عمار علي حسن يكتب: مِزاج الشعب .. الكِيّف والسياسة في مصر

ذات مصر

هناك نكتة دارت أيام تولي اللواء زكي بدر وزارة الداخلية 1986 ـ 1990، تقول إنه أراد أن يقف على أحوال الناس بنفسه، فهبط إلى حي شعبي، وجلس في مقهى، وطلب "حجر معسل"، وبعد أن انتهى من تدخينه، واحتساء الشاي معه، طلب من النادل دفع الحساب، فأخبره  أنه خمسة جنيهات. اندهش بدر، الذي أطلقت صحف المعارضة عليه وصف "زكي بذاءات لزلاقة لسانه، وسأل ساخرًا: هل حجر معسل وشاي بخمسة جنيهات يا بقف؟ فأجابه النادل: نعم، لأن ما دخنته من معسل مطعوم بالحشيش. هنا اكتسى وجه بدر بالغضب، وقال للنادل: ألا تعلم من أنا؟ أنا وزير الداخلية. قهقه النادل، ورد ساخرًا: الحمد لله أنه حجر واحد، فلو كانا حجرين لقلت إنك رئيس الجمهورية.

وزير الداخلية السابق زكي بدر

روى لي الإعلامي محمد موافي أنه قد قابل مبارك مرة واحدة بصحبة وزير الإعلام وقتها أنس الفقي، واستأذنه أن يقول له نكتة، حين أتى مبارك على ذكر زكي بدر، ثم قال هذه النكتة، فقهقه الرئيس الراحل عالياً، واستملحها جدًا. ربما وقتها ربط مبارك بين مزاج المصريين واستقرار الأوضاع السياسية، وربما لم ينتبه لذلك، لكن الثابت أن الحديث عن علاقة الحشيش بالسياسة كان يتردد كثيرًا أيامها، ويقال إن التقارير الأمنية كانت تنصح دائمًا بعدم تعطيش السوق بما يُكدر مزاج الشعب، وهو تقليد أتبع من أيام حكم الرئيس أنور السادات، الذي كان معروفا عنه تدخين الحشيش بانتظام. 

لا ينسى جيلنا ما قيل عن أن السبب الرئيسي لانتفاضة قوات الأمن المركزي عام 1986 هو تآمر تجار الحشيش على اللواء أحمد رشدي، الذي خاض حربًا لا هوادة فيها على تجار المخدرات وكان يقول: "لو بقيت مخدرات في مصر تأكدوا من أنني أنا الذي أُهربّها وأُوزعّها." وفي هذا دليل على أن الوزير، الذي كان الأفضل في الزمن الذي تلى استيلاء ضباط الجيش على السلطة وإلى الآن، كان واثقًا من قدرته على الانتصار في هذه الحرب، لكن التجار دفعوا لإحداث فوضى، انتهت بإقالته، بعد نزول الجيش إلى الشارع لقمع احتجاج جنود الأمن المركزي.

دبابة في شوارع القاهرة للسيطرة على احتجاج جنود الأمن المركزي

بعض كبار التجار تربطهم صداقة بعلية القوم، أو تكون الجسورة ممدودة بين الطرفين، وإن لم تكن صداقة فهي على الأقل مصلحة ومنفعة، ينقلها الأديب إبراهيم عبد المجيد في روايته "هنا القاهرة" من الواقع بحذافيره، لنرى طوابير طالبي المخدرات في الباطنية تتمدد مئات الأمتار، وعين الشرطة متناومة أو متغافلة، ولنر لافتة علقها أكبر تاجر مخدرات خلال انتخابات 1976 تقول: "مصطفى مرزوق وأولاده يؤيدون الرجل النزيه اللواء النبوي إسماعيل وزير الداخلية."

ويزعم البعض نقلًا عن تجار الحشيش الكبار، أنهم ملتزمون، من حين إلى آخر، بتقديم بعض الموزعين الصغار أو المتعاطين لضباط شرطة مكافحة المخدرات ليعززوا ملفاتهم، بتراكم الجرائم التي كشفوها وضبوطها، مما يساعدهم على نيل الترقيات في السلك الشرطي.

أتذكر هنا جيدًا أنه كلما كان ينقص وجود هذا المخدر في السوق كان بعض الكتاب يتحدثون عن الآثار السياسية لذلك، وكان أكثرهم وعيًا وخبرة يوسعون الدائرة ليضموا إلى المزاج الشاي والقهوة، وهما على عكس الحشيش والأفيون ومختلف أصناف الخمور، يمثلان العصب الرئيسي لمزاج الشعب المصري، وينفق المصريون عليهما الآن ما يقترب من عشرة مليارات جنيه سنويًا. 

