المرأة بين عصور وسطى وعصر حديث: لماذا لا نعترف بالنساء كخيار جيد للقيادة؟

ذات مصر

تأتي كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كأول امرأة ملونة تُنتخب لشغل ثاني أقوى منصب في الولايات المتحدة. 

يبدو هذا الإنجاز متناغمًا تمامًا مع الحضور المتزايد للمرأة على المسرح السياسي في السنوات الأخيرة، بدءًا من فوز هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي في انتخابات الرئاسة الأمريكية في عام 2016، ومرورًا بإعادة انتخاب جاسيندا أرديرن مؤخرًا باكتساح لمنصب رئيس وزراء نيوزيلندا، ووصولاً إلى فوز نائبات "الفريق" التقدمي (Squad) الأربع بولاية تمثيلية أخرى في مجلس النواب الأمريكي. 

كامالا هاريس

لا تكمن الدلالة التاريخية لهذه الانتصارات في السلطة التي تمارسها هؤلاء النساء فحسب، وإنما أيضًا في الطريقة التي وصلن بها إلى مناصبهن. فمن الناحية العملية، قبضت النساء على امتداد التاريخ البشري، وفي جميع أنحاء العالم، على زمام السلطة السياسية (أعاد جيسون بوراث سرد بعض قصص هؤلاء بصورة إبداعية في كتابه Rejected Princesses). 

لكن، في القرن الحادي والعشرين، تحقق النساء نجاحات كبرى في تغيير تقليد قيادة "المتحيز جنسيًّا والعنصري والعتيق" الذي هيمن على الديمقراطيات الغربية (رغم ذلك، تضم قائمة "الدول التي كسرت حاجز 50% إناث في هيئاتها التشريعية" رواندا وكوبا وبوليفيا فقط). لكن، يبقى سؤال "لماذا يجب أن نختار النساء لتولي المسؤولية؟" الذي تثيره الأنظمة السياسية الديمقراطية، أكثر تعقيدًا بكثير مما إذا كان بإمكان المرأة ممارسة السلطة أم لا. 

كتاب Rejected Princess (2016) الإرث مقابل التعيين

هذا هو السؤال الذي اشتبكت معه النخبة والمجتمع على مدى زمن طويل، كما تُظهر حالة الخلافة المتنازع عليها في فرنسا في القرن الرابع عشر. ففي عام 1341، مات دوق بريتاني دون أن يترك أبناء ذكورًا يرثوا عرشه على الدوقية. وفي السنوات السابقة على موته، كانت الفرضية الرائجة هي أن ابنة أخيه، جين دي بينثيفر، سوف تخلفه على عرش الدوقة. 

لكن، في الوقت نفسه، خشي الناس أن يتنكر الأخ الأصغر غير الشقيق للدوق، جان دي مونتفورت، لحق ابنة أخيه، ويحاول الاستيلاء لنفسه على عرش بريتاني، وهو ما حدث بالفعل لاحقًا. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي ينتزع فيها عم مجرد من المبادئ، السلطة من بين يدي قريبة أصغر سنًّا يحق لها الميراث لمجرد كونها أنثى. 

فقبل عقود قليلة من هذه الحادثة انتزع فيليب كابيه تاج فرنسا في عام 1316 من وريثته الشرعية جين، ابنة أخيه. ومن المفارقات أنه بعد 6 سنوات فقط حرم تشارلز، أخو فيليب الصغير، بنات الأخير أيضًا من ميراث التاج. ساعد هذا الحرمان "المزدوج" من الميراث على ترسيخ مبدأ عدم إمكانية توريث امرأة (أو حتى نسل امرأة من الذكور، كما تقرر بعد ذلك) حكم مملكة فرنسا. 

لكن العرش الفرنسي ظل استثناء من قاعدة، فلم تتقيد الممالك المجاورة، ناهيك بالدوقات والمقاطعات والإمارات الصغيرة التي تألفت منها مملكة فرنسا ذاتها، بذلك القيد. ونتيجة لذلك، لم تصل محاولة جان دي مونتفورت لانتزاع عرش بريتاني من جين دي بينثيفر إلى ذات النهاية. 

ولكسب النزاع على العرش، قدم كل طرف الحجج القانونية التي تدعم مطالبته بالحكم أمام محكمة الملك في باريس. 

وقد أثارت هذه القضية عددًا من الموضوعات المختلفة، لكن ركنًا ركينًا من الحجج التي ساقها جان دي مونتفورت ارتكز إلى نوع (جنس) جين. 

