هشام النجار يكتب: حرب الجواسيس في سوريا من عماد مغنية إلى رضا زاهدي

ذات مصر

حدثت مؤخرًا اغتيالات متكررة (منسوبة للموساد الإسرائيلي) لضباط ومستشارين إيرانيين وقادة كبار بالحرس الثوري، وآخرها مطلع أبريل واستهدفت السبعة الذين كان ضمنهم رضا زاهدي (أكبر مسؤول عسكري إيراني في سوريا) ونائبه رحيمي عندما قُصفت القنصلية الإيرانية بدمشق.
لدى الإيرانيين شكوك جدية بأن ضباطًا وقيادات سورية أمنية قد تواطأت ضد الإيرانيين وسربت إلى طرف ثالث ورابع معلومات عن تحركاتهم داخل سوريا.
بينت التحقيقات أن اجتماع القنصلية الذي انتهى نهاية دموية عُقد في غرفة تحت الأرض، في المبنى المجاور للسفارة، الدخول إليه يجري بعيدًا عن أعين العامة وحتى السلطات السورية، وضم زاهدي ونائبه وقياديين عسكريين آخرين عقب مغادرة السفير الإيراني المبنى القنصلي إلى المبنى المجاور عبر ممر داخلي، حيث أتت الغارة الإسرائيلية خلال أقل من 6 دقائق من مغادرته، ما دل على متابعة غاية في الدقة لما يجري داخل المبنى الحصين، وأن زاهدي كان مُراقبًا بدقة منذ مدة طويلة.
هذا الملف تحديدًا يفتح العديد من الملفات المرتبطة الأكثر أهمية والتي يمكن الإشارة إليها ببعض التساؤلات؛ فما هو مستقبل العلاقة بين إيران وسوريا التي تعتبرها طهران أهم حلفائها بالمنطقة خاصة في ضوء موقف الرئيس بشار الأسد من الصراع في غزة وعنوانه غض الطرف وعدم التدخل وفي ضوء التقارب السوري العربي؟
وكيف سيكون التعامل الإيراني -مع سوريا لا مع إسرائيل- في ظل الاستهدافات العسكرية المتواصلة والنوعية للوجود الإيراني بسوريا من جهة استهداف المعدات والأنظمة العسكرية الحديثة والقادة والرموز الأكثر أهمية، مع الحديث الذي لم يعد مكتومًا أو يتم تداوله في الغرف المغلقة إنما في العلن بشأن وجود اختراق أمني أو حتى تغاض سوري كبير، واتهامات من العيار الثقيل دفعت رئيس أحد الأجهزة الأمنية السورية للقول لزواره الذين طرحوا هذا الموضوع أن طرح شبهة من هذا النوع (قد يكسر الجرة بين الأصدقاء)؟
في منتصف أبريل نقلت وسائل إعلام إيرانية عن الجنرال مرتضى قرباني فر كبير مستشاري قائد الحرس الثوري أن تحقيقًا يجري حول ما إذا كان مكان اجتماع قائد قوات الحرس في سوريا ولبنان محمد رضا زاهدي قد تسرب، واستعمل تقرير لوكالة بلومبرغ وصف (الضربة الموجعة) حيث لم تعد تمتلك إيران رأس الحربة الخاص بالحرس الثوري في سوريا.
وتعني الرغبة في تقليص الحضور والنشاط العسكري الإيراني في سوريا رغبة (يبدو أنها ليست فقط لدى الإسرائيليين) في تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا، وهو المحمي بقوتها العسكرية، وهو توجه لعب فيه الجواسيس دورًا حيويًا ومحوريًا لأن الحديث يدور حول إغتيال 18 قائدًا إيرانيًا خلال فترة قصيرة.
الهجمات وفعل الاغتيال المباشر منسوب لجهاز الموساد الإسرائيلي، لكن هناك فاعل آخر خفي يبحث عنه الإيرانيون بالتعاون مع حزب الله بمعزل عن المخابرات السورية.
