إبراهيم عبد المجيد: الغناء وعبقرية الثقافة المصرية – رحلة للروح والأمل

ذات مصر

الدكتور كمال مغيث أحد العلامات الفارقة في حياتنا الفكرية. هو معلم باحث في التعليم وفي التاريخ والثقافة بوجوهها المختلفة. أجد في كتاباته دائما بحثا وجهدا رائعا في الإلمام بموضوعه. من كتبه الهامة " التعليم وحقوق الإنسان" و" الحركة الإسلامية في مصر في العصر الحديث" و" هتافات الثورة المصرية ونصوصها كاملة" وغير ذلك من الكتب الهامة. هذا أحدث كتبه " الغناء وعبقرية الثقافة المصرية" صادر حديثا عن "مجموعة بيت الحكمة للصناعات الثقافية" يقع في ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، لكنك تمضي معه لا ينفصل عنك الوطن ورحلة المصريين من أجل الأفضل في كل العصور. كتاب ينضم بجدارة إلى قائمة كتب كثيرة عن الموسيقى والغناء وأعلامه عبر التاريخ، كتبها أساتذة وعظماء مثل محمود أحمد الحفني ورتيبة الحفني وكمال النجمي وغيرهم، حتى نصل إلى فيروز كراوية وكتابها الرائع " كل دا كان ليه" . ولأني من عشاق الموسيقي أيضا قرأت الكتاب، وها أنذا أسعد بالكتابة عنه كما كتبت من قبل عن كتاب فيروز كراوية، وكتاب الشاب سيد عبد الحميد الذي أفرده لموسيقى الراب.   

الكتاب ينقسم إلى خمسة فصول يحمل الأول عنوان" الأغاني المصرية - حكايات وثقافة وتاريخ" يبدأ بالحديث عن سيد درويش. في كل حديث عن شخصية هامة تجد مولده ونشأته وتاريخه. ثم يدخل في مفردات الحياة المصرية في الغناء مثل الصبح والصباح والزغرودة والفرح والغناء من فوق مئذنة الحسين وأغينة وحوي ياوحوي وأسماء البنات في الأغاني وأغاني أعياد الميلاد وسمارة والأسمر والبيت والورود والأزهار والطيور وفيروز وعشقها وأغنيات الحجيج وموال النهار وحكايته والكأس والشراب في الغناء وليلة العيد وأشكال من التطرف الذي انتشر في المجتمع ضد الغناء. في كل فصل بعد التقديم الرائع للغناء في ثقافتنا وتاريخنا منذ عهد الفراعنة، وكيف اضمحل أحيانا ثم عاد، وطرق عودته التي كان من أهمها إنشاء محمد علي مدرستين للموسيقيي لخدمة الجيش الجديد، ثم تفرقتا بعد أن فرضت عليه أوربا التخلى عن طموحاته في التوسع وتقليص عدد الجيش بمعاهد 1848. كيف انتشرت الموسيقي والغناء بعد ذلك في بيوت الأعيان والباشوات، وكيف خرجت إلى الشورع وتأسست فرق موسيقية، واشتهرت اسماء مثل عبده الحامولي وسلامة حجازي ومصطفي العقاد وعبد الرحيم المسلوب ومحمد عثمان وغيرهم ممن أسسوا الغناء والموسيقى الوطنية الحديثة، وأصبحوا الأساتذة المباشرين لفنانينا المعاصرين.