فالمرأة لا تستطيع –في زعم جان دي مونتفورت– أن ترث نظامًا سياسيًّا مهمًّا وقويًّا مثل دوقية بريتاني، لأن الدوقية تعني ممارسة سلطات عسكرية وقضائية ترتبط جوهريًّا بوجود ورفاهية المملكة ككل، والنساء أضعف من أن يحملن السلاح، وأكثر مزاجية من أن يصدرن أحكامًا قضائية، وليس من المفترض أن يمارسن أي شكل من أشكال السلطة على الرجال. 

وبهذا المنطق، لم تكن جين مؤهلة للاستخلاف. لم يبدع محامو جان دي مونتفورت أيًّا من هذه الأفكار التي لاقت رواجًا واسعًا لدى مجتمع العصور الوسطى. رغم ذلك، كانت مشكلة هذه الأفكار تكمن في عدم توافقها مع الواقع، وهو ما كان يعرفه هذا المجتمع حق المعرفة. 

فالنساء يستطعن أن يكن -بل وكن بالفعل- دوقات على عرش بريتاني، كما أشار محامو جين دي بينثيفر. والأهم من ذلك أن دفوع محامي جين كانت لها وجاهتها غير الخافية. فقد اعتادت الدوقات إرسال أزواجهن، أو أي بديل آخر، في حال طُلبن لإنجاز مهام لا يستطعن إنجازها، مثل أداء الخدمة العسكرية.

كما كان هذا النوع من "الاستبدال" معتادًا، ليس فقط مع النساء، وإنما أيضًا مع شرائح أخرى مثل القساوسة وكبار السن وغيرهم ممن لا تسمح لهم أوضاعهم المختلفة بالقتال. 

وبينما لم يركز المحامون –بناء على ذلك- على تفكيك فرضية كراهية للنساء التي ارتكز إليها الجدل الأصلي، أكدوا أن "إشكالية الخدمة العسكرية" لم تكن بالأساس قضية جندرية. لكن في نقاشاتهم حول العدالة والسلطة، كان التمييز الذي قدمه محامو جين كاشفًا ومعبِّرًا. 

فقد أقروا بأن المرء لا يمكن أن يختار امرأة عن عمد وتروٍّ لتكون قاضية، لكنهم ذكروا صراحة أنه عندما ترث المرأة، فإن بإمكانها ممارسة العدالة. 

وإذا كان من الطبيعي أن يكون المعينون للإدارة العامة رجالاً، لأن الحاكم الجيد سيعمد بالضرورة إلى اختيار "الأصلح"، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالإرث "النبيل" الذي تنتقل فيه السلطة بالدم وليس بالتعيين، فإن حقوق المرأة في السلطة العامة تكون سارية المفعول ومحفوظة كحقوق الرجال. 

ربما كان من المفارقات إلى حد ما انحياز ملك فرنسا في ذلك الوقت إلى جين، ومنحها دوقية بريتاني (رغم أن ذلك كان يرجع في المقام الأول إلى أسباب سياسية وليست قانونية). 

وإجمالاً، احتفظت جين بالدوقة لأكثر من 20 عامًا حتى تعرضت للغزو على يد ابن جان دي مونتفورت (كان يسمى أيضًا "جان")، وانتهى الأمر ببسط الأخير سيطرته على الدوقية في عام 1364. 

لكن القضايا التي وقع بشأنها النزاع أمام المحكمة في عام 1341 تُظهر أن الأمر -وفقًا لإحدى وجهات النظر- لم يكن يتعلق بالأساس بما يمكن أن تفعله المرأة حال توليها السلطة، بقدر ما كان متعلقًا بطريقة انتقال هذه السلطة إليها. وبعبارة أخرى، انتقلت المشكلة من "المرأة القائدة" ذاتها إلى "اختيار المرأة للقيادة". 

كان لهذا التمييز آثاره التي امتدت إلى ما هو أبعد من قاعات المحاكم. ففي الوقت الذي اقتصرت فيه إدارات حكام القرون الوسطى، بدءًا من المجلس الملكي ونزولاً إلى ممثليه في المناطق والأقاليم، على الرجال فقط من دون النساء، كان المشهد الاجتماعي للُّوردية (ملكية الضيع والأراضي) أكثر تنوعًا. 

قد يكون من الصعب تقدير التوجهات الاجتماعية واسعة الانتشار في العصور الوسطى، إلا أن بعض المصادر يمدنا بنماذج تاريخية جيدة لما كان يحدث على الأرض. 

