هشام النجار يكتب: إيران وحماس وإسرائيل.. ماذا جرى وماذا يجري؟

ذات مصر

في منتصف ليل السبت 14 أبريل 2024 بالتوقيت المحلي، أرسل النظام الإيراني أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة باتجاه إسرائيل، وأتى هذا الإجراء من جانب طهران بناء على دعاية "الانتقام الصعب" التي تروج لها وسائل الإعلام الحكومية، والتي وعد بها المرشد علي خامنئي عدة مرات، بما في ذلك في خطبة صلاة عيد الفطر يوم الأربعاء 11 أبريل.


وقد حاول بعض أعضاء الحكومة تفسير وتنظير العمل الحربي للنظام على أساس (الرد الدفاعي والعقابي)، حيث أعلن سفير النظام الدائم لدى الأمم المتحدة مباشرة بعد إطلاق الصواریخ والمسیرات أن إجراءنا العسكري المضاد تم وانتهى.
كما قال بعض المسؤولين الحكوميين والمحللين إنه لو أردنا "الانتقام الصعب" من العدو، لكان بإمكاننا القيام بهذا الإجراء من مسافة أقرب (أي لبنان وسوريا).


وقال محسني ايجي رئیس سلطة القضاء في النظام في اجتماع لمجلس القضاء يوم الاثنين 16 أبريل (إن تصرفنا كان إجراء عقابيًا، ولكن إذا لزم الأمر، سنضرب مرة أخرى).


كما قال المتحدث باسم القوات المسلحة التابعة للنظام الإيراني، لواء الحرسی شكارجي (نقول للطرف الآخر (الأعداء) بإننا قادرون على توجيه ضربات قوية مرة أخرى وقطع أرجل المعتدي).

 


ارتباك الأذرع والمركز وإحراج حماس
نلاحظ من الأحداث ومن تصريحات قادة عسكريين إيرانيين في أعقاب مقتل القيادي بالحرس الثوري رضى موسوي بسوريا وصولًا للهجوم على السفارة ومقتل قادة بالحرس الثوري في مقدمتهم محمد رضا زاهدي ونائبه رحيمي، أن هناك أزمة مستعصية يعانيها النظام الإيراني تتعلق بفقدان الرؤية التي تتيح له البقاء بين العجز في الداخل عن حل المشكلات، والمضي في الخارج قدمًا لإثبات نفسه كقوة يخشاها الجميع.
أيضًا عكس ارتباك حماس بين إثبات ونفي التبعية لمحور إيران وفقدان أوراق المناورة في الداخل وفي الإقليم وجود أزمة شبيهة تتعلق بعدم القدرة على الاستمرار في تسويق الحركة ككيان وطني يقاوم المحتل لتحقيق أهداف تخص القضية الفلسطينية، في حين يتلقى الدعم والأوامر من حليف إقليمي لا يعير أوضاع الفلسطينيين ومصالحهم أدنى إهتمام.


لأن ما جرى هو إحراج شديد لحماس التي كانت تنتظر مشاركة محور المقاومة فور تنفيذ هجوم طوفان الأقصى بمشاركة فاعلة تحريرية من باقي فصائل المحور وفقًا لخطة توحيد الساحات، فإذا بالنجدة تأتي صورية عبر صواريخ بلا رؤوس حربية لم تصب سوى فتاة بدوية بالنقب بعد سبعة أشهر وبعد تدمير غزة وقتل ما يزيد عن ثلاثين ألف فلسطيني غالبيتهم من النساء والأطفال، ولم تكن خطوة مرتبطة كما هو معلن بغزة إنما بمقتل زاهدي ومن معه بسوريا.


والسؤال الآن:
إذا كانت إيران وهي مركز المحور وداعمه ومحركه تتعامل بهذه النفعية والبراغماتية معلية مصالحها وأمنها فوق كل شيئ، فلماذا لا يفكر الفلسطينيون بنفس الطريقة ويجعلون مصالح شعبهم وقضيتهم في المقدمة، وقد اختبروا فعليًا كل الأطراف وفهموا كيف تدار الأمور، وتم الفرز بين من ينصر القضايا بتجرد وواقعية ومن يطلق شعارات ويدير الظهر حين يجد الجد.


وضح أن إيران وحماس يعانيان نفس المعضلة؛ من جهة وجود رغبة في لعب أدوار خارجية أكبر من حجمهما ودون توافق وطني داخلي، في حين تصل الأوضاع المعيشية والإقتصادية في إيران وغزة إلى مستوى غير مسبوق من التدهور.