 صار الزخم والثراء الغنائي مثل الموال والدور والطقطوقة والأغنية والموشح والنشيد والمونولوج وغيرها من أشكال الغناء، تشكل واحدا من أهم عناصر الشخصة الوطنية المصرية وقوتها الناعمة، التي فرضت وجودها على المجتمع العربي من المحيط الي الخليج. علي الناحية الأخرى الأغاني العاطفية والصوفية. خلال معظم الفصول تأتي تجربته هو في الاستماع والمعرفة في البيت أو المدرسة أو الحياة بشكل عام، بشكل قصصي وأدبي جذاب ممتع .
يبدأ كما قلت بالحديث عن سيد درويش وكيف هو مؤسس الغناء المصري الحديث، ومعه شعراء وكتاب مثل يونس القاضي وبديع خيري وبيرم التونسي. حياته وعصره. ندخل بعد ذلك في مفردات الحياة وكيف جسدها الغناء وكانت ملمحا رائعا منه. تري الجهد الجميل الذي بذله كمال مغيث في تقديم الأغاني وأصحابها عن مفردات الحياة والوجود بحيث يبدو الكتاب كموسوعة كاملة عنها. للصبح مفردات من البهجة مثل صباح الهنا ويسعد صباحك والصباح رباح وغيرها، مما هو من نتاج الاستقرار الزراعي حول النيل وليس الصحراء. يعطيك من الأغاني الكثير مثل ما غناه سيد درويش "الحلوة دي قامت تعجن في البدرية" أو "طلعت يا محلي نورها.. شمس الشموسة" أو محمد عبد الوهاب وهو يغني" ياطير يارايح خدني معاك .. هات لي جناح وانا اطير وياك . بايت مهني صابح تغني وانا اللي طول الليل سهران " وكذلك أم كلثوم تغني " يا صباح الخير ياللي معانا" ومحمد فوزي " يانور جديد في يوم سعيد" ونجاح سلام" صبح الصباح محلاه والشمس جاية معاه" وغيرهم حتي نصل إلي الشيخ إمام في "صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر".


يستمر الأمر مع الزغرودة، أو ليلة الخميس وكتْب الكتاب وأغاني الأفراح أيضا منذ سيد درويش " ياعشاق النبي صلوا على جماله .. دي عروسة البيه ياللا بنا نسندهاله " ويستمر مع غيره مثل محمد فوزي " ياولاد بلدنا يوم الخميس حاكتب كتابي وابقى عريس" ومحمد رشدي" قولوا لمأذون البلد ييجي يتمم فرحتي" وفريد الأطرش ونجاة علي ونجاح سلام وغيرهم، ولا ينسي كيف لم تغب الفكاهة والكوميديا عن الصورة فتغني شادية "والله يابوصة بقيتي عروسة"  أو عزيز عثمان "بطلوا دا واسمعوا دا.. ياما لسة نشوف وياما.. الغراب ياواقعة سودا.. جوزوه أحلي يمامة" . يتوسط الفصل الاول مقال به معلومة هامة جدا. عنوان المقال" من فوق مئذنة الحسين" عن أشهر المغنين والموسيقيين في عهد اسماعيل ومن بينهم، بل وأهمهم، عبد الحامولي الذي كان يغني في قصور الأمراء والسوامر الكبرى، وكيف كان تقيا ورعا كثير الصدقات على الفقراء. كيف سأله أحد الشيوخ أليس للفقراء حق في سماعك؟ قال كيف ؟ قال له أن يغني من فوق مئذنة الحسين ليسمعوه، فليس معهم نقود تكفي الحضور في السوامر الكبرى، ولن يدخلوا قصور الأمراء. لم يكن مكبر الصوت قد ظهر بعد. فعل الحامولي ذلك وكان الشهر رمضان. راح يغني بعد صلاة التراويح من فوق المئذنة، فامتلأت ساحة مسجد الحسين بالناس من كل أحياء القاهرة، وأنارت المحلات، وصعد الناس فوق أسطح البيوت. صار يفعل ذلك ويستمر حتي السحور وصلاة الفجر في مشهد آسر. بعد ذلك تدخل في أغنية "وحوي ياوحوي" وأصلها الفرعوني، ولا ينسى ابدا تجربته طفلا معها. ثم يستمر مع الأغاني عن النسمة مثل أغنية أم كلثم " أغار من نسمة الجنوب" حتي الشيخ إمام. تأتي أسماء البنات مثل ليلى وندي ولواحظ ونوال وزنوبة وفاطمة وزوبة وعدوية ومُنى حتى حتشبسوت وكليوباترا، والأغاني التي حملت أسمائهن. في كثير من الاستشهادات يأتي حضور كبير للأفلام والسينما التي انطلقت فيها هذه الأغاني فتكون في محفل ثقافي كبير متعدد البنايات والواجهات. الأمر نفسه مع أعياد الميلاد والأسمر والأسمراني، ثم البيت الذي هو مرادف للوطن في التراث الشعبي. أغاني مثل "بعد بيتنا ببيت كمان" لمحمد فوزي و"أفوت علي بيت الحبيب" لعبد المطلب.