وهناك قطاع من الشعب يذهب مزاجه أو كيفه إلى احتساء الخمر، الذي يؤدي تحريمه وفق الشريعة الإسلامية، إلى تضييق وجوده، وحصره غالبًا في الممكنين اجتماعيًا، وإن كان بعض شاربي الأنواع الرخيصة منه، ينتمون إلى طبقات اجتماعية أدنى. ولم تخل الخمور في مصر من علاقة ما بالسياسة، يشرحها لنا الشاعر والكاتب محمود خير الله في كتابه "بارات مصر .. قيام وانهيار دولة الأنس". فالخمور التي كانت معروفة في مصر القديمة لاسيما الجعة والنبيذ، راجت في عهد الاحتلال الإنجليزي للترويح عن الآلاف من جنوده، لكنها انتقلت إلى المصريين في أربعينيات القرن العشرين، حيث أنفقت شركات الخمور أموالًا طائلة للدعاية لمنتجاتها، وشاركت في إنتاج أفلام سينمائية تحكي عن حروب الشرطة ضد تجارة المخدرات.

ويقول الكتاب إن كتبة الدولة الحديثة في مصر القديمة كانوا في وقت راحتهم من الدراسة يحتسون النبيذ والبيرة بمتعة متساوية، ويفعل ذلك الكهنة لأسباب دينية، ويصل الأمر إلى الفرعون نفسه. ثم يخبرنا بالدور الذي لعبه بار ومقهى "ريش" في ثورة 1919، حيث كان سعد زغلول ورفاقه يختبئون في قبوه، لينطلقوا إلى ثورتهم، وكانت بهذا القبو مطبعة أخرجت إلى الشعب الكثير من منشورات الثورة. وفي البار نفسه صدر بيان المثقفين ١٩٨١، الرافض لقرارات السجن والاعتقال للمئات من مثقفى مصر، أواخر عهد السادات، ومنه انطلق يوسف إدريس ذات يوم ليقود مظاهرة محتجة على اغتيال الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني. وأثناء ثورة يناير 2011 كان بعض المثقفين يلتقون في "ريش" لتداول الرأي، وتحديد الموقف. 

مقهى ريش في وسط البلد

واحتضن مقهى الحرية، الذي افتتح عام 1936 ويقدم البيرة مع المشروبات العادية مثل الشاي والقهوة وغيرهما، الذين ثاروا ضد فساد حاشية الملك فاروق، وكذلك من رفضوا القبضة الأمنية الشديدة لنظام يوليو 1952، بل يقال إن هذا المقهى قد تأسس على الأرض التي كانت تضم بيت الزعيم  أحمد عرابى الذي قاد الثورة على الخديوي توفيق 1982. 

وقد مثل شاربو الخمر قوة ضغط وقت حكم الإخوان المسلمين، بعد ثورة يناير، حالت دون تمكن الجماعة، التي سيطرت مع القوى السلفية على البرلمان بغرفتيه وآلت إليه رئاسة مصر لسنة واحدة، من غلق البارات، فلجأت إلي خيار آخر وهو فرض ضرائب على الخمور، لرفع سعرها، بما يقلص عدد شاربيها، ويدر على ميزانية الدولة بعض الدخل مقتطعًا مما ينفقه هؤلاء على شراء الخمور.

لكن الكيوف الأكثر شعبية في مصر، والتي يربطها بعض الكتاب والباحثين بشرعية الحكم، هي السجائر، فنقصها أو ارتفاع أسعارها يثير سخط المدخنين، وهم بعشرات الملايين، على السلطة السياسية. وينطبق الأمر نفسه، بدرجة أقل، على المعسل بمختلف أنواعه، الذي يقدم بالأساس على المقاهي، وهناك قلة تدخنه في بيوتهم. 

في هذا لا يختلف المصريون عن غيرهم من الشعوب، إذ لا يمكن لليمنيين أن يستغنوا عن القات، الذي يعطونه أولوية عن زراعة القمح ويخزنه في أفواههم الجميع من المعدمين إلى علية القوم حتى في جلسات يقررون فيها شؤون الدولة، ويقاومون كل حملات الحكومة لتضييق زراعته. 

ولا يمكن لكثير من السودانيين الاستغناء عن السعوط، الذي يباع لديهم في الأسواق، وهو نوع من المخدر يدس تحت الألسنة، كان يتعاطاه جمال الدين الأفغاني، حسبما يذكر أحمد بهاء الدين في كتابه "أيام لها تاريخ" ناقلا وصف البعض للأفغاني بأنه "الشيخ الجليل الذي كان يجلس على قهوة متاتيا، يوزع السعوط بيمناه، والثورة بيسراه." ووقتها كان يجلس إليه تلميذه محمد عبده والزعيم سعد زغلول وكثير من المثقفين والساسة. 

