د. سمية عسلة تكتب: نائب رئيس مصر.. قراءة حول ردود الأفعال

ذات مصر

حظي خبر تعيين نائب لرئيس مصر بزخم إعلامي كبير عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

والغريب في الأمر أن هذا الزخم صنيعة القنوات التلفزيونية والمنصات المحسوبة على جماعة «الإخوان المسلمين» والتي سرعان ما تناقلت الخبر، وقام إعلاميوها بتحليله في إشارة واضحة وغير مبررة لحالة الابتهاج والتفاؤل المتخفي خلف ستار نشر وتحليل ومشاركة خبر تعيين نائب لرئيس مصر على أوسع نطاق.

بل إن البعض من صحفيي الإخوان أخذ يقترح أسماء لأشخاص، منهم من هم داخل المؤسسة العسكرية المصرية وقليل منهم مواطنون مدنيون، ما أثار فضولي –بوصفي باحثة في الإعلام السياسي- وجعلني أنشر استطلاع رأي عبر حسابي في «إكس»، يتضمن أسماء بعض المرشحين لمنصب نائب رئيس مصر، والذي أعلن عنه الزميل مصطفى بكري، في محاولة لقياس الرأي العام المصري والعربي ومعرفة توجهاتهم باختلاف أيديولوجياتهم وطوائفهم حول هذا الخبر.

وقد تفاجأت بأن العينة موضع البحث من الجمهور العربي والمصري المتابع لحسابي والذين قاموا بالإجابة على الاستطلاع، حوالي 80% منهم يعتقدون بأن نائب الرئيس المصري سيكون من أبناء المؤسسة العسكرية المصرية.

وحظي الفريق كامل الوزير، وزير النقل، بأعلى نسبة أصوات خلال هذا الاستطلاع.

هذا دفعني –بوصفي محللة سياسية مختصة بشؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية- إلى البحث عن أسباب ودوافع ابتهاج وتفاؤل «الإخوان المسلمين» غير المبرر بتعيين نائب لرئيس مصر، وأيضا الدوافع التي جعلت المتابعين من جنسيات عربية مختلفة يتوقعون وبنسبة 90% أن نائب الرئيس المصري سيكون أحد أبناء الجيش المصري؛ بل أنهم توقعوا بنسبة تكاد تكون معدومة تقدر بـ9% أن المرشح سيكون شخصًا مدنيًا.

سيناريو جس النبض

ما يخدم فرضية سيناريو جس نبض الشارع المصري حول آرائهم في تعيين نائب لرئيس الجمهورية، هو قيام عضو البرلمان مصطفى بكري بالإعلان عن هذا الخبر، عبر برنامجه في إحدى الفضائيات المصرية، في حين لم يصدر أي بيان رسمي في هذا الشأن، ما دفع بالمواطنين المصريين رواد مواقع التواصل الاجتماعي إلى التكهن بأسماء المرشحين لمنصب نائب الرئيس وفق أهوائهم الشخصية وتوجهاتهم، والبعض منهم توقع بعض الأسماء البارزة داخل المؤسسة العسكرية المصرية، مستنداً في رؤيته على ما يدعيه من فهم لرؤية وتوجه القيادة السياسية المصرية الحالية.

وهذه هي الشعرة الفارقة ما بين هذه الفئة من المواطنين المصريين، عينة البحث والاستطلاع غير المؤدلجين والذين يتحدثون وفق ما يرونه ويعيشونه من أحداث على الساحة السياسية والاقتصادية، وما يصل إليهم عبر وسائل الإعلام المصري، وبين فئة أخرى من المصريين وهم التيار المؤدلج التابع لجماعة «الإخوان المسلمين» وهؤلاء أيضا سرعان ما طرحوا بعض الأسماء المتوقعة لمنصب نائب الرئيس، مدعين معرفتهم أيضا برؤية وتوجه القيادة المصرية الحالية، وبما يخدم رؤيتهم بوصفهم تنظيم إسلام سياسي مؤدلج له خصومة تاريخية حاضرة مع مفهوم الدولة بشكل عام، ومع المشير السيسي بشكل خاص.

ولا يمكن إغفال ذلك الثأر الذي يطالبون به ليل نهار من بعد إسقاط مشروعهم في 2013 وفض اعتصامهم في موقعة رابعة الشهيرة. 