وذكرت تقارير سورية أن ضباطًا إيرانيين عقدوا إجتماعًا سريًا مع ممثلين للفصائل المسلحة الموالية لها في البوكمال بدير الزور لبحث سبب اختراق تحركاتهم وانتهاك السرية، حضره أيضًا ضباط أفغان موالون لإيران وقادة بالحشد الشعبي العراقي، وتم اقتراح تقديم مكافآت مالية لمن يُدلي بمعلومات عن العملاء والجواسيس داخل صفوفهم بعد عمليات إسرائيلية استهدفت قادة إيرانيين.
يؤشر ما يجري على الأرض السورية إلى أن هناك حربًا موازية تجري على الأرض وهي حرب الجواسيس؛ فمن هم ومن يقف وراءهم، وهل هم -قلوا أو كثروا- مدفوعون بالرغبة في التربح والحصول على المال أن سياقات سياسية هي التي تحكم تحركهم وعلاقاتهم واتصالاتهم المشفرة؟
حرب الجواسيس من إغتيال عماد مغنية إلى إغتيال رضا زاهدي
ما حدث أكد أن العملاء والجواسيس يقومون بنشاط مهم وحيوي في صراع النفوذ الدائر في سوريا بين إيران وإسرائيل وبينهما سوريا، لكنني أنبه هنا أن الأمر ليس وليد اللحظة وليس قبل أشهر قليلة إنما سنوات منذ إغتيال عماد مُغنية في دمشق عام 2008م.
وإذا كانت عملية السفارة قد قتلت أهم شخصية على مستوى الشرق الأوسط في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الذي يدير العمليات بين سوريا ولبنان والعراق وغزة، فعملية العام 2008م قد قتلت من لُقب بالثعلب (عماد فايز مغنية).
لتكن البداية مع أوائل عام 2006 م، حيث وصل مغنية إلى بيروت من جديد بملامح مختلفة وبجواز سفر مختلف، وتسلم بأمر صادر من طهران وبتعليمات من قيادات عليا فى الحرس الثوري منصب رئاسة إستخبارات حزب الله ورئاسة أركان العمليات بالحزب (نفس مهام زاهدي مع الفارق الكبير بين قدرات الرجلين)، هذا إلى جانب مهامه العديدة وأنشطته المعروفة بدقتها وسريتها وخطورتها وإرتباطها بأكثر من جهاز مخابرات فى المنطقة.
فى حين كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يصل بهجومه – منفردًا - إلى نقطة قريبة من المرمى الإسرائيلي، فيصعد من لهجة تصريحاته النارية، ويعيد عبارات الخميني فى الإحتفال السنوي بيوم القدس بأن صفحة إسرائيل ينبغي أن تطوى وتمحى من الزمان، داعيًا إلى (عالم بدون إسرائيل وأميركا)، وإلى طرد إسرائيل من الأمم المتحدة واصفًا إياها بالسرطان الذي يجب إستئصاله! فى ذلك الوقت (فى أوائل 2006 م ) كانت الإستخبارات الإسرائيلية تطلق تحذيرات جادة بأن إيران قد بدأت بالفعل تخصيب اليورانيوم فى منشآت سرية وسط مواقع مدنية وأنها بصدد إنتاج القنبلة النووية مع نهاية 2006 م.
الآن أي بعد 18 عامًا هناك حديث أممي بشأن أن إيران على بعد أسابيع قليلة من إنتاج القنبلة النووية ونحن الآن في العام 2024م، فهل هي لعبة ومناورة وخداع للعالم وللمنطقة تديره إيران مع الغرب؟؟؟ لا أدري.
فى مارس من نفس العام (2006م) وعلى إثر التحذيرات التى أطلقتها المخابرات الإسرائيلية، يعلن موشى يعلون رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق أن بلاده قد أعدت خطة متكاملة لتوجيه ضربة عسكرية للبرنامج النووي الإيراني وأن سلاح البحرية والغواصات النووية ستشارك فى العملية المرتقبة بالتعاون مع أوربا وأميركا، وقد أكدت صحيفة صنداى تايمز البريطانية فى تقرير نشر فى فبراير 2006 م أن أوامر قد صدرت بالفعل من آرييل شارون رئيس الوزراء السابق بالإستعداد لتنفيذ خطة إسرائيلية معدة سلفًا لتوجيه ضربة عسكرية لمنشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية فى نهاية مارس 2006 م.