الشيخ جمال الدين الأفغاني

وعرف العالم حروبًا للكيف مثل "حرب الأفيون" التي شنها الإنجليز على شعب الصين، حتى خضع، وحرب المخدرات التي شنها المقاتلون الأفغان على جيش السوفيت أثناء احتلاله بلادهم منذ 1979 حتى 1989، فغلبوا الجنود الحمر بالإدمان قدر غلبهم بالرصاص. وهناك أيضًا "حرب البن"، حيث هاجم مزارعون فيتناميون مخازن بعض الموزعين المفلسين لاسترداد محصولهم أو ما يعوضهم عنه، بينما اندفع آخرون إلى بيع محصولهم من حبوب البن قبل أن يفلس موزعون آخرون. 

وهناك حرب أخرى شنها الملوك في أوروبا على المقاهي، بعد أن دخل البن إلى القارة العجوز، حيث كان الناس يلتقون لاحتسائه، فيتحدثون في الشأن العام، ويخلقون تباعًا رأيًا عامًا، خاف الملوك من تبلوره وتمدده، ليشكل قوة دافعة تهدد استقرار عروشهم، حسبما يورد كامل رحومة في كتابه "مقاهي المثقفين في العالم".

 وفي مصر يغلق الأمن المقاهي، لاسيما في وسط القاهرة، كلما كانت هناك دعوة إلى التظاهر، خوفًا من أن يتحول مرتادي المقاهي من جمهور غير مُسيس إلى مُسيس في لحظة واحدة وهي مسألة شرحها الباحث التركي آصف بياتي في كتابه "الحياة سياسة". 

وبالعودة إلى مزاج الشعب، نجد أنه إلى جانب رغيف الخبز والسجائر يعد الشاي في مصر أحد مصادر الرضاء عن السلطة السياسية أو السخط عليها. وقد لمست هذا بنفسي حين كنت طفلًا صغيرًا، وحدث نقص في الشاي، واستبدلته الحكومة بالكاكاو الذي لم يكن مشروبًا شعبيًا، ولا يًغني عن الشاي، فوقتها كان الناس في قريتي يسبون الرئيس السادات ووزير تموينه ليل نهار، ويترددون بلا انقطاع على دكان البقالة الوحيد، سائلين: متى يجيء الشاي؟ ولمَّا انفرجت الأزمة بنزول "شاي الشيخ الشريب" إلى الأسواق، وعلى كل باكو ورقي يطل وجه شيخ ملتح، صار هذا الاسم، وذلك الوجه، أكثر شعبية في مصر من رئيس الجمهورية نفسه. 

وحين حدثت بعدها أزمة في توافر السكر، لم يغضب المصريون لهذا قدر غضبهم من نقص الشاي، فالسكر كانت له لديهم بدائل أو حلول مؤقتة، فهناك من قلل عدد الملاعق الذي اعتاد وضعها في الكوب الواحد، وهناك من قام بتحلية المشروب المر ببعض أنواع الحلوى، أو العسل الأسود، حتى انجلت الأزمة بسلام.

سيارة تابعة لوزارة التموين توزع السكر بسعر عادل على المواطنين بعد شحه في السوق

وفي زمننا، حيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت أداة المقياس المهمة للرأي العام، صار وسم "شاي العروسة" ضمن قائمة التردد الأكثر تداولًا، بعد شكوى الشركة المنتجة له لوزير التموين بضرورة العمل على توفير الدولار لاستيراد الشاي بما يلبي استهلاك المواطنين له، والذي يصل إلى ستة آلاف طن سنويا. وحين أخبرت الشركة الوزير أن ما لديها لا يكفي سوى شهر واحد، انهمرت الأسئلة عما إذا كان يمكن للناس أن يعيشوا بلا شاي.

ووفق طريقتها المعتادة في إطلاق الحملات المضادة، التي تبدو بمنزلة دخان كثيف يحاول التغطية على المشكلة وليس حلها، خرجت وقتها السيدة هبة قطب، التي تتحدث بإفراط في الثقافة الجنسية، لتربط بين كثرة احتساء الشاي وضعف الانتصاب عند الرجال، لكن قولها تبخر في الهواء، وجرفته ريح الغضب من أولئك الذين يدركون أنهم لا يمكنهم العيش في توازن دون هذا المشروب. 

يطلق المصريون على الشاي "ويسكى الغلابة"، وهو عندهم المزاح الحلال والمباح دينيًا، والمشروع قانونيًا، الذي لا يخلو منه أي بيت، فمعه تخف بعض متاعب الكدح في الغيطان والورش والمصانع ومكاتب العمل، وهو، خصوصًا في الريف، المشروب البسيط الرخيص الذي يمكنه أن يسد في العزومات العابرة، وهو المفضل بعد الوجبات الدسمة، التي قليلًا ما يتحصل عليها الفقراء، بل هو البديل لبند الحلويات الذي يعقب الطعام عند الطبقة الموسرة. 