ولا يمكن في هذه الحالة أن أقيس –بوصفي باحثة وأكاديمية- الرأي العام المصري معتمدة في ذلك على ردود أفعال جماعة «الإخوان» عبر مواقع التواصل.

ولكن يمكن الأخذ في الاعتبار أنهم إحدى الفئات التي تمثل الرأي العام وإن كانت مؤدلجة ولديها خصومة تاريخية مع كافة الأنظمة التي حكمت مصر، وصولاً إلى الخصومة الأكبر مع الجيش المصري في عهد الرئيس السيسي الذي يرون أنه حطم أوكارهم وهدم أحلامهم في 2013.

وما توصلت إليه هو أن هناك قاسمًا مشتركًا ما بين المواطنين المصريين غير المؤدلجين رواد مواقع التواصل والفئة الأخرى من المصريين التابعين والمؤيدين لـ«الإخوان» وهو اتفاق الفئتين بنسبة تتجاوز 85% على أن نائب الرئيس سيكون شخصًا عسكريًا وليس مدنيًا.

وأعتقد أن القائمين على رصد وتحليل الرأي العام المصري داخل الأجهزة المختصة في مصر لن يفوتوا الفرصة في رصد وتحليل الآراء المصرية، بمختلف الطوائف والفئات الشعبية من تيارات مدنية ومعارضة، وتحليل هذه البيانات بما يخدم فرضية جس النبض التي تحدثت عنها سلفا. وهو ما سيخدم الدولة في فهم توجهات الرأي العام المصري نحو شكل الديمقراطية التي يطمحون إليها مستقبلًا، وكذلك تطلعاتهم ومطالبهم من الحكومة المصرية. والآلية التي ستشبع بها احتياجاتهم المادية والمعنوية وخطوات تنفيذها على الأرض بما يعيد الثقة ولو بشكل تدريجي بين المواطن وإدارته.

ومن خلال دوري –بوصفي باحثة- وعبر استطلاع الرأي الذي أجريته بشكل تقليدي بسيط عبر حسابي في منصة «إكس» لاحظت أن ردود الأفعال تعدت الحدود الجغرافية المصرية، لتصبح هناك ردود أفعال وآراء خليجية شملت المغردين من الإمارات والسعودية والكويت واليمن، وتوصلت إلى أن 85% من عينة البحث توقعوا أن يكون منصب نائب الرئيس يشغله شخص عسكري وليس مدنيًا، وهذا ما يدفعني لتحليل هذا التوجه العربي الخليجي، بداية بفرض سؤال مهم: «هل هذا الإجماع الخليجي الذي برز في استطلاع الرأي يعبر عن ثقة ودعم الجانب الخليجي للمؤسسة العسكرية المصرية ورجالها، بناء على مواقف سياسية وصفقات اقتصادية وفرت عامل الثقة بين الطرفين؟ أم أنهم كما قال البعض منهم معلقًا بأنهم على دراية بالتوجه والرؤية المصرية على مستوى القيادة السياسية الحالية والتي تفضل إسناد مثل هذه المهام لشخصيات عسكرية موثوقة». 

وإن كنت أرى –بوصفي باحثة سياسية- أنه من الطبيعي أن يحاول أصحاب رؤوس الأموال والاستثمارات تأمين مصالحهم واستثماراتهم داخل مصر، والأقرب لديهم هو أن يحل بمنصب نائب الرئيس شخص لا تقل ثقتهم فيه عن الرئيس نفسه لضمان الالتزام بالوعود والاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، ولتأمين استثماراتهم، تطبيقًا لقاعدة اقتصادية سياسية مشتركة تقول إن التغيير المفاجئ غير المدروس هو عدو لنمو رأس المال.

تفاؤل غير مبرر

تعجبت وأنا أتابع ردود أفعال «الإخوان المسلمين» عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا منصة «إكس» التي كان فيها نوع من التفاؤل والبهجة التي تتوارى خلف الزخم الإعلامي الذي قام به إعلام «الإخوان» في ترويج خبر تعيين نائب لرئيس مصر.

ما دفعني –بوصفي باحثة- لفهم أسباب ودوافع هذا التفاؤل على استحياء والذي بدا واضحاً في ردود أفعال إعلامي «الإخوان» والمحسوبين على الجماعة من عناصر عاملة ومحبة ومكلفة وموالية.