هناك ارتباك شديد متبادل بين حماس وطهران يظهر حجم الأزمة التي يعانيها المحور بأكمله، حيث كانت الأذرع ومن ضمنها حماس تتوقع مناصرة ومؤازرة كبرى ومنيت بخيبة أمل، مقابل تعامل المركز (طهران) بحسابات دقيقة جعلتها تتعامل مع وكلائها كمجرد أدوات لتحقيق مصالح وليسوا حلفاء وشركاء في سياق مسار يهدف لتحقيق مصالح مشتركة.


على سبيل المثال ولنراجع معًا: ردًاعلى تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري بشأن مسؤولية إيران عن هجوم طوفان الأقصى إنتقامًا لاغتيال قاسم سليماني، أكد بيان صادر عن حركة حماس أن العملية فلسطينية خالصة ودافعها درء المخاطر التي تهدد المسجد الأقصى.
ونفى في السابق مسؤولون إيرانيون -فضلًا عن زعيم حزب الله حسن نصرالله- أي علم إيراني مسبق أو مسؤولية مباشرة لقيادة محور المقاومة المركزية عن عملية طوفان الأقصى.


ووصف المرشد الإيراني علي خامنئي في 10 أكتوبر الماضي الإتهامات الموجهة لبلاده بالضلوع في هجوم حركة حماس على إسرائيل بأنها (شائعات أنصار الكيان الصهيوني) وبأنها (خطأ في الحسابات).


واضطر شريف رمضان المتحدث باسم الحرس الثوري لطرح رواية معاكسة خلال المؤتمر الصحفي الخاص بإغتيال القيادي المهم بالحرس الثوري رضى موسوي، مؤكدًا أن عملية السابع من أكتوبر هي إحدى عمليات الإنتقام لاغتيال الجنرال قاسم سليماني.


وتطرق رمضان -في سياق الرغبة في إظهار أن إيران هي من توجع إسرائيل وتنال منها وليس العكس- إلى الأدوار التي اضطلع بها موسوي نفسه في الإعداد والتجهيز لهجوم السابع من أكتوبر؛ عندما أشار إلى أن التمكين اللوجيستي لجبهة المقاومة بفضل جهود موسوي في نقل المعدات والتكنولوجيا اختلف كثيرًا عما كان عليه بالماضي.


وأكد المتحدث بإسم الحرس الثوري أن موسوي كان مسؤولًا عن تمكين ودعم محور المقاومة لأكثر من 25 عامًا ولديه تجربة في تجهيز جبهة المقاومة وقدم مساعدات كبيرة إلى دبلوماسية الجمهورية الإسلامية في سوريا ولبنان.
وسلطت إعترافات شريف رمضان الضوء مجددًا على التقرير الذي نشرته صحيفة (وول ستريت جورنال) في أعقاب عملية طوفان الأقصى حول مشاركة ضباط كبار في الحرس الثوري في التخطيط لهجوم حركة حماس منذ أغسطس الماضي.


وكان تقرير الصحيفة الذي كذبه المسؤولون الإيرانيون حينها قد نقل عن مصادر في حماس وحزب الله أن المسؤولين الإيرانيين أعطوا الضوء الأخضر للهجوم على إسرائيل في اجتماع عُقد قبل أيام من الهجوم، وأن اجتماعات أسبوعية عقدها قائد فيلق القدس إسماعيل قآاني مع قادة جماعات مسلحة موالية لإيران.


كما يناقض رد حماس على تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري ما تداولته وسائل إعلام إيرانية بشأن الرسالة التي وجهها قائد فيلق القدس إسماعيل قآاني إلى قائد كتائب عز الدين القسام محمد الضيف، متعهدًا بأن تقوم إيران وحلفاؤها بكل ما يجب فعله في المعركة ضد إسرائيل، وما قاله المرشد حول حتمية تدمير إسرائيل في الرابع من أكتوبر الماضي.


وتأكد هذا مع التصريحات التي أعقبت مقتل محمد رضا زاهدي حيث اعتبره المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام (أبو عبيدة) شهيدًا على طريق القدس مثنيًا على دوره في الإعداد والتجهيز لهجوم طوفان الأقصى.