أحد هذه النماذج يطل برأسه من عام 1389، عندما قام الملك تشارلز السادس بجولة كبيرة داخل مناطق حكمه في جنوب فرنسا. في أثناء هذه الجولة، حضر أكثر من 400 عضو من الطبقة الأرستقراطية المحلية لتقديم فروض الولاء لملكهم، وهو ما كان يمثل ضرورة قانونية حتى يتسنى لهم الاحتفاظ بأراضيهم، وفي الوقت نفسه فرصة نادرة لمقابلة الملك شخصيًّا. 

وأجرى محاسبو الملك حصرًا دقيقًا شمل كلا من الحضور والأراضي التي يحوزونها من الملك، وهو ما قدم لنا صورة مفصلة عن النخبة المحلية. تسلط هذه السجلات الضوء على السبل التي كان يمكن للمرأة أن تسلكها لممارسة السلطة اللوردية. 

وبلغ بعضهن هذا المبلغ عبر وصايتهم على أطفال قُصَّر (عادة أبنائهن أو بناتهن)، وامتلك البعض الآخر الأرض كأرامل، فقد كانت تُخصص للمرأة في هذا الزمان ممتلكات من الأراضي على سبيل المهور، في ما يشبه معاشات التقاعد، حتى الموت. 

لكن الطريقة الأكثر شيوعًا حتى تصير المرأة "لورد"، كما هي الحال مع نظرائها من الرجال، كانت من خلال الميراث المباشر. وإجمالا، شكلت النساء 22% من اللوردات. 

أنجيلا ميركل

وقد جرت إحصاءات مشابهة لمناطق أخرى في فرنسا. ففي القرنين الثاني عشر والثالث عشر كان نحو 20% من الإقطاعيين في مقاطعة شامبين من النساء. ولا تختلف هذه النسبة كثيرًا بالنسبة إلى اللورديات التي حصلت عليها النساء في إنجلترا عن طريق الوراثة. 

قد تبدو هذه النسب مرتفعة إلى حد مثير للدهشة لأننا اعتدنا تصوير اللوردية في القرون الوسطى كعالم ذكوري خالص. لكن هذه الدهشة تتراجع عند وضع هذه النسب في سياق ما كانت تعنيه كلمة "الميراث". 

فبينما لم تتمتع الابنة بالمساواة القانونية الكاملة مع الابن في تنافسهما على ثروة الآباء، كانت العوامل الاجتماعية والبيولوجية تشير إلى أن 20% من الأسر ليس لديها أبناء ذكور، وهو النمط الاجتماعي الذي يتكرر أيضًا في المجتمعات الحديثة. 

ومع ذلك، فإن الأهم هو المقارنة بين هذه النسبة الثابتة إلى درجة مدهشة من جانب، والنسب الحالية للنساء في المناصب عبر الانتخابات من جانب آخر. 

فعلى المستوى العالمي، تفيد تقارير صادرة عن الأمم المتحدة بأنه "اعتبارًا من فبراير/ شباط 2019، بلغت نسبة النساء في البرلمانات المحلية 24.3% فقط، بمعدل زيادة طفيف عن 11.3% في عام 1995". 

وبينما يرتفع هذا المعدل نوعًا ما في أوروبا الغربية ليصل إلى 33.4%، يقف في مجلس النواب الأمريكي عند 23.2% وفي مجلس الشيوخ عند 26%، مع الوضع في الاعتبار أن هذه المعدلات آخذة في الارتفاع. 

وفي الوقت الذي ولدت فيه (باعتباري من جيل الألفية) كانت النساء يشكلن 5% فقط من الكونجرس الأمريكي، وهي نسبة لا تصمد أمام المقارنة مع عدد النساء اللاتي قدمن فروض الولاء لملك فرنسا قبل 600 عام من الزمان. 

وبينما لا تمكن مضاهاة الدور الذي يضطلع به المُشرعون في العصر الحديث بذاك الذي اضطلع به اللوردات في القرون الوسطى، تُظهر المقارنة جانبًا آخر من أسباب فشل السياسات الديمقراطية في تحسين أحوال المرأة مباشرة. 

وتتفاقم المشكلة كلما تعاظمت أهمية المنصب محل النظر. على سبيل المثال، في عام 2019 كان 6.6% فقط من رؤساء الدول المنتخبين من النساء، وهي نسبة أقل مما كانت عليه في عامي 2017 و2018.

وبالمثل، تتراجع نسبة النساء المعينات في مناصب وزارية بدرجة طفيفة عن نسبة تمثيلهن في الهيئات التشريعية، حيث تبلغ 20.7%، خاصة إذا كانت المناصب الأرفع محل الاعتبار. 

