هشام النجار يكتب: الأردن وإيران وإسرائيل.. النقاط فوق الحروف

ذات مصر

سبق ما قاله الملثم أبو عبيدة المتحدث باسم الجناح العسكري لحماس في سياق تحريضه المُبطن على إشعال الفوضى والفتنة في الأردن، مطالبة قادة حماس بما أسموه (امتزاج الدم العربي في الشوارع العربية بالدم الفلسطيني في غزة)، وهي أيضًا دعوات بتوجيهات خارجية تحرض الجماهير العربية على حكامها ومؤسسات دولها.

في بدايات الحرب في غزة أطلق خالد مشعل نداءًا للعشائر الأردنية للتحرك إلى الحدود ما دفع السلطات الأردنية لإصدار احتجاج رسمي، طالبة منه عدم تكرار مثل هذه التصريحات.

ورغم اعتذار مشعل في المرة الأولى إلى أنه كرر ذلك مؤخرًا –وهو الذي أنقذه الملك حسين رحمه الله من الموت عندما حاولت إسرائيل اغتياله بالسم- ضمن مجموعة بيانات وتصريحات من قادة آخرين بحماس تدل على أن هناك أوامر فوقية قادمة من قيادة ومركز المحور، وهي التي جعلت مشعل يتنكر لوعوده والتزاماته السابقة.

ولا يمكن إغفال خطورة التصريحات المنسوبة إلى محمد الضيف الرجل الثاني في كتائب القسام بعد يحيى السنوار حيث قال (يجب إحداث انتفاضات شعبية من جماهير الأردن وسوريا ومصر والمغرب والجزائر).

أركان مخطط الفوضى

تحاول حماس -ومجموعة إخوان الأردن- استخدام الشارع من أجل الضغط على الدولة الأردنية للاشتباك مع الحرب في غزة بشكل مباشر، في محاولة لتغيير الوقائع على الأرض وإنقاذ ما تبقى من قوة الفصائل المسلحة داخل غزة ومن قادة حماس في الأنفاق.

قبل تحريض أبو عبيدة الأخير ترتب على تحريض كل من قادة حماس وكتائب عز الدين القسام مثل خالد مشعل ومحمد الضيف المتزامنة أعمال شغب وتخريب وإشعال النيران وإلقاء الحجارة على المركبات بالطريق العام واعتداء على رجال الأمن.

هناك العديد من الشواهد التي تثبت وجود مخطط لإثارة الفوضى ببعض الدول العربية خلال هذه المرحلة خاصة دول جوار فلسطين، حيث نشط عناصر جماعة الإخوان بشكل واضح في فضاء التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام  لشن هجوم مكثف على قادة وحكومات الدول العربية، بهدف تحصيل مكاسب لأذرع محور المقاومة وانتشالها من مأزق العجز العسكري أمام الآلة الإسرائيلية التي تضرب في اتجاهات عدة، علاوة على توخيها عدم الإستسلام لسيناريوهات تهميشها وتحييدها مستقبلًا في سياق تسويات اليوم التالي بعد الحرب.

من ضمن هذه الشواهد الفتوى التي أصدرها الصادق الغرياني مفتي ليبيا السابق -الذي يحاول أن يلعب دورًا شبيهًا بأدوار الشيخ يوسف القرضاوي خلال ثورات ما عُرف بالربيع العربي-؛ ويحرم الغرياني فيها على من (يحرسون المعابر منع من يريد إقتحامها من العبور)، واعتبر الغرياني (اقتحام المعابر فرض عين على المسلمين دفاعًا عن إخوانهم وعن حرماتهم وأمهاتهم ونسائهم).

واكب التصعيد من قبل حماس والإخوان بهدف تجييش الشارع العربي نشر الحسابات التابعة لمحور المقاومة في العراق على تطبيق تليجرام في الأول من أبريل الجاري بيانًا للقيادي بكتائب حزب الله العراقي أبو علي العسكري أعلن فيه أن (المقاومة الإسلامية في العراق أعدت عدتها لتجهيز المقاومة الإسلامية في الأردن بما يسد حاجة 12 ألف مقاتل من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقاذفات ضد الدروع والصواريخ التكتيكية وملايين الذخائر وأطنان المتفجرات، لنكون يدًا واحدة للدفاع عن إخوتنا الفلسطينيين).

