلك للحذاء. فهو قبقاب وصرماية وصرمة وبابوج وشبشب وبصطار وشحاطة وزربول وصباط وبوط ومشاية وخفافة وحذاء وخف وكندرة وغيرها، وكلها صنوف مختلفة للأحذية تختلف بشركات صنعها، مثل أديداس وإيكو وباشيان وغيرها. هناك أسماء أصلها تركي، وأسماء أصلها عربي، وما الفوارق بين بعضها، مثل الصندل الذي يسمح بدخول الهواء للقدم، فيعطي صاحبه الشعور بالراحة في البيئة العربية الساخنة. تاريخ تخلي الإنسان عن الحفاء منذ آلاف السنين قبل الميلاد، واختلاف العلماء فيه. شكل الحذاء قديما من ورق البردي والكتان والنخيل على الآثار المصرية القديمة، وبعدها الهند والصين. كيف تطور الحذاء إلى حالته الآن. كيف اختار اسم صرماية، بعد أن كاد يسمي الكتاب " أحذية الدمار الشامل" الذي كان عنوان مقال له بعد حادثة منتظر الزيدي وبوش، لكنه وجده عنوانا كلاسيكيا فانتهي لاختيار صرماية. هو اسم أكثر شهرة من غيره، يحمل الإيقاع والمعنى المناسب للقارئ. والصرماية الكلمة السورية تعني الحذاء كما تطلق مجازا على شخص أو شيئ لتحقيره، وكلمة صرمة في اللهجات الحجازية تدل على نفس المعنى. ينتقل في الفصل التالي لأحذية لها تاريخ حقيقي أو خيالي قدمه بكلمة المغنية البريطانية ناتاشا هاميلتون " أحرص دائما أن تلبس أحسن الأحذية، فهي نافذة يراك الناس منها" وكيف كان شعب الأنكا القديم يعتقد أن زواج العروسين يصبح نافذا أو رسميا، بعد تبادل العروسين الأحذية والبراطيش. كيف يعتبر الحذاء للمرأة أحد الأسلحة الفتاكة بالرجل الذي يلفت نظره حذائها. من الأحذية الشهيرة في التاريخ حذاء آدم الذي هو الممثل الأميركي دون آدامز، الذي اشتهر حذاؤه في مسلسل " كن ذكيا Get Smart "، الذي كان كوميديا شهيرا وعرض في السعودية في بداية الثمانينات. كان في المسلسل الذي أخذ أسم العميل السري ماكسويل سمارت، هاتف متخفي داخل الحذاء قبل الوصول إلى الهواتف الذكية، فصار الحذاء أشهر من صاحبه. ثم يأتي حذاء الطنبوري، وهي قصة خرافية من تراث بغداد عن أبي القاسم الطنبوري، الذي كلما تخلص من حذائه القديم الممزق المترهل في مكان بالبر أوالبحر، أعاده أحد إليه، وسبب له مشاكل كثيرة أمام القاضي تسببت في جلده، لأنه في بعض الأحيان تحدث مشاكل لمن وجده، حتي ذهب الطنبوري إلي القاضي قائلا" ياسيدي أُكتب صكا بيني وبين هذا الحذاء أني بريئ منه فقد أفقرني وفعل بي الأفاعيل" ثم حذاء شجرة الدر وحكايتها وتاريخها في مصر، وكيف ماتت بالقباقيب على يد زوجة عز الدين أيبك، الذي سبق وقتلته شجرة الدر كما قيل بالقبقاب أيضا، ثم حذاء خروشوف في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1960 الذي ضرب به علي منصة الجمعية احتجاحا على حديث رئيس الوفد الفلبيني، وانتقاده لسياسة الاتحاد السوفييتي الاستعمارية في أوربا الشرقية. يوضح كيف أن الشائع أن الحادثة وقعت عام 1956 احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر، لكنه يري العكس أنها كانت عام 1960 . شهدت الجمعية العامة كثيرا من الأحذية، لكن حذاء حروشوف أشهرها وأهمها. قبقاب غوار الأشهر في السبعينات وكان مفتاح شخصية " غوار الطوشة" الكوميدية للفنان السوري دريد لحام. المؤسف أنه وقد أقام مجده علي الدفاع عن الوطن، كان مناصرا للرئيس بشار الأسد بعد الثورة عليه، لكنه يظل مبدعا وأخاذا رغم ذلك .