ماية السلطة المصرية، يطلق عليها البعض ويسكي الغلابة

الأكثر من هذا فإن الشاي المُحلى يكون أحيانًا وجبة إفطار مع رغيف خبز طري بالنسبة لفلاح أجير أو عامل بسيط لا يجد في بيته شيئًا من طعام يأكله. وأتذكر في هذا الشأن أنني كتبت ذات يوم ردًا على الرئيس مبارك حين طلب من أهل الصعيد والفلاحين تقليل عدد ملاعق السكر الذي يستهلكونه مع الشاي: "يا سيادة الرئيس، الشاي المحلى حلوى الفقراء، وطعامهم أحيانًا، فلا تنظر إلى المسألة بعين القلة المترفة.". الأمر نفسه كررته ردًا على مطالبة مماثلة للرئيس عبد الفتاح السيسي، مع ارتفاع أسعار السكر، وشحه. 

دخل الشاي إلى بلدنا من باب السياسة، أو بالأحرى الاقتصاد السياسي، حيث جلبه الإنجليز إلى مصر في القرن التاسع عشر، ولم يكن معروفًا قبلها، في ظل تجارتهم الرائجة بين مستعمراتهم التي لم تكن تغرب عنها الشمس. دخل الشاي أولا إلى بيوت الطبقة العليا في المجتمع، وقبلته على مضض في البداية، ثم أقبلت عليه، ولم يلبث أن ساح وشاع في القطر المصري كله، وأصبح المشروب الأول، جارفًا أمامه مشروبات سابقة عليه مثل القهوة والقرفة والزنجبيل والينسون والسوربيت، والأخير مشروب قرأت اسمه في بعض روايات نجيب محفوظ، وكان يقدم على المقاهي في القاهرة.  

وهناك رواية تقول إن أول كمية من الشاي دخلت مصر أرسلها أحمد عرابي من منفاه في جزيرة سيلان ـ سريلانكا حاليًا ـ إلى أهله وأصدقائه. في المنفى الذي امتد عشرين سنة جلس عرابي ورفاقه إلى السير الإنجليزي تومان جونستون ليبتون، الذي كان يمتلك مزارع شاي، وكان يقدم هذا المشروب لهم، وهم في البداية متأففين منه، ثم لم يلبثوا أن استمحلوه واعتادوه، وصار مشروبهم المفضل. 

دخل الشاي إلى حياة  أهل تايلاند والصين وفارس من باب الدين، حين احتساه الرهبان قبل خمسة آلاف سنة، ليعينهم على الصحو في العبادة، لكنه دخل إلى مصر من باب السياسة والاقتصاد، على يد الإنجليز الذين يعرفون جيدًا علاقة الكيف بالسياسة والحرب، ليصبح جزءًا من التقاليد الاجتماعية الراسخة، ينتقل عبر الأجيال، سواء احتساه الناس في البيوت أو أماكن العمل أو في المقاهي والكافيهات أو حتى العربات التي تقدمه مع مختلف أنواع القهوة في كثير من شوارع المدن. 

وهناك من المصريين كثر لا يحلو لهم احتساء الشاي أو القهوة إلا مع تدخين السجائر، التي تشكل، على اختلاف أنواعها، المزاج الأوسع انتشارًا بين المصريين. ويرى المدخنون أن توافر السجائر، ثم اعتدال أسعارها، مقياس مهم لنجاح السلطة السياسية أو فشلها. وقد عبر المصريون عن غضبهم الشديد من بيع الدولة لـ "الشركة الشرقية للدخان"، وتذمروا غمغمة ولفظًا من وضع مزاجهم بيد أجنبي.

واضطر المدخنون بسبب ارتفاع أسعار السجائر إلى اللجوء لأصناف أقل سعرًا. وهناك من قلل عدد السجائر التي يدخنها يوميًا. ويوجد من انتقل إلى تدخين المعسل، لأن هذا أقل سعرًا قياسًا إلى قلة عدد مرات تدخينه يوميًا مقارنة بالسجائر. لكن المعسل لم ينج من التلاعب أو الغش في سبيل الاحتفاظ بأسعاره في متناول الطبقة العريضة من المدخنين.

جلسة استراحة يتخللها كوب شاي مع شيشة

ومن ضمن مزاج الشعب يأتي الحشيش، بدرجة أقل كثيرا من السجائر. وقد عرف المصريون تدخيته مبكرًا، حيث تنبئنا بردية  لوبير التي تعود إلى ما يزيد عن 1500 سنة قبل الميلاد، عن استخدام نبات القنب في علاج أمراض جسدية ونفسية، وفسروا الهلاوس التي تصاحب تعاطيه بأنها بسبب طرد الأرواح الخبيثة الشريرة التي تسكن الأجساد. أما بردية فيينا التي تعود إلى مائتي سنة بعد الميلاد، فتذكر أن النساء المصريات يستخدمن الحشيش كدواء يخفف الأحزان والاكتئاب والأرق وآلام الدورة الشهرية. 