ويعني ذلك أن هناك تنسيقًا ومخططًا مدروسًا وتوزيع أدوار بين أذرع إيران في المنطقة (السنية والشيعية) للدفع نحو تجييش الشارع العربي وتسيير المظاهرات اليومية مع بث الفتنة وعدم الاستقرار في الأردن وبعض الدول العربية ومحاولة إشعال حرب أهلية في الضفة الغربية بهدف خلط الأوراق وتوسيع دائرة الصراع لإيجاد مخارج وخلق مساحات مناورة رديفة لتخفيف الضغوط عن حماس وباقي فصائل الإسلام السياسي داخل معاقلها.

مصالح إيران وإسرائيل والإخوان وحماس

إيران نفسها في مأزق فحركتها باتت مقيدة في سوريا ونفوذها هناك يتقلص علاوة على ما جرى بغزة باعتبارها كانت ساحة متقدمة لحروبها التي لا تنتهي عبر حماس وها هي تكاد تفقدها، لذلك تتحرك باتجاه إدخال ساحات أخرى ضمن طوقها، والتركيز الآن يجري على الأردن والضفة الغربية.

كما تنطوي دعوات التحشيد الجماهيري والانخراط في عمل مسلح في ظل دولة لها سيادتها وقوانينها وارتباطاتها الدولية والإقليمية كالمملكة الأردنية على الرغبة في خلق صدام داخل المجتمع الأردني، يقود إلى أن تتحول الأردن إلى ساحة سادسة تتحرك وفقًا لمصالح طهران، مع رغبة زعيمة محور المقاومة في استغلال الحرب رغم نتائجها الكارثية لترسيم خطوط نفوذها وتوسعها في المنطقة.

تريد جماعة الإخوان بشكل عام إستغلال الحرب لحرف غضب الشارع العربي باتجاه الأنظمة والحكومات العربية ما يمهد لإعادة انتاج نفسها في المشهد مجددًا، وتلاقى هذا الهدف العام للجماعة بهدف خاص لحركة حماس يتمثل في انقاذها من سيناريوهات القضاء عليها بشكل كامل ومن تحييدها سياسيًا بعد الحرب.

ويرى قادة الإخوان وقادة حماس أن إغراق المنطقة في الفوضى يتيح لتيار الإسلام السياسي سندًا ميدانيًا ومساحة تمكنه من إعادة الانتشار والتموقع للخروج من الحصار المحكم داخل غزة، وهو تكتيك مستوحى مما لجأ إليه قادة حركة طالبان والقاعدة عندما جعلوا باكستان ساحة اسناد لهم للخروج من مأزق حصارهم واستهدافهم المباشر داخل أفغانستان.

تلتقي أجندات وأهداف ومصالح إيران وجماعة الإخوان وحركة حماس بالطريقة التي التقت بها أثناء ثورات ما عُرف بالربيع العربي بهدف زعزعة استقرار الدول الوطنية العربية، حيث يخدم تجييش الشارع الأردني ومن ورائه تاليًا الشارع العربي محور إيران لصرف الأنظار عن فشل حركة حماس وعن الأخطاء التي ارتكبتها، علاوة على انكشاف محور المقاومة، بعد عجزه وعجز أذرعه عن الدفاع عن الشعارات التي رفعها بمحاربة إسرائيل.

وتلتقي مصالح حماس والإخوان المبنية على حسابات قصيرة النظر والداعية لزعزعة الإستقرار في الأردن ومصر ودول جوار فلسطين مع مصالح إسرائيل؛ لكونها موجهة ضد الدول التي تقف بصلابة في مواجهة مخططات التهجير، بالنظر لكون الأردن في الحسابات الإسرائيلية المتطرفة هو الوطن البديل الذي تأمل قوى التطرف الإسرائيلي إستهدافه ليسهل التهجير من جهة والإستيلاء على باقي الأراضي الفلسطينية من جهة أخرى.