كان يمكن أن يكون صورة من شارلي شابلن. نأتي إلى الفصل الثالث الذي عنوانه "أحذية الحكم السبعة" الذي يحيلنا الي كتاب " أعمدة الحكمة السبعة" لتوماس إدوارد لورانس، أو لورانس العرب. لكل صاحب سلطة حذاء على مقاسه بتراتب لا يتخطاه أحد، فكل حذاء يعرف قدر صاحبه، وكل صاحب حذاء يعرف قدر الحذاء الذي فوقه. تراتب حذائي يذكرنا بقول الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد" حيث كلب المتسلط متسلط بدوره. لقد صار للأحذية سلطة تتفق مع مركزها في سلطة العسكر، الذين جردوا الناس من الأحذية وحلم امتلاك حذاء. أقربهم النظام السوري مجسدا لسلطة الحذاء. وكما يقول الكاتب تيسير عمار" لا يستحق إعلان البسطار – الحذاء – رمزا للنظام الكثير من التفنيد والتحليل والبحوث النفسية، فهو رمز القائد الخالد ووريثه القائد إلى الأبد، ولا تناقض بين الرمز والمرموز " إنه الخيار الوحيد للشعب الذي يقابله الموت في حالة الرفض، فإما الاسد أو يتم إحراق البلد بما عليها. الحكم العسكري وكيف تكون الكلمة الأولى والأخيرة للرجل العسكري، أو للمجموعة العسكرية التي تقف معه. كيف يبدو أحيانا في البداية أنه حكم مؤقت لصيانة مكاسب الثورة أو الشعب، ثم ينتهي إلى حكم أبدي. من خصال الحكم العسكري وأعمدته، الحكم الفردي الاستبدادي، والإعتماد على القوة العسكرية أو الجيش، والدولة البوليسية، وحكم الأقلية الفاسدة، وتسييس الدين، وأرستقراطية النجوم وكيف يصل الشعب إلى عشق الطاغية. أمثلة على حكم العسكر بالقذافي الذي رأي في الديموقراطية "ديمو كراسي" للدهماء، أما هو وأمثاله فلهم الحكم من المهد إلى اللحد. حديث عن النُخب العربية، وخشية بعضها من الثورات على الاستقرار، ورحلة مع بعض الأراء في ثورات الربيع العربي بدءا من تونس، وكيف يساعد ذلك العسكر علي الحكم. الإحباط عند الناس من الحكم المدني حين يؤدي إلي اضطراب لتضارب المصالح، فيكون الأمل أن يأتي العسكريون بما يعحز عنه الحكم المدني. كيف يقابل الحكم العسكري الذي يحكم بالحذاء أو الصرماية، الحكم الديني الذي يحكم بالعمامة واللحية، كما حدث مع حكم الإخوان في مصر. تاريخ الانقلابات العسكرية في العالم ودول مثل أفغانستان والجزائر والسودان والعراق وسوريا والنيجر ومصر واليمن وباكستان وبوركينا فاسو وتونس وتركيا وسيراليون وليبيا وغيرها. من خرج منها من الحكم العسكري ومن لم يخرج .كيف نجت بلاد مثل كوستاريكا وشيلي. على الساحة العربية فزمن السيطرة العسكرية سياسيا واقتصاديا ليس في نوعه الأخير. 

