هشام النجار يكتب: لا حماس ولا حزب الله ولا إيران.. مانيفستو لإنقاذ الأمة

ذات مصر

تتصدر حركات مثل حماس وحزب الله والحوثيون وقوى إقليمية مثل إيران مشهد الأحداث حاليًا من خلال أداء عسكري متعدد الأوجه، تحت شعارات تحقيق الانتصار للإسلام واستعادة المجد والكرامة للمسلمين.

لن أخوض في النتائج على الأرض وربما من يتابعون مقالاتي يعلمون جيدًا مواقفي ورؤاي، وما ذكرته منشورًا مع بداية الحرب يغني عن الإمعان في ذكر التفاصيل، وفي النهاية لستُ صاحب سلطة ولا أتحكم في القرارات إنما مجرد كاتب ومحلل، إذا شاء أخذ أحدهم ما أطرحه من تصورات واستفاد منها وإذا شاء طرحها جانبًا، ماضيًا في طريقه لا يلوي على شيء.

المشكلة هنا أن قرارات وتوجهات واختيارات فئة وأطراف تقدم نفسها كممثلة للإسلام وللأمة الإسلامية وتحتكر قرار الحرب والسلام وتحدد متى تحارب وكيف ومتى تفاوض وعلى ماذا تفاوض، تنعكس على الجميع وتؤثر بشكل مباشر على مصالح كل الدول والقوى المعنية.

ولقد شرحتُ منذ البداية وجهة نظري في مختلف الاشكاليات بشأن أدلجة المقاومة وتبعيتها لإيران وبرنامج عملها وتوقيتات تحركاتها وأهدافها ونتائجها، ولكن كما قلتُ أنا مجرد كاتب لا أملك سلطة القرار، ولا أستطيع كما تفعل قوى وجماعات تصدر مشهد النيابة عن الأمة والإعلان عن قرار بالنيابة عن مجموع الأمة والشعوب العربية والإسلامية.

ورغم أن الأحداث مضت في الاتجاه الذي لا أتمناه ووقع ما حذرتُ منه مرارًا ورغم أن الكثير مما أطرحه من أفكار ورؤى لا يتم أخذه على محمل التنفيذ، لكني لا أيأس ولا مفر من المواصلة لأن هذا واجبي تجاه أمتي وديني ووطني.

سألتُ نفسي وأنا أنظر للواقع والمعاناة والمأساة وما وصلت إليه شعوبنا وقضيتنا الرئيسية في فلسطين: (لو لم تكن مجرد كاتب، وكنت بمكانة مثل مكانة من ترجع إليه الأمة في أمورها وتنفذ شعوبها وقواها الفاعلة ما تطرحه من تصورات وبرامج عمل، فما هو برنامج العمل (المانيفيستو) الذي تطرحه على وجهاء الأمة وأصحاب القرار فيها للخروج من هذه الحالة ولصناعة بعث جديد للإسلام والمسلمين والعرب؟

أجبت بنفسي على نفسي قائلًا الآتي وعلى من يتابع مقالاتي ويهتم بما أكتب تبليغ من يعرف لعل وعسى أن تصل كلماتي لمن بيده سلطة تحريك هذه الأمة وتوجيهها.

أنظروا ودققوا وتأملوا معي فإن الأمر خطير وإن لم نصوب ونعدل مساراتنا ونسير في طريق الانجاز الآمن، فلا أدري إلى أين المصير.

أولًا: يبين الله لنا أيها السادة في القرآن أن الله يؤتي الملك من يشاء وأنه بيده الملك وأنه سبحانه مالك الملك، وهذا يشير إلى أن سيطرة قوم ما على حكومة أو سلطة ليس أمرًا عاديًا، بل يكون بقضاء الله وقدره مباشرة.

وانتصار قوم يكون دائمًا على حساب قوم آخرين، ولأجل إبراز هذا الواقع يجب حدوث تغييرات كبيرة واسعة جذرية تجعل الظروف مواتية لصالح فئة وغير مواتية لصالح فئة أخرى.

وتطرأ هذه التغيرات في الحياة الإجتماعية لأسباب فوق العادة ويحدث الإنقلاب أيًا كان نوعه لأسباب كونية لا تقع عادة تحت سلطة شخص أو جماعة.

على سبيل المثال فإن الثورة الإشتراكية في روسيا قد تولدت عن أوضاع ناجمة عن الحرب العالمية الأولى، وتيار الحرية الذي جرى في منتصف القرن وحرر معظم الدول الآسيوية والأفريقية من ربقة الإستعمار الغربي كان نابعًا من الأحوال الطارئة التي كانت أكبر من نتائج الحرب العالمية الثانية.

ولم تكن الحركة الإشتراكية أو الحركة الوطنية في قدرتها أن تذكي الحرب على نطاق عالمي لو لم تظهر الحربان العالميتان.