وأثناء الغزو الفرنسي لمصر، كتب أحد ضباط جيش نابليون: "بسبب استخدام الحشيش، فإن كتلة الذكور المصريين في حالة ذهول دائمة." وفي كتابه "في حب نجيب محفوظ" ينقل رجاء النقاش عن الكاتب الكبير قوله إنه في بدايات القرن العشرين، كان الحشيش من المواد المحتقرة في مصر، ولا يستخدمه سوى أراذل الناس، ولا تقربه الفئات المحترمة، وكانت كلمة "حشّاش" تعني أن صاحبها أقرب إلى فئات الحرامية والنشالين، ثم انقلب الوضع، فعندما قامت الحرب العالمية الأولى اختفت الخمور الجيدة من السوق، ولم يكن أمام الفئات العليا من المجتمع إلا استخدام الحشيش، وأصبح في بيوت كثيرة "غرزة" صغيرة للحشيش بدلًا من البار، بل كان الناس يدخنونه في المقاهي، وكانت أكثر عقوبة لحشاش هي الغرامة بقروش معدودة.

وغنى الملحن والمطرب خالد الذكر سيد درويش للحشيش في أغنيته له، فلم يهاجمه أحد عليها، وكانت كلمات هذه الأغنية فيها نوع من البهجة والسخرية، ولم يقف درويش ضد الحشيش إلا عند الشدائد والأزمات الوطنية، وتقول الأغنية التي كتبها بديع خيري:

"دا الكيف مزاجه إذا تسلطن 

أخوك ساعتها يحن شو شو شوقا

 إللى حشيش بيتي نيتي نيشي

 اسأل مجرب زي حالاتي".

 وكان أول تشريع شهدته مصر لتجريم استيراد الحشيش وزراعته قد صدر عام  1879 ، ولا يزال هذا التشريع يتجدد مع تغليظ العقوبة. ويقال إن الإنجليز شددوا على تجريم الحشيش ليتيحوا فرصة أكبر لترويج منتجات شركات الخمور التي يمتلكونها. ما يعني أن الحشيش والخمر لم يكنا بعيدين عن السياسة في زمن الاحتلال.

سيد درويش

ومن الأبواب الأخرى التي أطلت فيها السياسة على الحشيش توظيفه من قبل السلطة لوصم بعض الشخصيات التي لا تروق لها وتشويه صورتها، هادفة من هذا إلى نزع التعاطف الشعبي معها أو تبني مواقفها. فينما كانت السلطة تغض الطرف عن كثير من مشاهير الفنانين والمثقفين الذين يدورون في فلكها، قبضت على غيرهم المناهضين لها، ونشرت أخبارهم وصورهم في صفحات الحوادث.

فالفنانة ماجدة الخطيب، التي أنتجت عدة أفلام تناقض الرواية السائدة للسلطة، قبض عليها بتهمة تعاطي المخدرات، والفنان سعيد صالح، عوقب غالبًا على ارتجاله على خشبة المسرح ضد السلطة بتهمة تعاطي الحشيش. وفي عام 1967، قُبض على المغني السياسي الشهير الشيخ إمام عيسى، ومعه كاتب أشعار أغنياته الشاعر أحمد فؤاد نجم، بالتهمة نفسها. 

والواقعة الأبرز في هذا الشأن جرت لنجيب محفوظ، فحين غضب منه السادات لتوقيعه على بيان المثقفين الذي عرف وقتها بـ "بيان توفيق الحكيم" الذي صدر في فبراير عام 1973 رافضًا حالة اللاسلم واللاحرب، وطالب بإطلاع الشعب على الحقائق وإشراكه في المعركة، والإفراج عن الطلبة المعتقلين، قال الرئيس في خطاب شهير له: "حتى اللي اسمه نجيب محفوظ بتاع الحشيش وقع معاهم."، ورد محفوظ يومها قائلا: "من حق أي أحد أن يتكلم عن مسألة الحشيش دي إلا الرئيس السادات."، الذي كان يدخن الحشيش، ويتسامح في انتشاره، حتى أطلق على عهده "العصر الذهبي للحشاشين".

نجيب محفوظ في إحدى مقاهي منطقة الحسين 

أما الأنواع الأخرى من المخدرات فهي مستهجنة، ولا يدافع عنها إلا المدمنون حتى يتحولون بسببها إلى حطام بشر، ثم يسقطون بالضياع التام أو الموت الزؤام. ولهذا يتصدى المجتمع مع الدولة لهذه الأنواع. وشارك كتاب كثيرون في هذا، منهم على سبيل المثال الأديب الكبير عباس محمود العقاد، الذي شن حملة قوية علي الكوكايين، حين انتشر بين الناس في الفترة بين الحربين العالميتين.

