العلم بالكيلو في وزارة التربية والتعليم.. استبعاد أصحاب الوزن الزائد والحوامل من التعيين
قبل أكثر من عام أعلنت وزارة التربية والتعليم فتح باب التقدم لمسابقة التعاقد مع 30 ألف معلم رياض أطفال ومعلم فصل، في يوليو 2022، موضحة أن هذه المسابقة سيكون لها إجراءات وشروط صارمة، تضمن اختيار الكفاءات فقط، وتمنع الوساطة والمحسوبية، بجعل التقديم والاختبارات إلكترونية بالكامل.
«التعليم» قررت حينها تطبيق نظام جديد لم تشهده مسابقات التوظيف الحكومية في مصر من قبل، بإدخال القوات المسلحة عبر الكلية الحربية طرفاً في اختيار المتقدمين لشغل الوظائف ومن بينهم المدرسين، وإجراء كشف هيئة للمتقدمين، واستغرب الكثيرين من القرار لكنهم قبلوا به.
«التعليم» بدأت مؤخرًا إجراء كشف الهيئة في الكلية الحربية، ليفاجئ بعض المتقدمين من أصحاب الوزن الزائد، والسيدات الحوامل، باستبعادهم من الاختبارات.
وقف التعيينات وتسول الوزارة
مبادرة تعيين 30 ألف معلم سنويا، ولمدة 5 سنوات، جاءت بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، لحل مشكلة عجز المعلمين، الذي يدور وفق تقديرات كثيرة- حول 500 ألف معلم ومعلمة. في وقت ندر فيه التعيين الحكومي في المدارس، بعد توقف تكليف خريجي كليات التربية منذ أواخر القرن الماضي.
التعيين في وزارة التربية والتعليم، صار عن طريق المسابقات التي كان آخرها عام 2014، وتوقفت حتى المسابقات في ظل إجراءات تقشفية تستهدف خفض عدد الموظفين في الجهاز الحكومي، وفتح الباب لتعيين معلمين لمدد قصير «دون مقابل»، لكن إعلان التعليم في يوليو الماضي فتح باب أمل جديد لكل الخريجين الراغبين في العمل بالمدارس الحكومية.
تحكى نهال زيدان، إحدى المتقدمات للحصول على وظيفة مدرس رياض أطفال، أنها استبشرت خيرًا بإعلان وزارة التربية والتعليم عن مسابقة لتعيين 30 ألف معلم على مستوى الجمهورية، أملًا في تحقيق حلمها بالتعيين رغم تخرجها منذ عام 2013، لكنها لم تتخيل ما حدث لها بعد أكثر من عام من الاختبارات والتدريبات والكشوف الطبية التي اجتازت جميعها بجدارة.
شروط التعليم.. ومفاجأة النهائية
التعليم اشترطت مع إعلان المسابقة أن يكون التقدير العام للمتقدم على الأقل جيد، وألا يزيد السن عن 35 سنة، وأن يكون المتقدم حاصلا على بكالوريوس التربية تخصص رياض الأطفال، وغيرها من المؤهلات التي تتطلبها الوظيفة، لكنها لم تذكر شروط الوزن أو عدم الحمل نهائيًا، أو حتى إقامة الاختبارات البدينة والذهنية داخل الكلية الحربية.
كل ما ذكرته الوزارة في إعلانها أن المتقدم يجب أن يجتاز اختبار التنظيم والإدارة في القاهرة ليحصل على الوظيفة وأنه هو الفيصل الوحيد للحصول على الوظيفة. ثم بعد تحديد موعد الاختبار، ذهبت للاختبار واجتزته.
كان اختبار نهال، ابنة محافظة البحيرة، خلال الفترة بين 3 و5 سبتمبر، وفق الجدول المقسم وفقاً للمحافظات، وتضمن العديد من الاختبارات التربوية والسلوكية والتخصصية واللغوية والمعرفية والتكنولوجية، والتي اجتازتها نهال بنجاح لتستعد للالتحاق بالوزارة.
تستكمل نهال، أن الوزارة أبلغتها باستلام الوظيفة بداية من الفصل الدراسي الثاني لعام 2022/ 2023، لكن فوجئت بعد بداية الفصل الدراسي الثاني، بوجود تدريب تربوي لمدة أسبوع يجب اجتيازه، وبالفعل حضرته واجتازته، لتخبرها الوزارة بوجود تدريب بدني وذهني، واختبار آخر طبي في الإدارة، بالإضافة إلى كشف هيئة وتدريب رياضي في الكلية الحربية.
حضرت نهال اختبارات كشف الهيئة، لكنها فوجئت باستبعادها -رغم التأكيدات التي حصلت عليها في الكلية الحربية "كله هيجيله هيئة بعد العيد"- بسبب "الوزن الزائد" وآخرين استبعدوا أيضًا بسبب "الحمل"، وأعلنت الوزارة تأجيل توظيف الحوامل ومن لديهم موانع صحية لحين انتهاء هذه الموانع.