يعود عماد مغنية إلى طهران بجواز سفره الإيراني الذي يحمل إسم (سيد مهدى هاشمي)، وعلى طائرة الرئاسة الإيرانية، وفى صحبة الرئيس الإيراني نجاد يتوجه مغنية إلى دمشق لحضور الإجتماع المهم والخطير الذي يجمع بين المخابرات السورية والمخابرات الإيرانية وقادة حركة حماس والجهاد الإسلامي بالإضافة إلى الجهاز الأمني لحزب الله ممثلًا فى قائده العسكري ورئيس إستخباراته عماد مغنية (نقلت هذا الخبر وأكدته صحيفة صنداى تايمز عن خبراء أمنيين ومسؤول أميركي سابق فى مجلس الأمن القومي الأميركي) –إنها وحدة ساحات مبكرة- بين كيانات وفصائل ما يُعرف بمحور المقاومة-.
السؤال هو: ماذا تم فى هذا الإجتماع السرى، وماذا تقرر؟
ما تم وما تقرر هو عمليتان نوعيتان متزامنتان إحداهما فى رفح جنوب قطاع غزة والأخرى فى جنوب لبنان شمال إسرائيل. 
الوهم المتبدد:
في أواخر يونيو 2006 م وبعملية نوعية محكمة نفذتها (كتائب القسام) بالتعاون مع جيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين التابعة للجان المقاومة الشعبية، تمكن المقاومون الفلسطينيون من أسر الجندي الإسرائيلي (جلعاد شاليط) فى مدينة رفح جنوب القطاع، وتمكنوا من قتل جنديين إسرائيليين آخرين فى عملية أطلق عليها اسم (الوهم المتبدد).
خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس الذي كان قد زار طهران مرتين وصف عملية الوهم المتبدد وقتها ب (العملية العسكرية النظيفة التي لا تتعارض مع مبادئ الشرعية الدولية).
2ـ أسر الجنود الإسرائيليين في شمال إسرائيل:
لم يمض وقت طويل على عملية الوهم المتبدد فى رفح، وبعد أقل من شهر وتحديدًا فى 12 يوليو 2006 م قام حزب الله اللبناني الشيعي بإشراف مباشر من قائد عملياته ورئيس استخباراته عماد مغنية بعملية نوعية مماثلة فى شمال إسرائيل أسفرت عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة ثمانية وأسر إثنين آخرين فى عملية متقنة وخطيرة كان لها تداعياتها المعروفة.
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط (أكثر المنتقدين للنفوذ السوري والإيراني فى لبنان) وصف العملية بقوله: (إنها مزايدة من حزب الله مدعومة من سوريا وإيران).
المعلومات المتوفرة حول الثعلب (عماد فايز مغنية) قليلة، إلا أن تاريخه المدون بالحبر السري والشفرات والمحفوظ فى دهاليز أجهزة مخابرات العالم حيث كان مطلوبًا لأكثر من أربعين دولة بخلاف الإنتربول، يكشف عن شخصية درامية محيرة غامضة، لكن السؤال المهم والتأسيسي هو من قتله على الحقيقة، ومن سهل الوصول إليه؟
باستعراض العمليات الخطيرة التي نفذها وأشرف على تنفيذها عماد مغنية حول العالم وبالمنطقة وداخل لبنان، نجد أنه لا إختلاف بين الحرس الثوري وحزب الله وأن مهام هذا كان يقوم بها ذاك، والحرب المفتوحة التي  هدد الحزب بها إسرائيل بعد إغتيال مغنية هي مفتوحة فعلًا منذ زمن بعيد وليس الأمر بجديد.
أنكر حسن نصر الله فى تأبينه لمغنية على إسرائيل إغتياله خارج الأرض الطبيعية للمعركة، رغم أن نشاط مغنية نفسه كان خارج هذه الأرض، وثلاثة أرباع العمليات التى قام بها كانت خارج لبنان، ونتائجها خدمت المصالح الإيرانية –من وجهة نظر النظام الإيراني-.