 ولا ينسى الناس المونولوج الشهير للفنان حسن فايق، الذي  ذاع صيته في عشرينيات القرن العشرين، بعد أن انتشر الكوكايين، الذي أحضره الإنجليز لتنشيط البغال الإسترالية في حمل الأثقال فانتقل إلى الناس، فمات بسببه كثيرون، وضاعت ثروات البعض، وانتشرت جرائم السرقة والقتل. ويقول المونولوج:

"شم الكوكايين .. خلاني مسكين 

مناخيري بتون .. وقلبي حزين 

وعينيا في راسي .. رايحين جايين."

وحوت كثير من القصص والروايات مشاهد ومواقف عديدة ترتبط بالكيف، أحدها ذلك الذي يصف فيه الأديب خيري شلبي في روايته "نسف الأدمغة" واحدة من جلسات الحشيش التي كان منخرطا فيها قائلًا على لسان أحد شخصيات الرواية: "كنت جالسًا في صدارة الحجرة فوق الكنبة الأسيوطي وقد أنيط بي إمضاء الحجارة من عديد من قطع الحشيش ألقي بها المعلمون أمامي في طبق فنجان القهوة كنت منذ برهة طويلة لا أزال مأخوذا بالغناء الذي استمعنا إليه منذ قليل من شريط نادر سجلت عليه ـ من أسطوانة قديمة جدًا ـ مواويل للمغني البلدي عبده الدمرداش الذائع الصيت في أواسط القرن العشرين." ولشلبي روايات أخرى تناول فيها شخصية الحشاش مثل "وكالة عطية"، و"موال البيات والنوم" و"صالح هيصة" و"منامات عم أحمد السماك". 

إن هذا المزاج تقف خلفه الكثير من الأشياء والقيم والحالات والانفعالات التي تتراوح من السخط إلى الرضاء، ومن التعاسة إلى السعادة، إلى جانب الشغف والاهتمام، وقد استطاع الفنان رضا خليل أن يصور هذا في لوحات عدة، أقام لها معرضًا، صوَّر فيه كيف يتحكم المزاج في كثير من الناس، وكيف يتعدد ويختلف من نوع إلى آخر، ومن طبقة إلى أخرى.

ودافع عن تعاطي الحشيش رجل كان يسمى الدكتور غلوش وهو رئيس إحدى الجمعيات الخيرية، وكذلك الدكتور أدهم رجل. وكان هناك طبيب نفسي كبير، طالما أطل على المصريين من شاشة التلفاز في ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته، هو الدكتور محمد شعلان، قد طالب بتقنين شرب الحشيش، كطريقة للتصدي إلى الأصناف الأخرى المدمرة التي انتشرت في مصر، فيما طالب الشاعر المتمرد أحمد فؤاد نجم بأن يكون "المشروب القومي للمصريين". 

وتجدد الأمر على لسان رئيس رابطة تجار السجائر أسامة سلامة، الذي طالب بهذا، مرجعاً طلبه للعوائد المادية الكبيرة التي ستعود على الدولة من تقنينه. وتزامن هذا مع حملة على منصة التواصل الاجتماعي (x) تحت عنوان "قننوا الحشيش" استمرت فترة طويلة. 

نبتة القنب

لكن صندوق مكافحة الإدمان التابع لمجلس الوزراء رفض هذا، وأصدر بيانًا يحذر فيه من تهديد الحشيش للسلم الاجتماعي، لأنه السبب المباشر في حدوث الكثير من الجرائم، في مطلعها حوادث الطرق، موضحًا أن نسبة القيادة تحت تأثير المخدر في مصر بلغت 24 بالمائة تقريبًا.

لكن الأمر لم يتوقف عند الحشيش والأفيون، إذ ظهرت أنواع أخرى أكثر خطرا منهما، مثل البانجو، الذي يدمر خلايا المخ، ومختلف الأقراص المخدرة التي تفقد متعاطيها عقله ومشاعره الجيدة لبضع ساعات، فيما انتشر تعاطي الكوكايين والهيروين لدى شباب الطبقات المترفة، ثم ساح إلى الأحياء الشعبية والقرى، ممزوجًا بأنواع أخرى من المواد المخدرة الخطرة. 

 وتبين دراسة أعدتها د. إنعام عبد الجواد تحت عنوان: "تعاطي المخدرات وإدمانها في الريف المصري .. الواقع وأساليب المواجهة" أن تعاطي المخدرات لم يقتصر على الذكور، إنما امتد إلى الإناث، وأغلب المتعاطين من الأميين وحملة المؤهلات المتوسطة، وبعض أصحاب المؤهلات العليا. وأظهرت الدراسة شيوع المعلومات والمعارف حول المخدرات في الريف المصري، من حيث أنواعها، وتأثيرها، وأماكن وجودها، وصار الحديث عنها من الأشياء العادية، وامتد تعاطيها من الغرز والشوارع إلى البيوت. 