-3-

كيف تتم صناعة الطغاة؟ سؤال يشغل عدة فصول بتجليات مختلفة، يمكن إجماله في شعور الكثيرين بالدونية، أو غفلة الأمة بسبب الجهل فتميل إلى حكام أقوياء. أو حضور كبير لماسحي الأحذية من النخبة، وقيامهم بدور الإسكافي في تلميع وتجميل حذاء المستبد. ما يقابلها من كلمة "مسح الجوخ" وهو ملابس الوزراء أيام الدولة العثمانية التي كانت من الجوخ، وهي إشارة للتزلف والنفاق. الأمثلة كثيرة عبر التاريخ، مثل اليوم الذي ذهب فيه الخليفة المتوكل للصيد فرمى عصفورا لم يصبه. كان الوزير خلفه فقال له أحسنت يا مولاي، فرد عليه الخليفة في غضب: أتهزأ بي؟ فقال الوزير: لا يا مولاي لقد أحسنت إلى العصفور ولم تقتله ". ظاهرة التطبيل مستمرة منذ قديم الزمان، ففي العصر الفاطمي ضرب مصر زلزال فقال احد الشعراء: 

"وما زُلزلت مصر من كيد ألم بها ... لكنها رقصت من عدلكم طربا" 

ماسحو الجوخ، وإسكافية ومطبلي وملمعي أحذية هذا العصر، أكثر إجادة لصنعتهم . لماذا ينحاز كثير من المثقفين إلي هذه النظم؟ حديث كبير عنهم وأشكالهم. يمضي الحديث إلي ناحية أخرى هي "الحذاء والعِمامة" أو الديكتاتور ورجال الدين، وهم الوجه المقابل لمثقفي السلطة. فإذا كان اللوم يقع على الطاغية، فاللوم أيضا على صانعي الطغاة مستمر، وهنا العمامة رمز لرجال الدين الذين يبررون للطاغية كل أفعاله. إن التزلف للسلطة يمكن أن يقع من داخل السلطة نفسها كما فعل السادات، وكتب كتابه لإبنه عام 1957 " ياولدي هذا عمك جمال" وأعطي اسم جمال لإبنه، وراح يتحدث في الكتاب عن عظمة جمال عبد الناصر، ثم حين نال الحكم بعد وفاته مشي بالأستيكة على منجذاته. المهم العودة للعمامة كعادته مع كل شيئ. تاريخها كزي وأنواعها، وكيف تشتهر بها القبائل في بلاد كثيرة، وكيف صارت العمامة ملبسا لأصحاب الجاه والنفوذ في الحضر والبادية. يصل إلى السلطة ورجال الدين منذ اجتمع رجال الدين في الأندلس على حرق كتب ابن رشد، بفتواهم بكفره هو صاحب العقل المواجه للسلفية في الفكر، وكيف يري بعض المفكرين أن سقوط الأندلس بدأ بهذا اليوم عام 1196 قبل سقوطها بثلاثة قرون عام 1492. انتشرت الآن تجارة الدين من خلال الأدوات التي حاربوها، مثل التليفزيون والهاتف