وفي نفس السياق قال (تحالف القوى الثورية) كبري الجماعات المتشددة في إيران وهي بمثابة الحليف الوثيق للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أن الجنرال محمد رضا زاهدي القيادي بالحرس الثوري الذي قضى في غارة جوية على مجمع السفارة الإيرانية بدمشق هو المخطط والمنفذ الرئيسي لهجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر الماضي.


ما تفسير ما جرى ويجري؟
نسأل هنا: إذا كانوا هم المخططين والمنفذين فلماذا لم يقفوا بجانب حماس وينقذوا الفلسطينيين في غزة من الإبادة ولماذا لم يتحركوا ويتصرفوا بهذه العنترية التي نلحظها على تصريحات المسؤولين الإيرانيين مؤخرًا؟، وإذا كانوا هم من خططوا ومولوا ودربوا لأهداف خاصة، ثم تخلوا وقدموا مصالحهم، فلماذا تواصل حماس الانضواء في محورهم؟
وما تفسير ما جرى ويجري؟
ونجيب بالآتي:
يحيا النظام الإيراني بوجهين متناقضين؛ وجه العاجز في الداخل عن تلبية الإحتياجات الأساسية للشعب الإيراني، حيث يعيش ثمانون بالمائة من الإيرانيين تحت خط الفقر –بحسب مسؤولي النظام- وتثبت الإحصائيات الرسمية أن تدهور الوضع الاقتصادي والتضخم والبطالة فاق كل الحدود، ووجه إمبراطوري في الخارج يمارس الإستعلاء ويشعل الصراعات بيد الآخرين على حساب حريات وكرامة وأمن ومصالح شعوب المنطقة.


وفك الإيرانيون العاديون هذا الإشكال عندما رفضوا مد النفوذ بالخارج واهمال الشأن الداخلي، خلال جميع انتفاضاتهم الأخيرة منذ العام 2017م مرورًا ب 2019م وانتهاءًا بأحداث 2022م؛ حيث رفعوا شعارات تقول:(أتركوا سوريا في حالها، فكروا في حالنا)، و (لا غزة ولا لبنان، أنا أضحي بحياتي من أجل إيران).
ووفقًا للمحللين التابعين للنظام الإيراني فإن سبب رفض الغالبية من الشعب الانشغال بمد النفوذ إلى الخارج ليس لكونهم لا يهتمون بمآسي وهموم الشعوب الأخرى، إنما لأنهم يعترضون على سياسة غير راشدة تعبث بالمقدرات والممتلكات وتنفق الأموال في غير موضعها، ولذا يطالبون بحكومة عاقلة تضع حياتهم وتحسين معيشتهم على رأس أولوياتها.


وقال محلل شؤون النظام سعيد ليلاز خلال لقاء تلفزيوني (الشعب الإيراني ليست لديه مشكلة مع غزة ولبنان، إنما لديه مشكلة مع الحكومة ويريد إسقاطها وتغييرها).
وفي حين خرجت المظاهرات المؤيدة للشعب الفلسطيني والمنددة بالإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة في كل أنحاء العالم، لم تخرج في إيران سوى مظاهرة صغيرة محدودة العدد ومكونة من بعض موظفي الحكومة، بينما تضج الشوارع والميادين الإيرانية بمظاهرات تطالب بتوفير لقمة العيش وتشتكي من الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المتردية.


وكشف فيديو مصور للملا داري نجف آبادي ممثل المرشد علي خامنئي في محافظة مركزي كيف أن من يعانون الضغوط الإقتصادية ويعيش غالبيتهم تحت خط الفقر لا تهمهم كثيرًا القضايا الإقليمية والدولية وما إذا كانت إيران قادرة على إلحاق الهزيمة بإسرائيل وأميركا من عدمه.