 يأتي البيت الوطن في أغنية مثل "موال النهار" لعبد الحليم حافظ ، التي سيفرد لها ولحكايتها بعد هزيمة 1967 فصلا كاملا، وهي الأغنية التي أعطتنا الأمل بعد الهزيمة، والتي كتبها عبد الرحمن الأبنودي ولحنها بليغ حمدي. ثم يأتي الورد والأزهار. الفرح أو الحزن . "مين يشتري الورد مني" لليلي مراد، أو "ليه يابنفسج بتبهج وانت زهر حزين" وأغاني أخرى رائعة مثل "حاكم الزهور زي الستات لكل لون معني ومغني" لمحمد فوزي . يقطع الاحاديث بمقال مبهج في عشق فيروز . كالعادة مع مولد فيروز عام 1935 وحالة لبنان وغيرها من البلاد العربية تحت الاستعمار، ووالدها الكاثوليكي ووالدتها المارونية، وكيف ظهرت الطوائف في لبنان بعد الاستقلال فينقسم الحكم بينها، وكيف أحبت فيروز الغناء والذكريات الرومانتيكية التي تجلت في أغانيها، وغير ذلك من معلومات ومشاعر عظيمة.

 نعود إلى مفردات الحياة من الطيور مثل البلبل واليمامة والعصافير وأمثلة كالعادة من الأغاني، ثم أغاني الحجيج. تأتي النكسة عام 1967 وتظهر أغنية عبد الحليم والأبنودي وبليغ حمدي "موال النهار" وحكايتها كما قلت، ونماذج من أغاني عن الزعيم جمال عبد الناصر، ليعود إلى الكأس والشراب والأغاني عنهما بين المطربين، ثم حكاية أغنية هو صحيح الهوي غلاب، لننتقل إلى موجة التخلف مع الشيخ كشك، وهجومه الضاري على الغناء في السبعينات، كنتاج للتحالف بين السادات والإخوان المسلمين  الذي أعاد البلاد إلي الصحراء التي لم نعرفها، ونماذج من شتائم الشيخ كشك في المطربين مثل عبد الحليم وأم كلثوم، وكيف تم تشويه بعض الأغاني في الإذاعة، فمُنِعَت أو حُذِفَت مقاطع منها، تماما كما فعلت ثورة يوليو بالأغاني التي جاء فيها ذكر الملك فاروق، أو العائلة المالكة. نعود إلي ليلة العيد وأغانيها وعلي رأسها "يا ليلة العيد آنستينا" لأم كلثوم وتجمع الناس في البيوت لسماعها. كل ذلك عاصرته في صباي وشبابي، فأعادني الكتاب إلى الكثير من الذكريات التي كانت أيضا جانبا من رواياتي، وتصورت أني بكتابة الروايات سأنساها لأن من شاركوني فيها رحلوا تقريبا جميعا عن الحياة، لكن الكتاب أيقظ بيوتها حولي في الفضاء من جديد.  

الشعب الذي أبدع في كل زمن


ننتقل إلى الفصل الثاني بعنوان "الشعب الذي أبدع في كل زمن" فندخل مع أغاني النيل وعلاقة الناس به في الحياة منذ الفراعنة والأساطير حوله مثل أسطورة عروس النيل غير الحقيقية، وكيف هو أيضا نهر لخصب المرأة بعادات شعبية يذكرها بالتفصيل. نماذج من القصائد عن النيل، وبعدها نماذج من الغناء للأقباط والوحدة الوطنية منذ سيد درويش حتي هزيمة 67 وأغاني تجمع ما بين الكنيسة والجامع. تأخذ أغاني الغربة والسفر والحنين مساحتها. الغربة هنا لم تكن في السفر إلى الخارج ذلك الوقت المبكر، لكن كانت في الانتقال إلى محافظة أو مدينة أخرى للعمل، فالمصريون علي طول التاريخ لا يحبون الغربة.