في الثاني عشر من فبراير 2008 تم إغتيال عماد مغنية في حادث تفجير سيارة في دمشق بحي كفر سوسة، وأصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بيانًا ينفي فيه ضلوعه في العملية قائلًا (إسرائيل ترفض أي محاولة من الجماعات الإرهابية إلصاق أي مشاركة لها بالحادث)، وقال (ليس لدينا ما نضيفه بعد ذلك).
إدعت صحيفة واشنطن بوست أن الإستخبارات الأميريكية (سي آي إيه) إغتالت عماد مغنية، بعد عملية المقاومة في شبعا، والذي إعتبر كرد أو كجزء منه على إغتيال المجاهدين في القنيطرة السورية من قبل العدو الإسرائيلي وبحسب الصحيفة، فان السى آى إيه رصدت مغنية أثناء خروجه من أحد المطاعم في دمشق وحين توجه إلى سيارته قام رجال الموساد عن طريق جهاز التحكم عن بعد بتفجير قنبلة كانت مركونة بجانب إحدى السيارات.
ما يلفت نظرنا هنا ونراه الرابط الأقوى والأهم بين الإغتيالين (إغتيال عماد مغنية وإغتيال رضا زاهدي) هو دور الجواسيس علاوة على ما نقله موقع (ديبكا) الإسرائيلي – عام 2008م – عقب إغتيال مغنية نقلًا عن مصادره المتخصصة فى الشرق الأوسط أن إيران لديها رغبة قوية بتنفيذ عملية إنقلاب عسكري فى دمشق للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد وأن هناك تحركات مريبة داخل صفوف الجيش السوري من الموالين لطهران!
أشار الموقع الإسرائيلي وقتها وهو المهتم بالملفات الأمنية والإستخبارية إلى أن هذه الرغبة الإيرانية تعود إلى (الحاجة لإيجاد رئيس سوري شديد الولاء لإيران، فرغم التحالف المعلن بين سوريا وإيران إلا أن طهران تعتقد أن بشار الأسد ليس هو الرئيس المناسب لسوريا فى المرحلة القادمة خاصة بعد الإتصال بأميركا والرغبة التى أبدتها سوريا فى السلام مع إسرائيل والتخوف من أن يكون ذلك بداية تقارب سوري أميركي)!
إذن أرادت طهران مبكرًا (بحسب ما أورده الموقع الإستخبارى  الإسرائيلي) رجلاً لها فى سوريا مثل حسن نصر الله فى لبنان ومنظمة لها فى سوريا مثل حزب الله فى لبنان بحيث لا تجد أى صعوبة فى فرض إملاءاتها وإختياراتها السياسية والعسكرية عليه بدون أية معارضة أو أى نقاش وذلك إستعدادًا لما هو آت وتحسبًا لأوقات الأزمات الضخمة، وهذا ما تحقق بالفعل خاصة مع التدخل الروسى فى الحرب السورية وظهور الخلافات المكتومة بين طهران ودمشق، حيث ظهرت إيران على حقيقتها السافرة وأرادت من الأسد تسليم سوريا بعد خرابها بوصفها ولاية إيرانية ودفع فواتير الحرب من جغرافية سوريا وهويتها ومستقبلها، وأيضًا ما كشفته مؤخرًا الهواجس بشأن شبكة الجواسيس ووجود بوادر خلافات كبيرة بين السوريين والإيرانيين.
فهل هي سلسلة أحداث وحلقات متصلة وتراكمات، وهل قُتل عماد مغنية على إثر إختلاف بين القيادتين السورية والإيرانية، وهل قُتل عندما كان يمارس ضغوطًا ما لصالح إيران؟ هل قُتل عندما كان يمارس أنشطة ما من شأنها إحداث هذا التغيير المبكر الذي تحدث عنه الموقع الإستخبارى الإسرائيلي عام 2008م، والذى وضح كأظهر ما يكون مع مستجدات الحرب السورية، وزاد وضوحًا بعد حرب غزة الأخيرة؟ حيث أن هناك جردة حساب بين الحليفين ودفع فواتير باهظة ومقايضات بنفوذ وقضم جغرافيا وتغييرات في الديموغرافيا، وفي المقابل هناك مواقف سياسية تمسك العصا من المنتصف وتغض الطرف، لكن الأكيد أن هناك جواسيس على الأرض يمدون الموساد بالمعلومات الدقيقة، فيقتل ويغتال بدقة متناهية.