ليست هذه بالمشكلة الجديدة. ومرة أخرى، يمكن أن تسلط النماذج التاريخية الضوء على النقاط الشائكة الخاصة بالمناصب الانتخابية. فالنساء (والرجال) اللاتي قدمن فروض الولاء للملك تشارلز في عام 1389، كن في العموم من صغار الملاك، كما أن المخاطر المنخفضة ساعدت في جعل قضية ميراث المرأة للأراضي والضيعات أقل تعقيدًا. 

لكن -كما رأينا قبلاً- كشف النزاع على الخلافة في بريتاني عن مخاوف بشأن ما يمكن أن يحدث في حال ورثت امرأة إمارة كاملة. وفي الوقت نفسه تقريبًا، مُنعت نساء من حقهن في وراثة عرش فرنسا، رغم أن عقيلات الملوك والملكات الوصيات على العرش كان بإمكانهن، بل ومارسن بالفعل سلطات موسعة ومعترف بها علنًا. 

إن إقصاء المرأة عن مناصب السلطة العليا يعزز الفكرة المثالية عن القيادة باعتبارها ذكورية خالصة وليست أنثوية، وهو ما يجعل بدوره أمر اختيار قيادات نسائية أكثر صعوبة.. إنها حلقة لم نتمكن بعد من كسرها.

هل بالإمكان تغيير مزيد من الأشياء؟

من دون أن ننكر ما تحقق من تقدم ملموس في مجال الممارسة السياسية للمرأة عبر المناصب الرسمية، فإن أوجه التشابه الفضفاضة مع العصور الوسطى تساعد على إضافة مفاهيم جديدة للتمثيل المنخفض حتى الآن للمرأة في الحكومات. 

فعلى مدى التاريخ كان يمكن أن تعد المرأة لمناصب السلطة عبر الميراث حتى لو لم تكن الأعراف الاجتماعية لتختارها لهذه المناصب. لكن فتح أبواب المناصب الانتخابية أمام المرأة لم تنتج عنه إعادة توازن كبيرة للمشهد السياسي كما كان متوقعًا. 

لذلك، فإن علينا ليس فقط التفكير في إتاحة السبل أمام القيادات النسائية للوصول إلى السلطة، وإنما أيضًا في تغيير النظرة الاجتماعية للمرشحات من النساء باعتبارهن بدائل لا ترقى لمستوى نظرائهن من الرجال. إن عدم رغبتنا في النظر إلى المرأة كخيار جيد للقيادة لا يزال يمثل مشكلة حقيقية في كيفية استمرارنا كمجتمع في محاصصة السلطة. 

وتبرز هذه المشكلة بدرجة أكبر في المجتمعات الديمقراطية. فبينما نتعلم جميعًا قصة الكفاح المرير من أجل حصول المرأة على حقها في التصويت واختيار القيادات، تبقى قصة النضال المستمر من أجل اختيار المرأة للمناصب القيادية غير واضحة المعالم. 

ومثلما أدت الآليات غير الانتخابية إلى تقلد نساء العصور الوسطى بعض السلطات اللوردية، فإن تدابير مثل "كوتة المرأة" في الاتحاد الأوروبي في السياسة ليست سوى خطوة بالغة المحدودية على طريق مواجهة إحجامنا المستمر عن رؤية سياسيات من النساء كمرشحات جديرات بالمنصب. 

وختامًا، انتخاب المرأة ليس غاية في ذاته، تمامًا مثلما لم يكن وجود اللوردات الإناث في مجتمع العصور الوسطى مؤثرًا في جعل هذا المجتمع أكثر عدلاً. فمن ناحية، يدفع التفكير في الجندر فقط إلى إهمال تحيزات أخرى تؤثر على اختيارنا للحاكم، مثل العرق وبنحو أكثر تحديدًا كراهية السود. 

ويحتاج المرء فقط إلى النظر إلى الأحداث الأخيرة ليدرك لماذا يمكن أن يشكل تعيين المرأة الخطأ كارثة على حقوق المرأة، رغم أنه حتى في حالات أقل تطرفًا، كان يجري تفضيل بعض النساء منهجيًّا على حساب أخريات. 

لذلك، فإن الهدف لا يجب أن يتمثل في تعزيز الأوليجاركيات (النخب الحاكمة) الحالية من خلال مشاركة المرأة فيها لتكرار نموذج التضامن الاجتماعي الذي ربط السيدات النبلاء في العصور الوسطى بأقرانهن من الذكور بدرجة أوثق منه بأقرانهن من النساء من الطبقات الأدنى. 

ومع ذلك، فإن عملية اختيار القيادات النسائية تساعد على إعادة تشكيل السردية المتجذرة حول تبعية النساء، ومن ثم فإنها تتطلب منا أن نعترف بقدرتهن طوال الوقت على القيادة.