 بالمناسبة كلمة فلاح قراري جاءت من كونه لا يغادر بلده. طبعا نماذج الأغاني كثيرة مثل "يامسافر وحدك لعبد الوهاب" أو" على بلد المحبوب وديني" لأم كلثوم، أو أغاني لفريد الأطرش أو عبد السروجي وغيرهم كثير حتى نصل إل محمد ثروت. اترك لك دائما استكمالها بقراءة الكتاب الذي هو اقرب للموسوعة الروحية كما قلت عن مصر وأهلها. كذلك جولة مع أغاني النوبيين مع الغربة خاصة بعد إنشاء سد أسوان عام 1902 مما أضطرهم للرحيل، وبعده السد العالي بالمناسبة. نماذج من أغاني المغني النوبي الكبير أحمد منيب مثل " مشتاقين للبيت .. لنبع الحبايب .. لبلاد النخيل والغيط". ثم يأخذ الرقص مساحته في الغناء، وكيف سبقت لغة الجسد لغة الكلام. تاريخ صور الرقص في جدران المعابد الفرعونية ورحلة في الزمن كالعادة. الموالد ومولد سيدي صلاح في بلدته الباجور، وما كان يحدث كنموذج على الاحتفال. الأغاني في الموالد واحتفالهم في البيت والإنشاد الديني. كذلك تحتل فلسطين مساحتها بين الغناء والأوبريتات، وكيف صارت الأغاني بعد حرب 1948 كذلك بعد الكفاح المسلح مع منظمة التحرير الفلسطينية.

 نماذج من أغاني أيام النصر والهزيمة لفيروز وأم كلثوم وعبد الوهاب وغيرهم مثل الشيخ إمام وأغانية لقصيدة الشاعر الفلسطيني توفيق زياد " أناديكم أشد على أياديكم" وغيرها مثل" يا فلسطينية وانا بدي أسافر حداكم " من كلمات أحمد فؤاد نجم. يقطع السياق ربما كنوع  من الإثارة والتشويق بأول أغنية منعتها الرقابة. وهنا تاريخ أغاني الأفراح في مصر، وتشبيهات العروسة عبر التاريخ، وخاصة مع القرن التاسع عشر. التشبيهات التي وصفت بطنها بالعجين الخمران، وسرتها بالفنجان، وصدرها بالرمان، وغيرها. الأغاني في ذلك وكيف توجه بعض المشايخ إلى محمد علي حاكم البلاد ليمنع هذه الأغاني الهابطة من نوع "النحل قرصني ياهوه" التي تشير فيه الراقصة إلى كل منطقة في جسدها وتتألم في غنج، فأصدر محمد علي أمره بالقبض على الراقصة التي تغني وتفعل ذلك، وترصُّد الفرق التي يشيع فيها هذا الغناء. كيف رغم ذلك لم تنتهي هذه الأغاني فتغني منيرة المهدية في أول القرن العشرين "بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة" ليونس القاضي، حتي أم كلثوم في بداياتها غنت " الخلاعة والدلاعة مذهبي" ويغني سيد درويش في اغنيته الرائعة " على قد الليل ما يطوِّل" مقطع "شفتي بتاكلني أنا في عرضك". ننتقل إلى حكاية بردة البوصيري في مدح الرسول، وكيف حاكاها أحمد شوقي في قصيدته "نهج البردة".

 يأتي الأمل أيضا في الأغاني. للأمل مفردات تتجلى في أسماء البنات، منى وأمنية وأحلام وأماني وغيرها تعبيرا عن الأمل. سن الزواج للبنات كانت فيه أغنيات أيضا، وحديث عن القوانين في الأمر وكيف حددته إذ كان الشائع هو تزويجهن في سن مبكرة بمجرد البلوغ، وكيف رفض العُرف القوانين، أو كما قال المطرب عبد الباسط حمودة" أكتب لنا يا قاضي كتب الكتاب الليلة .. مادام أبوها راضي وراضية كل العيلة".