ولا تخفى مخططات إسرائيل في هذا السياق؛ حيث تريد جعل الأردن وطنًا بديلًا  للفلسطينيين، وهو ما عبر عنه رئيس الورزاء الإسرائيلي الأسبق آرييل شارون بعد خروج القوات الفلسطينية من لبنان في العام 1982م، حين دعا الفلسطينيين لإقامة دولتهم فوق أراضي الأردن.

وبعد شارون طالما عبر بنيامين نتنياهو عن نيته ضم الضفة الغربية وغور الأردن إلى إسرائيل، مستعملًا المصطلح اليهودي للضفة (يهودا والسامرة)، وهو ما يُترجم عمليًا بالطرد والتهجير وبناء المستوطنات.

إذن الأطماع ليست إيرانية فقط بل إسرائيلية أيضًا وهناك من المراقبين من لفت لمسؤولية وحدة الإستخبارات الإسرائيلية 8200 عن محاولات إثارة الفتنة وتهييج الشارع الأردني وضرب مكوناته بعضها ببعض عبر آلاف الحسابات الوهمية على منصات التواصل.

هاجمت تلك الحسابات الوهمية التي يديرها عملاء للمخابرات الإسرائيلية الأردن كنظام سياسي، وشككت بمواقفه تجاه فلسطين.

ويعني هذا أن المملكة الأردنية مستهدفة من قبل مشروعين غير عربيين متنافسين، وهما المشروع الإسرائيلي الإستيطاني الإحلالي، والمشروع الإيراني التوسعي الذي يوظف أذرعًا وميليشيات عربية مؤدلجة.

النقاط فوق الحروف:

أولًا: حماس -رفقة الإخوان- مستمرة في نهجها الكارثي بالتحول للهجوم على الأنظمة العربية وإثارة الضغينة والفتنة في المجتمعات العربية، وكما كان الهدف الوصول إلى السلطة والهيمنة على الحكم في أعقاب ما عُرف بالربيع العربي، فالهدف الآن تحسين وضعية محور المقاومة (المركز والأذرع) وخلق ملاذات بديلة للفصائل وتخفيف الضغوط عنها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، وإضافة جبهة متقدمة لإيران تعزز من أوراقها الميدانية.

ويُعد ما ترتكبه جماعة الإخوان وحركة حماس في هذا الصدد خطيئة كبرى مضافة لخطاياهما السابقة في سيناء وفي العمق المصري عقب حراك يناير 2011م، ولا يُعد ما تقوم به الجماعة والحركة منفصلًا عن السياق السابق؛ لأنه منذ بدء ما سُمي بالربيع العربي حاولا إدخال الأردن في موجة الاحتجاجات طمعًا في الوصول إلى سدة الحكم، وحاولت مجددًا مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وها هي تحاول مجددًا مستغلة حرب غزة وتداعياتها.

وبالنظر لتسلسل الأحداث والتحالفات الإقليمية والأدوات السنية والشيعية التي يحركها مركز ما يُعرف بمحور المقاومة نكتشف أن السيناريوهات واحدة وقد وضعها كاتب واحد ويتحكم بها مخرج واحد من خلال أدوات موزعة على دول المنطقة، وفي كل مرة تتآمر القوى الخارجية مستغلة طابور خامس من الداخل لإشعال الحرائق.

ثانيًا: تجسد محاولة زعزعة استقرار المملكة الأردنية وبعض الدول العربية إفلاسًا مكشوفًا بعد أن تورط تيار الإسلام السياسي في فتح صراع أكبر من قدراته وإمكانياته في السابع من أكتوبر الماضي، حيث انتهت الشعارات والخطابات (تحرير الأقصى والقضاء على إسرائيل) إلى كارثة غير مسبوقة وواقع يشهد توسع إسرائيلي جديد وفرص لتحقيق أطماع دولة الإحتلال القديمة، ناهيك عن الكارثة الإنسانية متعددة الأوجه.