على هذا المقياس يمكن القول بأن مرد الفتوح الإسلامية السريعة في القرن الأول الإسلامي يرجع إلى سريان الضعف في السلطتين الإيرانية والرومية (فارس والروم) بسبب الحروب الطويلة التي نشبت بينهما، والمعلوم أن نشوب الحروب التي دكت وأضعفت القوميتين العظيمتين كان بيد الله وليس في قدرة الإنسان.

نحن من القرآن نعلم أن التغييرات السياسية التي تخضع لها الشعوب تطرأ بحكم قانون الدفع الإلهي (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، وبالتالي فان هذه التغييرات لأحداث التغيير المأمول للعرب والمسلمين.

يأتي التغيير لأغراض إيجابية وهذا التغيير نعمة ينعم الله بها على عباده وهو جزاء لمن أثبتوا جدارتهم واستوفوا شرائط الصلاح.

وبعث الأمة ليس أمرًا هينًا يحدث بحركات سياسية طائشة عشوائية انما هو قضية ومسألة تحويل الحضارة الغالبة عن مكانها القيادي، ومشاركتها على الأقل في القيادة وإدخال العرب والمسلمين إلى حيز المنافسة والندية الحضارية، وهي مسألة أكبر بكثير وأعقد بكثير من تصورات المتهورين وميليشيات الحرب بالوكالة، ولا يمكن تسويتها بدون قضاء الله وطاقاته وقدراته المطلقة غير المرئية.

ثانيًا: إن الأمر يحتاج إلى تدخل إلهي؛ ما يعني أنه لابد من عون الله وأنه لا يمكن للمسلمين أن يحققوا النصر مع هذا الوضع العالمي والإقليمي المعروف بجهودهم فقط، فمعونة الله هي الكفيلة بتحقيق النصر.

لا ريب في أن المسلمين سيسيرون بأقدامهم إلى الأمام، ولكن الله سيهيئ كل الوسائل التي تصل بهم إلى المكانة المرموقة في وقت أقصر.

وليس هذا التحول العظيم في قدرة الإنسان وحده بل إن الأحوال في يد الله يقلبها كيف يشاء.
لقد أصبح المسلمون مغلوبين في مشارق الأرض ومغاربها ولا يمكن أن يكون الحل للتخلص من هذه الحالة في مقدور حركات عادية محدودة الرؤى ومحسوبة على جهات دون أخرى وتنشط لحسابات متوهمة يراها الحاكمون في طهران أو غيرها، وهي إن حققت بعض أغراضها الخاصة في التوسع والنفوذ فهي تضر بباقي دول وقوى الأمة بل تضر بقضايا الأمة الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين.

والحل يكون في ظهور أحوال غير عادية. وبالتالي لا يمكن تحقيق أحلامنا وآمالنا إلا إذا جعلت الإرادة الإلهية مواكبة لحركة التاريخ وأحدث رب المشرقين والمغربين شقوقا ومنافذ في الصخور السياسية والمدنية التي تقف في وجهنا.

ثالثًا: إن خالق الأرض والسماوات لن يتركنا وحدنا وسوف يعيننا إذا استحققنا نصره بالرياح والعواصف التي تقتلع خيام الأعداء ومهد الطريق للأمة الإسلامية والعربية.
ولسوف ينزل الله المطر ليغمر الأرض بالخصوبة التي تيسر الحياة الصحيحة في جانب بعد أن مشى فيها الخصوم والأعداء بالتخريب والتدمير والقتل وسفك الدماء.

بينما تحدث زلزلة تندثر بها مرتفعات وتنحدر منحدرات من جانب آخر ولسوف ينزل الله الأمن على الجيش المدافع عن الحقوق وعن الأرض والعرض، وينزل رعبًا على الجيش الغشوم الظالم المعتدي الآثم عندما تدور رحى الحرب.

وبهذه الأمداد الإلهية بلغ الركب الإسلامي غاياته المنشودة في عهد الأول ولن يبلغها في الوقت الحاضر إلا بعودة هذه المعونة الإلهية.

ولذلك لا أظن أن ما يجري منذ ستة أشهر هو الحرب والمواجهة الحقيقية الفاصلة، بل هناك مواجهة آتية؛ لا حماس فيها ولا إيران ولا حوثيون ولا حزب الله، إنما عرب ومسلمون متجردون فائقو اليقظة والمعرفة والصدق، يحتلون اقمة في الإبداع والفكر والوعي والتمسك بجوهر القيم.

ولاستحقاق هذا النصر من السماء يجب أن يتميز المسلمون بميزة واضحة هي القيام بالإصلاح الذاتي وتزكية النفس، وهذه هي المسؤولية الكبرى الملقاة على عاتقنا.
إنها نفسها هي الشهادة على الناس التي يترجمها حديث الرسول (أنتم شهداء الله في الأرض) فان مؤهلات النصر والتمكين مرهونة بشروط القيام بمسؤولية الإصلاح والدعوة.

رابعًا: إن المسلمين اليوم يعيشون وفي كل العصور مع شعوب أخرى حيث تنهب جماعة جماعة أخرى وحيث تقوم طائفة بنشاط مكثف لتستعلي على طائفة أخرى وان هذا التصارع يخلق مشاكل للمسلمين.