الجوال والكاميرا وغيرها من أدوات الاتصال، وأخضعوا الدين للسياسة شعرا وفتوى. من الشعر القديم قول ابن هانئ الاندلسي في الخليفة المعز لدين الله الفاطمي " ما شئت لا ما شاءت الأقدار.. فاحكم فأنت الواحد القهار.. وكأنما أنت النبي محمد.. وكأنما أنصارك الأنصار" ألخ القصيدة. لذلك ليس غريبا أن نرى أحفاد هؤلاء يتغنون بالحاكم. نأتي إلى الفقه، وكيف يأخذ الفقهاء جانب الحاكم ويحاربون المحكوم، فإذا ظلم الطاغية فكل إنسان يخطئ والعصمة لله وحده، وإذا أخطأ المحكوم فينذرونه بالعقاب الإلهي الذي لا مرد له. هم باحثون عن نفوذ يعملون لتثبيته بمساميرهم، التي يدقونها في كفن الحياة الاجتماعية، لا ينفك منه من هم داخل الكفن. لقد أطلق الكاتب علي هذه الظاهرة مصطلح " سلاح الرأي الشامل" الذي رآه أكثر فتكا من سلاح الدمار الشامل، فالرصاصة تقتل واحدا، وأسلحة الدمار الشامل كالقنبلة، تقتل الآلالف، بينما الرأي الشامل يقتل المجتمع كله، لأنه يلغي عقل الملايين من أبنائه. ينتقل دليلا علي ما يقول إلي الفتاوى التي جاءت من رجال الدين. منها فتوى ابن باز أن الأرض مسطحة، أو فتوى الشيخ البراك أن من يجيز اختلاط الجنسين في العمل والعلم كافر يجب قتله، وفتوي الشيخ يوسف الأحمد بهدم الكعبة لأن فيها اختلاطا بين الجنسين، وبناء كعبة جديدة لا تسمح بالاختلاط ، وفتوى قتل ميكي ماوس لأنه فأر، والرسول كان يكره الفئران، وغيرها من فتاوي الصحوة في السعودية، ومنها عدم قيادة المرأة للسيارة، التي تراجعوا عنها حين أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أمره بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة. حديث الفتاوي رهيب ، فلديهم فتوى في كل شيئ. يمشي مع الفتوى عبر التاريخ وكيف أريد بها تجهيل الناس في النظم الديكتاتورية، والبحث عن سلطة ونفوذ لرجال الدين، وما يأتي منها من مكاسب عبر التاريخ. لقد أصبحت الفتوى جزءا من تركيبة المجتمع السعودي الذي أصبح الفرد فيه لا يستطيع العيش، دون أن يأخذ أحد بيده، ليس في شئون الدين فقط، لكن كل شئون الحياة، وأقول أن الحال لا يختلف في مصر كثيرا للأسف، وما أكثر ما كتبت في ذلك. ينهي الحديث بقصيدة حلمنتيشية يقول فيها:

أنام بفتوى

واصحى بفتوى 

وقبل الأكل ابلع فتوى 

ووسط الأكل حبة فتوي

إلخ القصيدة الحلمنتيشية ..

-4-

نأتي قبل الختام إلى حذاء الجنرال. يبدأ بحديث عن الثورات وكيف من السهل أن تبدأ، لكن من الصعب أن تنهيها بسلام، كما قال جورج جاك دانتون . يبدا بالثورة الفرنسية عام 1789 التي جاءت بشعارات الحرية والإخاء والمساواة التي صارت من بعد حقوق الانسان . كيف كانت الثورة ملهمة لكتاب روايات وأفلام بعد ذلك، وألهمت ثورات تالية، ومراحلها بالتفصيل حتي اكتسبت صفة الثورة التي أكلت أبنائها، وقدمت المثال الدموي لثورات لاحقة. ينتقل إلي ثورات التحرر الوطني في العالم الثالث، مثل ثورة يوليو 1952 التي أيضا لم تسلم من فيروس ما سبقها، فأكلت اللواء محمد نجيب وتم اعتقاله من 14 نوفمبر 1954 بعد أزمة مارس الشهيرة، وحجز في فيلا زينب الوكيل زوجة النحاس باشا التي استولت عليها الثورة، حوالي تسعة وعشرين سنة، كما أكلت بعده كثيرا من أعضائها، وخلص الأمر لعبد الناصر والسادات من بعده. حديث مؤلم عما جري مع محمد نجيب، من تخريب فيلا زينب الوكيل، ووحدته وفقره واحتياجه ورسائله ومذكراته، وإن كان من ميزات الثورة رغم ذلك أنها بيضاء، لم تتم فيها إراقة الدماء. الحقيقة التي كتبتها أنا من قبل أن الثورة قامت بمذابح من نوع آخر. ليس كمذبحة المماليك التي قام بها محمد علي، لكن مذابح بالإستيلاء على أراضي وأموال الباشوات ومصانعهم، ولم يكن إلغاء الأحزاب ميزة، بل هو أصل الديكتاتوريه المستمرة، فبقرارها بحل الأحزاب أوقفت طريق الليبرالية الصاعد. يعطي أمثلة أخرى علي ثورات وانقلابات ومحاكم ثورية شكلية في العراق، ويظل نموذج المشير سوار الذهب في السودان أفضلها، فلقد تعهد بتسليم السلطة بعد عام واحد من الانقلاب في السودان عام 1985 وفعل ذلك وسلم السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة، لكن حدث انقلاب البشير ووصلت السودان إلى ماهي فيه الآن. فعل العقيد أعلى ولد محمد فال في موريتانيا كما فعل سوار الذهب، حتى لقب بسوار الذهب الموريتاني، وقام بتسليم السلطة طواعية بعد عامين في إبريل عام 2007 . تجارب أخري في العالم مثل غانا، لكن نعود إلى فكرة الثورة تأكل ابنائها مع ماحدث في الربيع العربي من انقسام الثوار. لكن في رأيي لا ننسى أن المؤامرات أيضا كانت عليها أكبر. نعود إلى حذاء الحاكم رمز الحكم الديكتاتوري، الذي أقامت له الحكومة السورية نصبا تذكاريا في مدخل اللازقية. نصب تذكاري لحذاء عسكري، بدلا من اتخاذ الرداء العسكري أو الخوذة رمز الاستشهاد. يعود الحذاء يحتل مساحة جديدة في قصص شهيرة وروايات يذكرها، منها حذاء الماغوط في روايته التي حملت في المواقع أكثر من عنوان مثل المرافعة أو الحذاء أو محاكمة مواطن عربي، ومثل قصة الحذاء القصيرة لتشيكوف، وقصة بعنوان حذاء وطبقية للأديب السويدي إيفاراو- جوهانسون وغيرها. تفاصيل كل عمل ومغزاه لينتقل الي المرأة والحذاء. كيف بلغت قسوة بعض الرجال في عالمنا العربي باعتبار المرأة حذاء يغيره بآخر في أي وقت. أو مافعله الحاكم بأمر الله من منع خروج النساء من البيوت، ومنع صانعي الأحذية من عمل أحذية لهن، حتي لا يخرجن من بيوتهن. نعود إلى طائفة من المثقفين المنافقين " علشان نعلى ونعلى ونعلى لازم نطاطي نطاطي نطاطي" ثم للحذاء أو النعل في الشعر العربي وأبيات موجود بها مثل التفاخر أو الحب أو الهجاء. لا تكتمل القصائد إلا بقصيدة نزار قباني بعد هزيمة 67 "هوامش على دفتر النكسة" التي ينعي فيها اللغة القديمة والكتب القديمة والفكر الذي قاد للنكسة وعنتريات الخطابة ألخ وفيها يقول " كلامنا المثقوب كالأحذية القديمة"..أخيرا فإن نهاية الأحذية وأصحابها عادة ماتكون مأساوية. أمثلة على نهاية الطغاة في التاريخ، وصناعة الانقلابات العسكرية ودور أميركا فيها بعد انكماش بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. ختام كل ما مضى بالقول أن أبرز مظاهر حكم الحذاء هو احتقار السلطة الحاكمة عسكرية أو مدنية للشعب، ولكي يستتب الأمر للحاكم يعمل الحاكم على إشعار الناس أنه هبة إلهية، ولولا وجوده لانتهي حال البلاد إلى الفوضى والتفكك. رحلة رائعة في التاريخ والحياة جديدة في رؤيتها مغامرة في رؤاها وممتعة لغة وشكلا وموضوعا.