وهو إفلاس مصحوب بجهل بالتاريخ البعيد والقريب على عادة جماعة الإخوان وحماس في البدء من نقطة الصفر وعدم البناء على ما انتهى إليه الآخرون، لأنه لو كانت هناك قراءة حصيفة وموضوعية لتعلموا من تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في الأردن في بداية سبعينات القرن الماضي ناهيك عن تجربة لبنان.

ثالثًا: الذنب ليس ذنب المملكة الأردنية التي تبذل ما في وسعها لمساندة الفلسطينيين في محنتهم ونصرة القضية الفلسطينية بأساليب واقعية، إنما ذنب حماس التي تحالفت مع إيران وفي نفس الوقت تحرض على تأليب مكونات الشعوب العربية على بعضهم البعض وتأجيج حروب طائفية.

ماذا تنتظر حماس من الشعوب العربية بعد أن توجهت إلى حليف إقليمي معروفة أهدافه وممارساته بالداخل العربي وماثلة أمام الأعين نتائج تدخلاته في سوريا ولبنان واليمن والعراق؛ هل تنتظر حماس ومعها جماعة الإخوان أن تلبي الشعوب العربية نداءها وأن تسلم الأردن لإيران التي يعلم القاصي والداني أنها لا تواجه ولا تقاوم إسرائيل ولا يحزنون إنما فقط تلعب بمختلف الأوراق للسيطرة على المنطقة العربية وابتلاع المزيد من دولها؟

رابعًا: على الفلسطينيين في الشتات وبالداخل العربي مسؤولية كبيرة لصد المؤامرات التي يُجند فيها البعض من بهاليل تيار الإسلام السياسي؛ فعليهم -خاصة المؤثرين والمفكرين والأثرياء منهم- أن يساهموا في قضيتهم الأم، بالطبع ليس على طريقة حماس والإخوان ولا وراء ظل إيران، إنما بتأسيس منظمات مدنية في الخارج تأخذ على عاتقها وضع خطة لتمكين الفلسطين من تطوير قدراتهم وتعظيم إمكانياتهم.

عليهم أن يتحولوا إلى مؤثرين فكريًا وسياسيًا واقتصاديًا بأميركا ودول أوربا وبمختلف الدول التي تُصنع فيها القرارات المتعلقة بفلسطين وبالدول العربية.

أتساءل: هل الفلسطينيون أقل من الصهاينة الذين جمعوا أنفسهم من الشتات وكسبوا تأييد العالم وقاموا بتمويل الهجرة إلى فلسطين، ليس هذا فحسب بل سيطروا على المال وقدموا للعالم اختراعات مذهلة، منها القنبلة النووية التي جعلت أميركا تنتصر في الحرب العالمية الثانية والتي توصلت إليها عبقرية آينشتاين اليهودي.

إذا أراد الفلسطينيون (في الداخل والخارج) تحرير بلادهم فلا يقتفوا أثر إيران وأذرعها بالمزايدة على الدول العربية المنهكة والتي تتلمس طريقها إلى التنمية والتعافي من آثار كوارث السنوات الماضية وأحداثها وصراعاتها المفصلية، -وليس المزايدة فقط بل التحريض والشحن والدفع باتجاه الفوضى-؛ إنما عليهم أن يساعدوا الدول العربية المخلصة ويحققوا الوحدة بالداخل الفلسطيني ويصعدوا الأكفاء العقلاء المخلصين الوطنيين منهم لتحمل المسؤولية.

ومن الخارج ليس عيبًا أن يعملوا مثل ما عمل الصهاينة، الذين اعتمدوا على أنفسهم وذكائهم وفرضوا أنفسهم على العالم وأخذوا ما ليس من حقهم بفلسطين، ولن يساعد أحد الفلسطينيين إن لم يساعدوا أنفسهم.

أما ما يحدث الآن فليس سوى وصفة جديدة للخراب والدمار، ولن تقف الأردن والدول العربية المعنية مكتوفة الأيدي أمام أطماع إيران وإسرائيل، وأمام كل ما يُحاك باستخدام أدوات رضيت أن تلعب دور الأداة وستظل مجرد أداة، بل حتى دور الأداة تفشل في أدائه.