وتوسل الملا داري لبعض المواطنين في منطقته كي يتجمعوا للهتاف ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وسط ردود أفعال ونظرات غير مكترثة وغير مبالية قائلًا (بعد صلاة الجمعة نتحرك 10 خطوات من باب المسجد، مئة متر فقط أو مئتين، نقول الموت لإسرائيل والموت لأميركا وننصرف).
ودل التناقض بين وضع نظام يعاني شعبه من مشكلة في إمدادات الخبز ويغطي الدخان بعض مدن البلاد الكبرى ولا تخرج في شوارعه مظاهرة واحدة تندد بجرائم إسرائيل فيما يخرج المتحدث باسم الحرس الثوري زاعمًا أن بلاده أطلقت حرب غزة ثأرًا لمقتل قاسم سليماني، على خلل وفشل في إدارة الحالة الثورية الإيرانية التي تصدر ثوراتها المزعومة للخارج مُظهرة وجهًا إمبراطوريًا، بينما يثور الشعب ضدها بالداخل.
وحتى الحالة الثورية ذاتها أصابها العطب عبر تتالي الهجمات الموجعة من إسرائيل ضد مصالح إيران في كل مكان دون رد يُذكر، وتغتال تل أبيب كبار القادة الإيرانيين وكبار قادة أذرعها في ساحات عديدة بوقت واحد، حتى قال أحدهم ساخرًا: إن إسرائيل هي من وحدت الساحات وليست إيران!


ولم تحل التصريحات والاعترافات ولا هجوم المسيرات والصوارخ في عمق إسرئيل يوم السبت 13 أبريل أي شيء؛ فلم تحرك ملف غزة والتفاوض والهدنة والرهائن ووقف الحرب ولا أزمات الوكلاء ولا حتى أزمة الداخل الإيراني إلا من جهة التسلح بذريعة تتيح للنظام ممارسة المزيد من العنف والقمع في مواجهة الاحتجاجات اليومية، فهاهو النظام (الثوري الممانع) قد أطلق صواريخه للمرة الأولى في عمق إسرائيل.
وللعلم فقد أعدم النظام الإيراني تحت ستار حرب غزة 106 من المعارضين والناشطين خلال شهر نوفمبر الماضي فقط.


فهل ينجح هجوم (الوعد الصادق) في 13 أبريل فيما فشلت فيه كل محاولات خلق الأزمات الخارجية السابقة في إخماد واستئصال إنتفاضة الإيرانيين والسيطرة على الوضع المتفجر بالبلاد، أو خلق أجواء دعائية وعسكرية لا تسمح لأحد بالداخل بالتحرك وابداء التمرد والرفض؟ هذا هو ما ستثبته الأيام المقبلة.
إذن وحتى لا يتعشم بعض الفلسطينيين وقطاع من المسلمين والعرب كثيرًا، فأحد أهم دوافع اختلاق صراعات وأزمات خارجية من جانب إيران هو التغطية على مشكلات الداخل الإيراني عبر ملء الأجواء بشعارات الحرب مع إسرائيل وأميركا وإسكات أي صوت يتحدث في ملفات أخرى على افتراض أنها هامشية، وربما تكون نجحت صواريخ خيبر بلا رؤوس حربية التي أُطلقت على إسرائيل في 13 أبريل في تحقيق هذا الهدف حتى إشعار آخر.
ماذا عن الأذرع والوكلاء؟
قبل هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي أظهرت حركة حماس حرصها على التهدئة وانشغالها بالشأن الإنمائي وحفظ الأمن وعدم تعريض قطاع غزة لهجمات انتقامية من قبل إسرائيل.


وتفقد حماس الجزء الأكبر من قاعدتها الجماهيرية إذا ثبت أنها زجت بقطاع غزة في مواجهة بهذا الحجم مع عدو شرس لصالح حسابات إقليمية ولحاجة إيران للرد على مقتل أحد قادتها.


يتضاعف هذا الحرص الحمساوي بعد أن تحركت إيران مؤخرًا، لا لمؤازرة غزة التي دُمرت وأُبيد أهلها وهُجرواولا لتخفيف الضغط على حماس وفصائل المقاومة، إنما ثأرًا لمقتل زاهدي، ولتحقيق توازن الردع الذي اختلت معادلاته بشكل كبير.
إذن تكمن معضلة محور المقاومة سواء ما يتعلق بالمركز في إيران أو بالفروع في غزة ولبنان واليمن، في الانطلاق من واقع داخلي مهترئ وهش لتحقيق أهداف عابرة للحدود ولتوسيع الهيمنة الإقليمية والدولية.


أطمع محور المقاومة في السابق سياسة الإسترضاء التي ينتهجها الأميركيون والغربيون تجاه إيران، وعدم رغبة أميركا في خوض مواجهة مباشرة مع النظام الإيراني، في حين اختلف الأمر بعد هجوم السابع من أكتوبر وتبين أن طهران تجاوزت المسموح بالتغاضي عنها دوليًا والصبر عليها داخليًا.

[email protected]