«حوامل مصر في خطر».. أزمة الدواء تقتل الأجنة فى بطون الأمهات

ذات مصر

دخلت منة سعيد، حامل في الشهر الرابع، تحمل على يدها اليسرى طفلها الأول الذي لم يكمل عامه الثاني، إلى صيدلية في منطقة إمبابة أملًا في الحصول على دواء «الدوميت» الذي يعمل على ضبط مستوى ضغط الدم، لكن اصطدمت بالإجابة ذاتها «الدواء ناقص» وفي الوقت ذاته كانت شقيقتها تبحث في صيدليات الوراق عن الدواء ذاته، وذهب زوجها إلى صيدلية الإسعاف بوسط البلد، ضمن محاولة أخيرة للعثور على الدواء المهم.

تعاني منة (27 عامًا) من ارتفاع ضغط الدم وهي في شهرها الرابع، وأخبرها الطبيب أن ذلك سوف يؤثر بالسلب على جنينها، لذلك كان ضروريًا أن تحصل على الدواء لخفض ضغطها المرتفع ويكون أمنًا على الجنين، وتقول «قعدت أسبوعين مخدش الدواء نتيجة عدم توافره في الصيدليات، وديمًا أشعر بصداع شديد وخبط في دماغي وكنت بستعمل البدائل الطبيعية زي الكركديه».

وتضيف: «ذهب زوجي إلى صيدلية الإسعاف وقيل له أنت رقم 3 ألاف الذي يسأل على الدوميت، وفي النهاية عثرنا على الدواء من صيدلية لكن أغلى من سعره 4 مرات، وأصبحت هذه الطريقة هي سبيلنا في الحصول على الدواء». وبعد إلحاح منة على الطبيبة المعالجة للحصول على دواء بديل لـ الدوميت، كتبت لها دواء الضغط لكبار السن، وحينما أرادت صرفه من الصيدلية رفض الصيدلي خوفًا على حياة الجنين نظرًا لتأثيراته على نمو الطفل.

معاناة مضاعفة على المرأة الحامل

تبدأ معاناة المرأة في مصر بعد الزواج بنقص حاد في أدوية تحديد النسل أو المعروفة بأدوية منع الحمل، وذلك بعد ارتفاع أسعارها ثلاثة أضعاف، نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية عقب تحرير سعر صرف العملات الأجنبية في نوفمبر 2016، وترتب على ذلك نقص شديد في أدوية ضرورية نتيجة استيراد المادة الخام بالدولار من الخارج الأمر الذي أدى إلى نقص في الأدوية واختفائها من الأسواق وبيعها في السوق السوداء بأضعاف سعرها.

لم يقتصر الأمر على صنفي "ياسمين أو جنيرا" اللذين يعملان على تنظيم النسل بل توسع الأمر إلى أدوية تنظيم الضغط، ولا تتوفر حقنة نمو الرئه للجنين والتي يطلق عليها «RH» إلا في مركز المصل واللقاح الحكومي، وحتى اللحظات الأخيرة قبل الولادة تعاني حتى شراء حقن كوريمون التفجيرية التي تساعدها على الولادة بأمان.

كان ذلك حال أحمد منتصر (33 عامًا) الذي لم يتمكن من الحصول على حقنة كوريمون 5000 لزوجته، بعد أن حذره الطبيب من خطورة الولادة من دون حقن زوجته بهذه الحقنة. ويقول منتصر :«الحقنة غير متوفر في الصيدليات، وبحثت عنه في غالبية الصيدليات، وهي كانت محتاجة الحقنة لأنها في الشهر الثامن، والوضع كان صعبًا للغاية، ووصل بيا الحال اشتري الحقنة من شخص يبيع أدوية على الإنترنت بأسعار أغلى 4 أضعاف».