دولة التلاوة


تحتل دولة التلاوة مكانها في الكتاب. حديث رائع عن المقرئين المصريين وخصائص قراءاتهم عبر التاريخ لنصل إلى عصرنا الحاضر ونجومه مثل محمد رفعت ومحمد صديق المنشاوي ومصطفي اسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وغيرهم. ومجهولون في الاذاعة مثل الشيخ عنتر مسلّم الذي طبقت شهرته الآفاق. في حديث تالي يتحدث عن الفارق بين التلاوة المصرية بنت المجتمع الزراعي المستقر، وتلاوة البداوة التي جاءتنا من الجزيرة العربية بما فيها من خشونة الصوت وتكلف البكاء وكيف حاولت القضاء على التلاوة المصرية.
انتظر أيها القارئ الجميل فالكتاب لم يترك شيئا، وما أكتبه هو غيض من فيض عاطر. نذهب في رحلة مع أغاني الصعيد وأغنيات لناصر المستبد المحبوب، ليقف عند أغنيات ثورة يناير لعشرات المبدعين مثل أحمد اسماعيل وفرقة اسكندريلا وغيرها، وأغاني الشيخ امام التي ترددت في الثورة، وكذلك أغاني سيد درويش وأسماء مثل سلمى الصباحي ومصطفي سعيد وعايدة الأيوبي ونماذج كثيرة من أغاني الثورة.

مرسي جيل عزيز

ننتقل إلى الفصل الثالث عن عظماء من الثقافة إلي الإبداع. حديث عن مرسي جميل عزيز فارس الكلمة في السينما المصرية. ميلاده ونشأته وثقافته وأغانيه لعبد الحليم ومسيرته معه في أفلامه، وإسهام السينما في انتشار الغناء عن العواطف الإنسانية الجميلة. نماذج أخرى لمن غنى لمرسي جميل عزيز مثل فايزة أحمد في "أنا قلبي لك ميال" وغيرها، ثم نقف مع رحلة محمد القصبجي في الموسيقي، ثم عبد الحليم الذى علم الناس الحب بأغانيه الرومانسية ورقق مشاعرهم. هكذا رحلات مهمة مع بيرم التونسي والشاعر جمال بخيت والشيخ الطبلاوي لنقف عند الشيخ أمام فنان الشعب، ونعود إلي الشعر مع سيد حجاب. ثم رحلة رائعة مع كابتن غزالي بعد هزيمة 1967 وفرقة السمسمية وأغانيها بين الحصار وأيام حرب الاستنزاف. من الطرائف عن الشيخ أمام أن الشيخ زكريا أحمد عرفه في سن مبكر وأخذه للعمل معه، لكن الشيخ أمام سرب للمقهي لحنا من ألحان الشيخ زكريا لأم كلثوم وهو أغنية" أنا في انتظارك". غناها في المقهي قبل أن تغنيها أم كلثوم في حفلتها، فعرف الناس الأغنية قبل موعدها. دون أن يدري الشيخ أمام فهو لا يرى طبعا، سجل صاحب المقهي الأغنية، وأوصلها للشيخ زكريا، فضرب الشيخ زكريا الشيخ إمام علقة موت وطرده.

 وقفة مع أغنية "واه ياعبد الودود ياواجف علي الحدود" للشيخ إمام. تعرف منها أنه كان جنديا حقيقيا احتفظ برأس جندي إسرائيلي مجمدة في الملح ، ليعود بها إلى أهله انتقاما من استشهاد أخيه من قبل. هي حكاية حكاها لكمال مغيث  الشاعر والكاتب والضابط السابق في حرب أكتوبر عبد العزيز موافي صاحب الرواية الرائعة " الطريق إلى رأس العش". 

ننتقل إلى الفصل الرابع ليتحدث عن هرمي الغناء، أم كلثوم وعبد الوهاب بشكل تفصيلي. عما وراء  بعض الأغنيات وعن ليلة غناء الست في مصر، وكيف كانت تخلو الشوارع وتستعد البيوت. حيرة الجمهور بين أم كلثوم وعبد الوهاب حتي جمع جمال عبد الناصر بينهما في أغنية "أنت عمري" عام 1964 . تفاصيل الحب المكتوم لأم كلثوم من أحمد رامي وتجلياته في الأغاني، لنصل إلى الفصل الأخير عن الأغنية الوطنية التي جاء ذكرها من قبل متفرقة، لكن هنا بتركيز خاص. 

الكتاب في النهاية رحلة فائقة الجمال والقدرة البحثية تستحق كل احتفاء.