وجعلني أضع بعض الفروض والتساؤلات البحثية، وعلى رأسها: هل يعتقد «الإخوان المسلمون» بأن هذا القرار الذي أعلن عنه النائب مصطفى بكري دون غيره بتعيين نائب لرئيس مصر جعل «الإخوان» يتفاءلون ببدء عملية حلحلة للأزمة القائمة بينهم وبين القيادة السياسية الحالية في مصر؟

وقد شملت الأزمة جوانب اقتصادية بالتحفظ على أموال «الإخوان» وتجفيف منابع التمويل الخارجي، وكذلك منعهم على مستوى سياسي من المشاركة ضمن أحزاب سياسية أو الدخول ضمن أي مكون حكومي بخلاف الملاحقات الأمنية المستمرة لهم داخل وخارج مصر.

بل أن حدود الأزمة تعدت الجغرافيا المصرية إلى الدول التي تأوي جماعة «الإخوان» وعلى رأسهم تركيا بضغط سياسي مصري، مستغلةً عودة العلاقات المصرية التركية للمطالبة بتحجيم دور «الإخوان» داخل الأراضي التركية وتشديد الرقابة على إعلامهم وتضييق الخناق عليهم والمطالبة بترحيلهم إلى مصر.

فإن كان يرجو «الإخوان» من نائب الرئيس المصري القادم حلحلة الأزمة بكافة جوانبها ما بين النظام الحاكم و«الإخوان» فأعتقد أن تنظيم «الإخوان» أساء تقدير الوضع، فنائب الرئيس الذي سيتم اختياره لا أعتقد أنه سيقدم لـ«الإخوان» فرصة أكبر من التي قدمتها الإدارة السياسية المصرية الحالية بدعوتهم لحضور الحوار الوطني كطرف مشارك.

وقد حضر ضلع إعلامي مهم في التنظيم وهو أيمن نور، مالك وممول قناة «مكملين» ومنصات إعلامية أخرى. وكان الحضور والتفاهمات دون جدوى في النتائج، ولم تحدث المصالحة التي كان يتوقعها البعض من الزملاء المحللين لشؤون الجماعات المتطرفة والإرهابية.

وقد توقعت في وقت سابق أن الحوار الوطني مع «الإخوان» سيفشل لأنهم يحضرون تحت بند لا تنازلات في سبيل الحل. والثأر قادم لا محالة.

مجمل القول إن الإعلان عن تعيين نائب لرئيس جمهورية مصر العربية كشف الغطاء عن عدة أمور مهمة.

بدءًا من تفاؤل حذر «للإخوان» وفرحتهم المستترة خلف غطاء الزخم الإعلامي بنشر الخبر والتعليق عليه ما يعكس رغبة «الإخوان» في حلحلة الأزمة القائمة مع الدولة المصرية، في ظل ما تعانيه جماعة «الإخوان» من انقسامات داخلية وضعف تمويل وملاحقات أمنية في ظل غياب القيادات، سواء بالاعتقال أو الحكم بالإعدام على المرشد محمد بديع والذي صدر مؤخرًا من قبل القضاء المصري، وكذلك الضعف الواضح في صفوف الجناح العسكري لـ«الإخوان» وهم «حماس» في غزة بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي دمر 70% من القوة العسكرية لـ«حماس» ومخازن الأسلحة والأنفاق.

الأمر يشير أيضًا إلى أن هناك خصومة شخصية بين جماعة «الإخوان» الرافضة لوجود الرئيس السيسي والمتفائلة بتعيين أي رمز من رموز القوات المسلحة المصرية، دون التنازل عن مطالبهم والثأر القديم مع الجيش المصري الذي أسقط مشروعهم في 2013.

وبالنسبة لنا –بوصفنا باحثين- فإنها ليست برسالة جديدة، فقد سبق أن نشر إعلام جماعة «الإخوان» العديد من الشائعات عن وجود خلافات داخل المؤسسة العسكرية، وتعمدوا خلال هذه الشائعة أن يظهروا تأييدهم لبعض الشخصيات القيادية في الجيش المصري دون غيرها، سواء بغرض إحداث فتنة أو إثارة بلبلة، أو قد تكون رسالة باطنها أن «الإخوان» مستعدون للحوار مع أي قائد عسكري بخلاف الرئيس السيسي الذين يحملون له ثأرًا شخصيًا.