عمار علي حسن يكتب: مطلوب مُدرسة خفيفة الوزن!!
آخر ما كنا ننتظره في هذا الزمن، أن توزن المعلمات أو المدرسات، كأنهن معروضات للذبح في شوادر الجزارة، ولا يكون الميزان منصوبا فقط ليُقدر ما في رؤوسهن من معرفة، وما في نفوسهن من سويّة، وما في قلوبهن من إخلاص لمهنتهن ومهمتهن السامية، التي لا يُنذر إليها شخص، ويؤديها على خير وجه، إلا رفعته في عيون من يدركون قيمة العلم في الدنيا، وفتحت أمامه أوسع باب إلى الفردوس في الآخرة.
بُحت أصوات المخلصين من أجل الالتفات إلى التعليم لإنهاضه فتدب الحياة عفية في أوصال كل شيء في بلادنا وتدفعه إلى الأمام، وقال العارفون المطلعون على تجارب الأمم إن "المدرس" هو الركن المتين في عملية التعليم برمتها، فإن كان على قدر المهمة المسنودة إليه قطعنا أكثر من نصف الطريق إلى تعليم جيد.
ومع نقص المدرسين، الذي دفع وزارة التربية والتعليم، إلى أن تطلب متطوعين قبل عام، اغتبطنا لإعلان الوزارة عن تعيين ثلاثين ألف معلم في كل أنحاء مصر، وقلنا: هذا أقل القليل، وهذا ما جاء متأخرا، لكن القليل أفضل من العدم، وما يأتي متأخرا خير مما يغيب إلى الأبد.
وتقدم للمسابقة 120 ألفا أغلبهم من المعلمات، تمكن 28400 منهن من اجتياز الاختبارات، ثم اجتزن تدريبا أعدته وزارة التربية والتعليم، واعتقدن أنهن سيتسلمن العمل فورا، لكنهن فوجئن بالوزارة تطلب منهن اجتياز اختبار آخر في الكلية الحربية، يشمل الصحة والرياضة فضلا عن كشف هيئة، فامتثلن للمطلوب، وذهبن للكلية الحربية، وسحبن أوراقا لاختبار جديد، وتحملن الإرهاق المادي الذي سببه لهن هذا، لأن فيهن كثيرات يأتين إلى القاهرة من أماكن بعيدة، حسبما وضحنه في شكواهن والمذكرات التي أرسلنها لكل من يهمه الأمر، وتلقيتها عبر "واتس آب" وبريدي الإلكتروني.
كانت المسابقة تخص مرحلة رياض الأطفال والابتدائية، فكان من الطبيعي أن تتقدم لها المعلمات، فهن الأفضل لهذه المرحلة التعليمية. وبعض هؤلاء نالتهن سمنة، لأسباب تتعلق بطول المكث في المنزل، جراء بطالة، أو لغذاء رخيص، لا يستطيع معه المرء أن يكون رشيقا ممشوق القوام، أو لحمل ورضاعة، أو للتغيرات البيولوجية المعروفة التي تطرأ على أجساد المتزوجين والمتزوجات حديثا، أو للحمل والولادة حديثا، وهي عوامل كان يجب أن تؤخذ في الاعتبار، لو أننا نضع كل شيء موضع تفكير وتدبير، أو نزنه بميزان العدل، الذي لا يجب أن يتجاوز حقائق واقعنا.
لو أن المطلوب هو مدرسات تربية رياضية، لتفهمنا الأمر، ولو المطلوب مدرسات لمدارس عسكرية، لقلنا، ينطبق عليهن ما يجري على الملتحقين بهذه الكليات، لكن هؤلاء مطلوبات لمسارات تعليمية عادية، طالما خبرنا فيها مدرسين خفيفي الوزن وخفيفي المعرفة والأخلاق، والعكس صحيح تماما.
وإذا كان هناك تذرع بأن المرأة الحامل ستتعطل إن وضعت حملها، فأين الالتزام بالدستور الذي يعطي المرأة إجازة ولادة مدفوعة الأجر؟ وما الذي يمنع أن من تم قبولهن لن يحملن في السنة القادمة أو ما بعدها؟ فهل وقتها ستقوم الوزارة برفتهن؟ أم قطع مرتباتهن؟ وماذا عن موظفات الحكومة اللاتي يعشن الظروف نفسها؟ هل نحن بصدد توجه يعادي المرأة عموما؟ أم أن هذا خطأ يجب تصحيحه؟
لقد تلقيت رسائل من مدرسين ومعلمات من المستبعدات على حسابي في "فيسبوك"، بعضها يتحدث عن مشكلات صحية قاسية حدثت لمن أردن تلبية شرط الوزن. فالبعض انخرط في "ريجيم" قاس فجأة، فجاء الإنهاك والإعياء، وواحدة تسبب هذا في إجهاض حملها، وثالثة نالها اكتئاب شديد، وتكرر هذا كثيرا، وهي أضرار يجب أن يعاقب من تسبب فيها، لو أن في بلدنا إنصافا.
والسؤال هنا: ماذا لو تمكنت المستبعدات بسبب الوزن من تجاوز هذا في الزمن المحدد، ومررن من الاختبار، ثم بعد ذلك عادت أجسادهن إلى سابق عهدها؟ وما الذي يضمن، على المنوال نفسه، أن تسمن اللائي عبرن الاختبار سريعا؟ هل الوزارة ستقوم بإخضاع هؤلاء جميعا لوزن أجسادهن كل سنة دراسية مثلا؟ وسترسلهن إلى الكلية الحربية للقيام بهذا؟ وهل المدرسات والمدرسين الحاليين في مختلف المراحل التعليمية يحافظون على الوزن المقدر؟
إن السلطة السياسية الحالية تتحدث كثيرا عن "تمكين المرأة"، وها هي تسقط خلال اختبار جديد في تحويل الأقوال إلى أفعال. والسلطة أيضا تتحدث عن مواجهة التحرش والتنمر، لكنها تفتح باب تنمر واسع على كل مدرس أو مدرسة بدينة، بل كل بدين في بلدنا، حتى لو كانت بدانته مرضا خلفه اضطراب في الغدد، أو كانت اضطرارا خلقته أطعمة مشبعة بالدهون الصناعية يتناولها الفقراء، الذين يلجؤون أيضا إلى التهام النشويات لملء البطن بأي شيء، جراء صعوبة ملئها بأطعمة أخرى في ظل ضيق ذات اليد، أو لأن أغلب المصريين ليسوا أعضاء في أندية رياضية، وليس لديهم فائض مال يقدمونه إلى صالات "الجيم"، وفي الوقت نفسه لا تكفي الأندية ومراكز الشباب الموجودة لكل الناس، ولا توجد شوارع في المدن صالحة لممارسة رياضة المشي.
على السلطة أن تراعي ظروف الناس، وإن كان هذا الوضع لا يعجبها، رغم أن أغلب وزراء الحكومة يعانون من سمنة، فعليها أن تساعد على تغييره تدريجيا، وتعرف أن كثيرا مما نحن فيه بسبب ما فعلته هي فينا، ولا تكتفي بلوم الناس، وإطلاق الألسنة للتنمر عليهم.
فيا وزير التربية والتعليم، إن كان الأمر بيدك، فكن معقولا منصفا في التعامل مع هؤلاء المدرسات، وإن كان الأمر بيد غيرك، فدورك أن تشرح له الآثار السلبية المترتبة على إقحام الحرب في التعليم أولا، وعلى التركيز على القشور دون اللباب، والمظهر دون الجوهر، في التعامل مع قضية التعليم على هذا النحو الذي يثير الاستغراب.