هشام الحمامي يكتب: خجل التاريخ .. إيران وغزة (لكم دينكم ولى دنياي)

ذات مصر

جئنا نطلب هداياها.. وأسفاها.. خاليتان يداها ..فارغتان عيناها، في كل المواقف الكبرى في تاريخنا المعاصر بكل أسف لم تنصفنا إيران .. دخلت أمريكا أفغانستان سنة 2001م، وما كان هذا ليحدث إلا بترتيبات مع إيران، احتلت أمريكا العراق سنة 2003م، وما كان هذا ليحدث إلا بنظرات صامتة تبادلتها مع إيران .. 
وها هو العالم يعطى ظهره لأنهار الدم في غزة وينشغل بـ (الاشتباك الأنيق) بين إيران وإسرائيل، في واقعة كان ممكن أن تمر في أي ممر تاريخي وفى أي زمن، إلا في هذا التوقيت، الذي تستبيح فيه إسرائيل والغرب دماء أهل فلسطين استباحة لم يشهدها العصر الحديث.
***
إنه بالفعل (خجل التاريخ) من هذا الذي حدث في هذا التوقيت الأسيف، ولنا أن نتخيل هذا التاريخ الذي سترتعش سطوره وهي تٌكتب وهي تٌقرأ، حين يعرف بعدها من سيعرف أن إيران وفي قلب معركة (طوفان الأقصى) اشتبكت مع إسرائيل والغرب اشتباكا أنيقا، بصواريخها وطائراتها المسيرة، 
ولم تلتفت إلى أنه بالقرب من اشتباكها(الأنيق) هذا معركة تدور رحاها من 6 شهور عنوانها (القدس والأقصى) وطرفاها (الفئة القليلة) والغرب كله.
وكأنها اتفقت مع هذا الغرب كله على هذا (الاشتباك الأنيق).. ولا كأن فرصة الاشتباك هذه تتاح لها ولنا كل يوم، وكانت بالفعل فرصة نادرة ليعرف العالم هل (فيلق القدس) الإيراني حقيقة؟ وجاهز فعلا لأغراضه؟ أم هو فصل في أسطورة(الشاهنامه) الفارسية الشهيرة؟
***
تقول الحكاية التي لها ألف أصل وأصل، أنه من ساعة خروج الإمام الخميني من باريس سنة 1979م، متوجها إلى طهران على متن طائرة فرنسية، ثم المسارعة فورا (بتفجير) مقر إقامته في (نوفل لوشاتو) بمجرد إقلاع الطائرة، والى ترتيب هبوطها في مطار طهران مع سلاح الجو الإيراني الذي كان لازال بكامل قوته وبكامل ولاؤه للشاه.                                                                                                         
من هذا التوقيت تقريبا .. وإلى توقيت الاشتباك (الأنيق) أول أمس13 إبريل 2024م لم تغب إيران عن الغرب، ولم يغب الغرب عن إيران الجديدة. 
***
إيران الجديدة ليست عميلة للغرب، ولا الغرب في حاجة إلى عمالة إيران الجديدة له، فقد ابتلع وهضم من التجارب مع (إيران الشاه) ما يكفيه كل الكفاية للاعتبار والتجريب.
من القضاء على منظمة فدائيان إسلام في الأربعينيات، للانقلاب على مصدق في الخمسينيات، لاغتيال أهم مفكر إسلامي في لندن في السبعينيات، (على شريعتي/ ت1977م). 
والذي يعد أحد أهم المفكرين المسلمين المعاصرين، وصاحب المعالجة الجذرية المتجردة للتمذهب، والسعي القوى الفعال لجمع الأمة كلها تحت لواء (التشيع العلوي/ والتسنن المحمدي). 
بعيدا عن فكر (التشيع الصفوي) صاحب التاريخ الطويل في الشقاق والخصومة مع (الأمة). 
***
سنعلم أن هذا الغرب وفى توقيت هام في تاريخنا الحديث(السبعينيات) والذي كان وقتها في طريقه لإنهاء أهم جولاته مع قلقه التاريخي المزمن(روسيا).. تلك الجولة التي بدأها من بدايات القرن العشرين بالثورة البلشفية 1917م في تجربة (الفكر الشيوعي) وحتى سقوط سور برلين 1989م.. 
وسواء كانت الثورة البلشفية في تطبيقها للفكر الشيوعي هي التي قضت على روسيا التي أصبحت خطرا على أوروبا (بطرس الأكبر).. روسيا تولستوى وتشيكوف .. 
أو كان الفكر الشيوعي ذاته هو الذي قضى عليها، إلا أن الغرب في الحالتين كان حاضرا بقوة.                   
***
سنعرف أيضا شيئا أكثر أهمية، وهو أن الغرب يعرف معرفة نهائية أن قصته مع(الإسلام) أعمق وأصعب من المواجهات العسكرية المباشرة، التي استنفذها تماما في الحروب الصليبية والحروب الاستعمارية.
