أحمد عطا يكتب: ليلة سقوط تمثال الحرية

ذات مصر

هناك كثير من التساؤلات التي طرحت نفسها وعبَّر عنها انتهاك الحريات في جامعات كاليفورنيا، حتى وصل عدد المعتقلين من طلبة الجامعات إلى أكثر من ألفي طالب، وهو رقم تحطمت بين أعداده ضمانات الحريات التي تناولها في كتابه روسكو باوند، أحد رواد الفكر القانوني الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تأثرت فلسفته القانونية بالتطور التاريخي عند هيجل.

ولكن لو تتبعنا ما يحدث من انتهاكات منذ انطلاق «طوفان الأقصى» لوصلنا إلى أرقام تحرق الدستور الأمريكي، وهو الراعي الرسمي والضمانة لممارسة الديمقراطية في أمريكا والعالم. أكثر من عشرين ألف شهيد معظمهم أطفال ونساء في إطار حرب الإبادة، و147 صحفيًا فلسطينيًا، كل هذا تم بمباركة أمريكية لدعم مشروع نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف، في التحرك نحو التقسيم الجغرافي للمنطقة العربية، بعد أن تم تحييد أغلبية الدول العربية، وعلى رأسهم دول النفط، دول الخليج العربي الأكثر ثراء وتأثير في السياسة الدولية، لما تملكه من رؤوس أموال، وترتبط بمصالح مباشرة مع الشركات العالمية والدول الكبرى. 

ولكن يقف كل من بايدن ونتنياهو عاجزين أمام الحركة الطلابية التي انطلقت من كوبنهاجن حتى كاليفورنيا، مرورًا بأشهر جامعات العالم، أبرزها الحركة الطلابية في فرنسا، وقد اتفق الطلاب على رفع شعار وقف الإبادة الجماعية التي التزم بها «جيش الدفاع» منذ اليوم الأول لـ«طوفان الأقصى». 

ولكن يبقى السؤال الأهم: من سيكتب النهاية لعملية «طوفان الأقصى» التي أزاحت تمثال الحرية وحطمته على خلفية حرب الإبادة الجماعية؟ 

سأبدأ بإدارة بايدن التي تتصدر الوساطة مع مصر وقطر و«حماس» والأردن والسعودية: إدارة بايدن محاصرة بحزمة من الأزمات الدولية والاتهامات التي ربما لا تمكن الديمقراطيين من الفوز بمقعد الرئاسة الأمريكية في نوفمبر القادم، ولكن أبرز هذه الأزمات الكواليس غير المعلنة بين حماس وأمريكا ونتنياهو. إسرائيل طلبت حزمة من الطلبات غير المعلنة حسبما أكدت المصادر الدولية، وهي الحزمة التي رفضتها «حماس» وفشلت قطر -وهي الحليف الأقرب لحركة «حماس»- في إقناع قادة الحركة بالتفاوض حول هذه الشروط، ومنها: عدم وجود أي دور لحركة «حماس» في إدارة غزة، مع تفكيك المؤسسة العسكرية للفصائل، وانتقال قادة الحركة ممن أداروا حرب «طوفان الأقصى» إلى خارج فلسطين، والإقامة في إحدى الدول العربية، وعدم وجود أي دور سياسي لهم مستقبلاً، وهو ما رفضته قيادات «حماس»؛ بل طالبت برحيل نتنياهو من المشهد السياسي في إسرائيل لإنهاء هذه الحرب. 

وأكدت المصادر المختلفة أن القيادي موسى أبو مرزوق قد لعب سراً دور الشارف الغرياني، الوسيط المقبول بين عمر المختار والحكومة الإيطالية أثناء احتلال إيطاليا لليبيا، والذي يعزز ويدعم الشروط التي طلبتها حكومة نتنياهو من حركة «حماس». ولكن يحيي السنوار رفض أي دور لموسى أبو مرزوق، وأن الشروط ستخرج من قلب غزة وليس من رحم أي دولة عربية أو غير عربية. 

ولكن يبقى السؤال الأبرز في هذا المشهد: هل ستنجح إدارة بايدن في أن تعيد صياغة توافقية جديدة يتفق حولها كافة الأطراف: السنوار ونتنياهو، من خلال زيارة معلنة لمدير المخابرات الأميركية للمنطقة، ومن بينها مصر، وخصوصًا أن بايدن على مقربة من حرب انتخابية في نوفمبر القادم، لن تكون أشبه بعجينة الياسمين، ولكن أشبه بحبات جوز الهند القوية التي تحتاج إلى مجهود لتحطيمها، وخصوصًا أن هناك صياغة جديدة للعالم تعدها إدارة بايدن التي يطالبها حلفاؤها بالنزول عن إدارة العالم.