استشاري نساء وتوليد: 10% من حوامل مصر معرضات للإجهاض 

أزمة نقص بعض الأدوية الضرورية تشعبت في المحروسة بسبب الفجوة بين رغبة الشركات المصنعة لرفع سعر الدواء بعد بالرغم من رفع أسعار كل الأدوية العام الماضي مع أزمة توفير الدولار ورفع السعر في السوق غير الرسمية إلى ٧٥ مقارنة بالسعر الرسمي في البنوك ٣١ جنيها.

يقول دكتور عمرو حسن، استشاري النساء والتوليد بجامعة القاهرة، إن دواء مثل الدوميت تحصل عليها فئة خاصة من الحوامل اللواتي يعانين من ارتفاع ضغط الدم وذلك لأنه أمن على الطفل، ويعمل على خفض الضغط المرتفع الذي يصيب من 5 إلى 10 % من الحوامل في مصر، وعدم حصولهن عليه يجعلهن أكثر عرضة للإصابة بتسمم الحمل.

ويقول إن تسمم الحمل يحدث نتيجة ارتفاع ضغط الدم لدى الأم ويترتب عليه خفض وصول نسبة الدم المناسبة إلى الجنين وحينها يحدث تسمم الحمل. ويعد تسمم الحمل ثاني أكثر الأسباب لوفاة الأم أثناء المحل بعد النزيف، بحسب استشاري النساء والتوليد.

وعن نتيجة عدم حصول الأم على العقار المناسب، أوضح: يولد الطفل بحجم أصغر من الطبيعي أو تحدث له تشوهات، ويحتاج إلى البقاء في الحضانة أيام عدة، ويحدث له بطء في النمو، ويمكن أن يؤدي إلى ولادة الجنين ناقص، أما للأم سيؤدي إلى اضطراب في وظائف الكلى ويحدث تشنجات، وتكون معرضة للإجهاض.

وأكد استشاري النساء والتوليد عدم توافر الدواء في الأسواق، كذلك البديل والأنواع المستوردة، ولفت إلى أن الحامل التي تعاني من ارتفاع الضغط يجب أن تأخذ جرعة واحدة في اليوم حتى تصل إلى الشهر السادس ثم تحصل على ثلاث جرعات يوميًا.

إدارة الصيدلة: الدواء متوفر في 18 محافظة

في حين نفى مصدر مسؤول بالإدارة المركزية لشؤون الصيدلة، وجود نقص في الأدوية مؤكدًا أن الدواء متوفر في صيدلية الإسعاف، وتم توزيعه على مجال 18 محافظة، وأن ما حدث الفترة الماضية كان نتيجة تعديل في خط الإنتاج لكنه لم يؤثر على توافره في الأسواق.

وتعد شركة القاهرة للأدوية هي المنتجة لدواء الدوميت، وهي إحدى الشركات التابعة إلى وزارة قطاع الأعمال، ويباع الدواء في السوق بسعر 73.5 جنيه للجمهور.

أما بشأن الأدوية البديلة أو التي تحتوي على المادة الفعالة (ميثيل دوبا) على سبيل المثال لا الحصر، أدوية دوبانور، أو كادوميت أو سيمبرينا، كذلك لم تعد متوفرة في الأسواق.

الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أعلن في أغسطس  2023، أن عدد مواليد مصر بلغ 2 مليون و193 ألف مولود عام 2022 مقابل 2 مليون 185 ألف مولود عام 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 0.4%، أي أن نقص الأدوية الضرورية التي تحتاجها الأم طوال فترة الحمل حتى الولادة قد تؤثر على مليوني طفل.

«غرفة صناعة الدواء»: الأزمة في الدولار

أكد الدكتور جمال الليثي، رئيس غرفة صناعة الدواء في اتحاد الصناعات، أن هناك نقصًا في عدد من الأدوية في السوق المصرية، مشددًا على أن الدواء هو حق أساسي ويتطلب جهودًا مشتركة لضمان توفر الأدوية المفقودة.