وفي كثير من الأحيان يتعرضون لإعتداءات جماعية أخرى غير مسلمة، وينتج عن ذلك ان ثائرة المسلمين تثور ضد شعوب أخرى عندما يجدون أنفسهم في خطر ويريدون الجهاد ضدهم.

ولكن إذا تأملنا في هذه المسألة من المنظور القرآني فسنجد حلًا مختلفا عن الحل الذي يطرحه دعاة الثورة، فان القرآن يعلمنا أن الأزمة مهما كانت جسيمة أو تعود بخسارة كبيرة في الأموال والأرواح، فإن حلها هو بالدعوة إلى الله.

وينبغي ألا تكون الدنيا هي المحور الأساسي لاهتمام المسلمين وغايتهم الكبرى، وهذا هو الدرس العظيم الذي وُجه إلى الأمة الإسلامية بواسطة الرسول العظيم؛ (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس).

وتثبت لنا هذه الآية بكل وضوح أن سر العصمة من الناس كامن في الدعوة إلى الله؛ فكلما تعرض المسلمون والعرب لخطر الأمم الأخرى واستشعروا خطر الإستعباد فعليهم أن يتوجهوا مخلصين إلى الدعوة الى الله، فهذا هو العمل الذي ربطه الله بارادته ووعد بأن يهيئ له أسبابًا غير عادية  تشكل سُلمًا ينتهي بالمسلمين إلى النجاة والفلاح.

خامسًا: ان الميزة التي يتميز بها العمل في حقل الدعوة هي أن الطبيعة تتحول إلى حليفة له بصفة دائمة فمهما كان الناس مختلفين على مستوى العصبية والعداء فعلى مستوى الطبيعة يكون نداء الحق نداء ضمير لجميع الناس.

إن الدعوة إلى الحق دعوة يختفي معناها في كل قلب وتضمه كل فطرة وليس دين الله وطبيعة الانسان الا تعبيرين لحقيقة واحدة فقد جبل كل انسان على تصور خالقه في سويداء قلبه وإن باطن كل إنسان مفطور على أن يلقي بنفسه أمام خالقه ومالكه.

لقد انفتحت أبواب جديدة للإسلام في أجواء قاتمة تبعث على اليأس والقنوط بعد ثلاثة عشر عامًا دون نتائج في مكة حتى لقد كان يبدو ان الإسلام سينتهي ويزول في مكة.

واليوم يظن الناس لهول ما جرى منذ السابع من أكتوبر الماضي أن القضية انتهت وأن الشعب سيزول وينتهي في غزة.

إنفتحت الأبواب الجديدة في المدينة المنورة بفضل الدعوة بجهود بعض أصحاب النبي مثل مصعب بن عمير حيث انتشر الإسلام في المدينة حتى لم يبق بيت فيها إلا وفيه رجال ونساء مسلمون.

ولئن كانت الهجرة قد وفرت للمسلمين منطقة خاصة لهم فان أعداء الإسلام أججوا نار الحرب مرة أخرى مما أحدث للمسلمين وضعًا خطرًا جدًا حتى كاد الأعداء يطفئون نور الله بأفواههم.
لكن القيام بواجب الدعوة والاصلاح الذاتي والإصلاح السلمي فتح للإسلام أبوابًا جديدة مرة أخرى وهذه الأبواب تتمثل في صلح الحديبية الذي كان له الفضل في إنهاء التنازع والتصارع والمصادمة فعادت الحالة للهدوء، ما مكن المسلمين من استئناف الدعوة ما أدى إلى مضاعفة عدد المسلمين إلى أربعة أضعاف في فترة تقل عن سنتين، وألقى الوضع الجديد للدولة الرعب في قلوب زعماء قريش فألقوا الأسلحة عند فتح مكة دون قتال.

نحن في حاجة إلى خطة عمل جديدة في ظل ضعف عام للمسلمين وانقسام وانهيار وفوضى تعم العديد من الدول العربية والاسلامية، وباتت ساحاتها مستباحة من الأعداء والخصوم، مما أحدث للمسلمين والعرب اليوم وضعًا خطرًا جدًا شبيهًا بأوضاع الإسلام والمسلمين قبل الهجرة، حتى يكاد الصهاينة ومن يدعمونهم يظنون أنهم قادرون على أن يطفئوا نور الله بأفواههم.

ولن تفلح الأمة وراء قرارات حركات وميليشيات مدعومة من قوى إقليمية تنظر إلى المسألة من زاوية مصالحها الضيقة، إنما الفلاح والخلاص بالنظر إلى خطة عامة تهدئ وتبرد الأجواء وتدخلنا في هدنة طويلة لحين ترتيب أوراقنا واستعادة تماسك دولنا ومجتمعاتنا والدخول في شراكة حضارية مع من يملكون زمام القوة ومقاليد العلم ويتصدرون مشهد قيادة العالم.
اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.