وكما كان الفن في الماضي يساعد في مقاومة المخدرات فهو يعود لأداء دوره كلما زاد انتشارها. فمن فيلم "المدمن" عام 1983 وفيلم "الكيف" 1985 إلى كثير من الأعمال الدرامية التي صورت التأثير المدمر للمخدرات على الأشخاص، إلى الغناء، الذي يقصد الشباب بالدرجة الأولى، مثل أغنية أحمد مكي "قطر الحياة" التي يحكي فيها قصة شاب قادة الإدمان إلى الوفاة، وأغنية "الكيف" التي قدمتها فرقة "كايروكي" عن التأثير المدمر للمخدرات، وأغنية محمد حماقي "حاول عاند فيها"، التي غناها ضمن حملة مكافحة المخدرات التي أطلقتها وزارة التضامن، وشارك فيها نجم كرة القدم محمد صلاح تحت عنوان يقول للمدمن: "أنت أقوى من المخدرات."

شارك محمد صلاح في حملة إعلانية لمكافحة المخدرات

لكن تماس السلطة السياسية مع المخدرات لا يقف عند حدود الجهد الذي تبذله في التصدي لها، بطريقة مباشرة من خلال تعقف التجار والمتعاطين ومحاكمتهم، وغير مباشرة من خلال الفن والوعظ الديني والتربوي عبر المدارس والإعلام، إنما قد يذهب إلى التماس إلى الأبعد، نجد له مثلًا في ربط أجهزة الأمن في بعض تقاريرها بين انخراط أطفال الشوارع في ثورة يناير وبين وجود قوة ما تمدهم بأقراص "الترامادول"، الذي يعطي متعاطيه قوة بدنية وجسارة مؤقتة. وقد رأينا كيف كان هؤلاء الصغار يتسلقون أعمدة الإنارة والمباني، ولا يبالون بالدماء التي تسيل من أقدامهم وسيقانهم. 

ربما كان هذا هو المعنى المضمر الذي عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي ذات يوم حين قال: "أنا كنت بكلم السادة (أعضاء) مجلس القضاء الأعلى الصبح وقلت لهم تخيلوا أنا ممكن أهد مصر بـ2 مليار جنيه، وهم استغربوا جدًا، قلت لهم أدي باكتة (مخدر البانجو) و20 جنيه وشريط ترامادول لـ100 ألف إنسان ظروفه صعبة، أنزله يعمل حالة (اضطرابات) .. أنا مش هديله عشرين جنيه، الدنيا غليت، أنا سأعطيه ألف جنيه، أنزله 10 أسابيع (للتظاهر)، بما يكلف مليون كل أسبوع لمدة 10 أسابيع، أي بمليار جنيه، أهد بلد فيها 100 مليون أو 105 مليون بمليار جنيه، يعني 30 مليون دولار، فيه ناس بتصرفهم في حفلة".

وهناك من اعتبر هذا الكلام تهديدًا مبطنًا للقوى المعارضة أو لجمهور المتذمرين أو أي قوة أخرى تفكر في التغيير، بأن السلطة قادرة على تحريك هذه القطاعات المدمنة لإحداث فوضى. لكن الإعلاميين التابعين للسلطة فسروا الكلام في إطار شرح الرئيس لبعض مصادر إحداث الفوضى في البلاد.  

وبصرف النظر عن التأويلات المقتصدة أو المفرطة لقول السيسي، فإن ربط "الكيف" بالسياسة ليس أمرًا جديدًا في مصر، بدءًا بالأموال المخصصة من الميزانية العامة للجهود التي تبذلها السلطات الأمنية، ومصادر الضبط الاجتماعي، في سبيل مكافحة المخدرات، وإنتهاء بالمزاعم التي يطلقها البعض حول مصلحة السلطة في تغييب الشباب عن التفكير في أحوال السياسة، وضم المخدرات إلى قائمة الضروريات، التي يلهث خلفها الناس، وتأكل أي وقت يمكن أن يخصصوه للتفاعل الإيجابي مع الشأن العام. 

وفي الغرض الأخير تداول المصريون نكتة إبان ثورة 25 يناير تقول إن مبارك لام وزير داخليته اللواء حبيب العادلي لحربه على المخدرات قائلًا له: "حاربت المخدرات، فقل وجودها في الشارع، فأفاق الشعب لنا، فثار علينا." وهذه الرواية من صنع خيال الناس، لكنها تبين إدراك الشعب لعلاقة المخدرات بالسياسة، أو بالموقف من السلطة تحديدًا، سواء سلبًا أم إيجابًا. وتظهر من جانب آخر كيف يمكن للمخدرات أن تطلق خيال أو وهم في أذهان متعاطيها حول السلطة، فيرضون عنها، أو ينسونها، ولو لبضع ساعات في حياة كل متعاط أو مدمن.