وأشار الدكتور جمال الليثي خلال مقابلة تلفزيونية إلى أن الهيئة العامة للدواء والحكومة تعملان جاهدتين لتوفير الأدوية، مؤكدًا أن ذلك يعد حقًا دستوريًا لكل مواطن.

وأوضح أن رفع الأسعار يمكن أن يكون حلاً أفضل من عدم توفر الأدوية، حيث يفضل الجميع وجود الأدوية بغض النظر عن السعر، إذ يعاني الأشخاص الباحثون عن الدواء وعدم توفرهم من مشاكل صحية، تشابك مع مرضى آخرين. 

وأشار الليثي إلى أن أزمة ارتفاع سعر الدولار في الفترة الأخيرة أثرت على توفر المواد الخام وإنتاج الأدوية المطلوبة، ولكن عمومًا يمثل الأدوية غير المتوفرة في السوق نسبة 7% من إجمالي الأدوية، مع وجود بدائل لبعضها.

الخميس الماضي، تقدمت النائبة رحاب موسي بطلب إحاطة إلى المستشار حنفى جبالى، رئيس المجلس،   لمناقشة أزمة نقص العلاج في نظام التأمين الصحي.

أكدت النائبة، على معاناة العاملين في الدولة وأصحاب المعاشات، الذين يعانون من عدم توفر بعض الأدوية في نظام التأمين الصحي.

أشارت إلى أن هذه تلك الأزمة ألقت بظلالها على المرضى المزمنين مثل مرضى ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض العظام. ونتيجة لذلك، يضطرون لشراء هذه الأدوية من الصيدليات الخاصة على حسابهم الخاص، على الرغم من خصم مبالغ كبيرة من مرتباتهم لصالح التأمين الصحي. وهناك عدم رضا بين هؤلاء المرضى بسبب عدم توفر أصناف العلاج المطلوبة، مما يجعلهم يكررون زياراتهم للتأمين الصحي لمعرفة ما إذا تم توفير العلاج أم لا.

وطالبت النائبة بتوفير جميع الأصناف الدوائية المطلوبة للمرضى، وتقديم الطلب إلى اللجنة المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة لحل هذه المشكلة.

كيف يباع الدواء في السوق السوداء

في يوم ٤ أبريل الماضي، ألقت الشرطة القبض على مجموعة تجمع كميات كبيرة من الأدوية بقصد تهريبها خارج البلاد.

بعد جولات عدة على الصيدليات على أحد العاملين في تجارة الأدوية الناقصة في السوق (السوق السوداء)، أخبرنا عن رحلة الحصول على الأدوية وطريقة نقلها إلى المحافظات.

 قال ياسين أحمد (اسم مستعار) إنه يشتري الأدوية الناقصة من الصيدليات والمستشفيات الحكومية ويكون ذلك بالتنسيق مع طبيب أو موظف داخل هذه المستشفى يسهل له عملية شراء الأدوية بكميات كبيرة.

ويضيف: «وفي طريقة ثانية عبر شراء أكثر من علبة من الصيدليات الحكومية، وفي مرة وشنا اتكشف عند صيدلية الأسعاف بقينا بنروح أكتر من واحد يدخل يشتري».

وبعد ذلك يتواصل مع صيدليات في المحافظات وينقل كميات من الأدوية الناقصة وبيعها بضعف الثمن، يوضح: «روحنا إسكندرية والمنصورة المنوفيه وصلنا أدوية في شنط بكميات كبيرة، أخر مرة في مدينة السادات خدنا 100 علبة أنسولين و3 علب الدوميت عشان ناقص، وفي أيام بنودي إلى الإسكندرية أدوية بألوفات».

أما عن سعر بيع الدوميت، يقول: «الصيدلي يشتري مننا 130 حنيهًا، ويبعه هو بأي سعر، وأحيانًا نبيعه للأقارب والمعارف بهذه الأسعار».