كما ويعرف أيضا معرفة نهائية أن ترتيباته لـ (عالم الإسلام) من الخمسينيات (عروشا وجيوشا) والى الأن، ستشيخ وتضعف في يوم ما، وستلد الأرض ألف وليد ووليد، وسرعان ما سيقوم الإسلام من جديد، فبه كان الميلاد الأول لهذا العالم وكان حقيقته ووجوده وملاذه واستمراره.
وحربه السعرة المسعورة على (حماس) ليست انتقاما من 7 أكتوبر، ولا من أجل الأسرى ولا كل ذلك .. هذا لا شيء في مواجهته الاستراتيجية الكبرى مع عالم الإسلام .. 
و كما قال لنا شاعر الحزن والغياب محمود درويش دائما دائما في كل موضوع ضخم سيكون (عنوان الموضوع) مختلف تماما عن (أرض الموضوع).
ابحث عن الفكرة التي انبعثت منها حماس ..
***
إحكام السيطرة على الشرق، لن تكون إلا بإحكام السيطرة على (حركة الإسلام) والذي وإن حدث وتمت، فلا تكون إلا تحت تلك (السيطرة) وقد رأينا وسمعنا الكثير والكثير عن التنظيمات الدموية (الإسلامية)، الموصولة بالأجهزة الغربية، والتي سرحت ومرحت بطول وعرض عالم الإسلام.. 
***
هل كانت إيران الجديدة بعيدة عن كل هذا الذي يدور ويمور في العقل الغربي؟                                                                                    
لا لم تكن بعيدة .. كانت هناك دائما .. حتى هي ترفع على رايتها (الإسلام) وهذا حقها.                                   
لكنه (الإسلام) الذي اختارته منذ عرفت (التشيع) وأقبلت عليه بنفس القوة التي حفظت بها لغتها وتاريخها الخاص بها، وابتعدت به عن التيار الرئيسي للأمة تيار (التسنن) الذي قٌتل على شريعتى في لندن من أجله كما سبق. 
***
هل يعنى ذلك أن الغرب هو الذي صنع إيران الجديدة؟.. 
بالطبع لا ..                                                   
لكن ظلاله دائما كانت هناك ..ولازالت، وإيران الجديدة بالغة الأهمية له في مقصده الاستراتيجي البعيد تجاه (عالم الإسلام).
وسيكون علينا هنا أن نتذكر تلك الحرب غير المبررة وغير المفهومة التي دامت 4 سنوات(809/813م) بين ابنى هارون الرشيد، الأمين والمأمون .. الأمين في قلب بلاد العروبة (بغداد) والمأمون في قلب بلاد (فارس) خراسان .. وكانت القصة حاضرة. 
قصة على شريعتي (التشيع العلوى) و(التسنن المحمدى )..! 
لم تكن فقط مجرد صراع بين الأخوين على السلطة.
***
لقد أثبتت إيران في موقفها الأخير واشتباكها الأنيق هذا أنها وإن رفعت راية الإسلام، وهي صادقة، إلا أنها ليست معنية كثيرا بنا .. نحن .. نحن من؟  
نحن (الأمة).                                                                
كما قال لنا الصديق الكريم د/ بشير نافع (حفظه الله) وهو يٌهدى كتابه الهام (العراق سياقات الوحدة والانقسام) سنة 2006م .. للدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله. 
***
لا ألوم إيران الجديدة على اختياراتها التي اختارت وبها قامت وصارت.. ولا ألومها على المسافة التي تريد أن تحافظ عليها في علاقتها بنا (نحن الأمة).                                   
ولا ألومها في اختيارها لـ (كتاب التعريف) الخاص بها تماما في علاقتها بالغرب وإسرائيل .. وهو كتاب ليس به عمالة ولا خيانة .. لا علم لنا بذلك ولا نفترض ذلك.                                                                
ولا ألومها على النظر القصير أو حتى البعيد _إذا جاز الوصف_ إلى مصالحها ورؤيتها لنفسها وللعالم من حولها ومكانها ومكانتها في هذا العالم ... 
***
لكنى ألوم كل اللوم على اختيارها لهذا(التوقيت)، الذي ثأرت فيه لنفسها من إسرائيل بطريقتها الخاصة، وطبقا لكتاب التعريف الخاص بها .. 
كان من الممكن أن تتقدم خطوة واسعة للأمام نحونا، و نحو مصالحها أيضا .. لو كانت ربطت بين امتناعها مثلا عن الرد المنتظر وبين وقف فورى لإطلاق النار في غزة ..أو الضغط للموافقة على شروط المقاومة في التفاوض ..
أو الضرب في المليان و يا تاريخ ما بعدك تاريخ.. وسلامات وتحيات.. 
لكنها للأسف اختارت أن تقول، وفى لحظة تاريخية مؤلمة لنا، ومخجلة لها : لكم دينكم ولى دين.