الرئيس السابق محمد حسني مبارك 

كل هذا الاختلاق والاختلاف لا ينفي وجود علاقة غير مباشرة بين الكيف والسياسة، فكثير من الدراسات التي أجريت على عينات من المدمنين للمخدرات أو الخمور أظهرت أن كثيرين منهم يهربون بالمخدرات من ضيق أحوال المعيشة، وبعضهم يبرد غليان نفسه من سوء أداء السلطة. وحتى من يدخنون السجائر أو يحتسون القهوة والشاي يجعلون لهذا الصنف من الهروب أو التسرية نصيبًا من الأسباب التي تدفعهم إلى المداومة على الشراب والتدخين. وللشاعر أحمد فؤاد نجم قصيدة معبرة عن هذه الحالة يقول فيها: 

"نفسي في صنف حشيش

 ينمل الدماغ وينضف النخاشيش

 علشان أنسى طابور العيش

 وأخش في الغيبوبة

 وأنسى مشكلة الأنبوبة

وأنسى بلدنا المنهوبة

 وأنسى اللي بيجهزوه 

علشان يبقى رئيس للمخروبة

 وأبقى مسطول

 وأنسى أي مسؤول."

وفي وصف هذه الحال أيضًا يقول نجيب محفوظ: "الأوضاع السيئة التي عاشها الشعب المصري، كانت سببًا أساسيًا في إقباله على الحشيش لأنه وجد فيه نوعًا من المسكن لآلامه وأوجاعه، يخفف عنه ولو لساعات، ما يمرّ به من هموم وأزمات، حتى أصبح تدخينه بالنسبة إليه عادة شعبية مثل شرب الشاي والقهوة."

أديب نوبل نجيب محفوظ

في المقابل هناك من يدمنون المخدرات من ترف شديد، يدفع بعضهم، خصوصًا الشباب، إلى إدمانها لمواجهة الفراغ والراحة، غير عابئين بأثمانها، المتيسرة في أيديهم، وهذا الترف الممقوت هو بالطبع ابن سياسات اقتصادية أدت إلى تراكم المال في أيدي فئة من الشعب بطرق سهلة.

ويبقى للكيوف نقاط تماس عديدة بين الشعب المصري والسلطة السياسية، أولها التذمر من فرض ضرائب باهظة بشكل متواصل على السجائر والشاي والقهوة، بما يخصم من دخل الأسرة كثيرُا جراء إنفاقها على مزاجها، وهي تكون إما مضطرة لتقليص مزاجها هذا، أو تُبقي عليه لكن على حساب بنود الإنفاق على سلع ضرورية.

والثاني هو غياب السلطة عن مراقبة الغش التجاري الذي يمتد إلى الكيف، حيث أولئك الذين يخلطون الشاي بنشارة الخشب، أو من طحنوا الفول السوداني والبسلة وباعوها على أنها بن، أو خلطوا المعسل بمواد أخرى غير صحية، ليحافظوا على سعره في المقاهي الشعبية، ناهيك عن غش الخمور الرخيصة، ولم يخل الحشيش من الغش إذا صار المنسوب إليه من المخدر المتداول في السوق لا يعلو عن كونه موادا مخلقة تعطي نهكته لكنها ليست هو، أما الحشيش النقي فلا يصل إلا أيدي علية القوم. وكل هذا الغش يؤثر سلبًا على صحة الناس، فيسخطون على سلطة لا تحميهم منه، ويُغبنون، في زاوية أخرى، من عجز هذه السلطة عن توفير العلاج لمن تمرض صدورهم وأكبادهم جراء هذا الغش.   

ويزيد هذا السخط لقيام الدولة في ظل الخصخصة أو الاستحواذ، وهو المصطلح الذي يُطلق الآن على جذب مستثمرين يشترون الشركات المصرية الناجحة، بوضع مزاج الشعب في يد أطراف خارجية، تستغل حاجة المصريين الماسة إلى الكيوف، لاسيما الشاي والسكر والسجائر، وتُغالي في أسعارها، لتزيد من أرباح تجنيها من جيوب شعب يعاني أغلبه من شظف العيش. 

أخيرا فإني لم أقصد بما تناولته هنا الحديث عن المزاج السياسي، الذي ينصرف بالأساس إلى الحالة النفسية للقيادة أو للشعوب، أي المشاعر والانفعالات والتفاعلات التي تنتج المواقف والتصرفات سواء عند متخذ القرار، أو لدى الجمهور العام، إنما قصدت المزاج بمعنى مختلف القيود، والتي يمكنها أيضا أن تمثل عنصرا من عناصر المزاج السياسي بالفعل.