همٌ بالليل ومذلةً بالنهار
أغلب المتقدمين لمسابقة التعليم ينتمون إلى محافظات بعيدة عن القاهرة بمئات الكيلو مترات، وتدفعهم رغبتهم إلى السفر لساعات طويلة في رحلات تبدأ قبل الفجر بساعات قليلة، أو حتى قبل يوم كامل للوصول إلى مقر الاختبارات، فضلًا عن تحملهم تكاليف انتقالهم وإقامتهم في العاصمة لليالي أو أيام، لكن شروط الوزارة الأخيرة وقفت حائلًا بينهم وبين أحلامهم وأهدرت مجهودهم وأموالهم دون رحمة أو عذر مقبول.
تحكي نهال أنها كانت تخرج منزلها في الواحدة بعد منتصف الليل تاركة أطفالها وزوجها، للحضور إلى الكلية الحربية في الموعد المحدد عن السادسة صباحًا، فضلًا عن غيرها من المتسابقين والمتسابقات الذين دفعتهم رغبتهم إلى السفر لمدة 10 ساعات أيضًا من أجل الحضور.
فوجئت نهال ومئات غيرها من المتقدمين باستبعادهم من المسابقة والاختبارات لأسباب يرونها غير منطقية «وزن زائد - حوامل - أمهات حديثي الولادة»، ليصرخوا لإيصال شكواهم إلى الوزير والمسؤولين في الوزارة عن عدم «آدمية» شروط الوزارة غير المعلنة.
التعليم: «خسوا الأول»
بعد انتشار الشكاوىـ قال وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، رضا حجازي، إنه ستتاح الفرصة للمعلمين والمعلمات الجدد لاستكمال الاختبارات المتبقية لهم في المسابقة الذين حالت ظروفهم الصحية دون استكمالها والتي تتعلق بـ( الحمل - الولادة - الوزن الزائد).
وبين الوزير أنه سيجرى التواصل مع مجموعة المعلمين والمعلمات الذين حالت ظروفهم الصحية دون استكمالهم باقي الاختبارات، من قبل المنسقين المختصين في الوزارة لتوضيح الخطوات المقبلة ومواعيد استكمال الاختبارات عقب انتهاء ظروفهم الصحية.
وأشار الوزير إلى أن رؤية الوزارة ترتكز على اختيار معلمين يتمتعون بمهارات مهنية، ومعارف متجددة، وقيم وسلوكيات مهنية سليمة ولديهم القدرة على تنمية مهاراتهم بشكل متواصل حتى يتمكنوا من مواكبة أساليب التعليم الحديثة، وبما يمكنهم من بناء شخصية الطفل وتطوير قدراته من جميع الجوانب المعرفية والمهارية وإعداده للمستقبل.
لم ترض نهال برد وزير التعليم، لترد قائلةً: لما أنا عندي ظروف صحية ليه توديني من قرية في البحيرة إلى القاهرة؟، أنا تخيلت إن بعد اجتيازي كل الاختبارات أن حلمي تحقق وينتظرني فقط بعض التدريبات الذهنية والبدنية لأكون ضمن صفوف الوزارة وأؤدي رسالتي التي تعلمت لأجلها».
وأضافت: «أنا مش ضد اختبارات كشف الهيئة، لكن كان يجب أن تعلن الوزارة الشروط كاملة وبوضوح، وأن تعيّ الوزارة أن زيادة الوزن أو الحمل أو الولادة ليس عيبًا في الإنسان يعاقب بسبب في رفض تعيينه»، متسائلةً: «أين احترام إنسانيتنا؟».
غموض التأجيل.. وتاريخ الوزارة الأسود
لم تحدد الوزارة مدة معينة عن فترة التأجيل لأصحاب الموانع الصحية، وفسر الكثيرون تصريحات الوزير بأنها «مسكنات» لتجاوز «الموجة الغاضبة»، فتقول نهال: «الوزير لم يحدد مدة معينة لانتهاء مدة التأجيل، وترك الموعد مفتوح، ورغم نجاحي في إنقاص وزني لكن لا أعلم موعد إجراء الاختبار مجددًا».
وتابعت: «لا أثق في مسؤولي وزارة التعليم نهائيًا، ففي عام 2019 نجحت في اجتياز اختبارات مسابقة تعيين 36 ألف معلم، لكن لم أحصل على الوظيفة، وفي العام التالي أعلنت الوزارة عن تعيين 120 ألف معلم، واشترطت التسجيل عبر (بوابة النصب) -البوابة الإلكترونية- لجمع رسوم التسجيل المقدرة بـ200 جنيه، ومثلها في نقابة المعلمين».
شروط الوزارة بالحصول على دورات في اللغة العربية و“ICDL”، بالإضافة إلى إجراء اختبار نفسي في أكاديمية المعلمين بالسادس من أكتوبر تكلف نحو 150 جنيه، وتحدد في فبراير 2020، كلف نهال نحو 5 آلاف جنيه «استلفهم زوجها» لتتمكن من إكمال الأوراق والاختبارات المطلوبة.
لم تتوقف محاولات نهال رغم السلف والدين، فقدمت في آخر مسابقة أعلنتها الوزارة واجتازت الاختبارات ووُضعت على قوائم الاحتياطي، ورغم أن مديرية التعليم في البحيرة احتاجت لمعلمين بعدها، إلا أنها لم تلتفت لقوائم الاحتياطي، وعينت خريجين جدد، لتختتم نهال حديثها قائلة: «الوزارة ملهاش كلمة».