تتحالف سوريا مع إيران وروسيا مع إيران، لكن هناك بين الحلفاء خلافات خفية وتقاطع مصالح ونفوذ، ربما أودى بحياة ثعلب إيران قبل إشتعال الصراع والحرب بسنوات، ومع إشتعالها وفى خضم أحداثها سقطت ثعالب أخرى وقُلمت أظافر وخُلعت أنياب (تسعة عشر ضابطًا وقياديًا بالحرس الثوري)، ليس فقط من عدو لعدو إنما أيضًا من صديق لصديق، ليلجأ حليف إلى حليفه وليفتقر لخدماته وليضطر لإستدعائه وليصبح أضعف من أن يستغنى عنه وعن أسلحته وحضوره وإمداداته، وتاليًا ومع المستجدات والأعباء ومجئ مرحلة دفع الفواتير تتبدل الحسابات. 
لا تستعجل عند سماع خبر إغتيال رمز من الرموز وثعلب من الثعالب فى توجيه الإتهام للخصم المباشر والعدو الصريح (إسرائيل)؛ فالسياسة والصراعات وحروب المخابرات ساحات يستحل فيها الحليف أعز ما يملك حليفه من رموز وشخصيات ومراكز نفوذ وعوامل قوة، وفى النهاية فالحلفاء أصحاب مصالح، سيحققونها وسيسعون لذلك إما برضا الحليف أو بإرغامه وقهره.
تكشف تفاصيل الحرب السورية وتاليًا مرحلة (وحدة الساحات الجديدة) قبل عامين والتي تُوجت بهجوم طوفان الأقصى وتداعياته وتبعاته، آلاف الخيانات والسقطات ما بين الحلفاء وحلفائهم، فالكل يبحث عن مصالحه حتى ولو بالعصف بمصالح حليفه وحتى لو بذبح ثعالبه. 
هل يخرج الإيرانيون من سوريا أم أنها مناورة؟
خروج إيران من سوريا ليس حاجة إسرائيلية ولا أميركية فقط بل سورية أيضًا حيث أن كلفة بقائها أعلى بكثير من الخدمات الأمنية التي تؤديها، علاوة على المكاسب والفوائد التي يطالب بها الإيرانيون مقابل ما يعتبرونه خدمات والمتعلقة بتغييرات ديمغرافية وأرباح طائفية واقتصادية تزيد الاحتقان والانقسام بالمجتمع السوري أو داخل ما بقي متماسكًا من المجتمع في سوريا، حتى لو لم يعبر عن ذلك الرئيس الأسد ودوائر السلطة، وحتى لو كان الرئيس الأسد ليس على علم شخصيًا بضلوع جواسيس سوريين في خطط اغتيال القادة العسكريين الإيرانيين.
فهل تخرج إيران من سوريا تحت هذا الضغط الإقليمي والدولي والداخلي (وإن كان الأخير غامضًا وغير مباشر والضالعون به مخفيون مجهولون يتعاملون بالشفرات والحبر السري)؟
وفقًا لفرانس برس قال مصدر مقرب من حزب الله (أخلت القوات الإيرانية منطقة الجنوب السوري وانسحبت من مواقعها في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة في جنوب البلاد خلال الأسابيع الماضية).
من الزاوية الإستراتيجية يبدو خروج إيران من سوريا دون رجعة مستحيلًا؛ ويكفي فقط إلقاء نظرة على ما تعنيه سوريا في الأدبيات الإيرانية لطهران إستراتيجيًا.
في يناير عام 2013م أكد مهدي طائب (رئيس قاعدة عمار وشقيق حسين طائب الرئيس السابق لإستخبارات الحرس الثوري الإيراني) على الأهمية الإستراتيجية لسوريا للنظام الإيراني حيث قال عبارة موحية وهي :( سوريا هي المحافظة رقم 35 بالنسبة لنا، وهي محافظة إستراتيجية للغاية، ففي حال هاجمنا العدو وسعى للسيطرة على سوريا أو خوزستان ستكون الأولوية لحماية سوريا، فإذا تمكنا من الحفاظ على سوريا فسيكون بإمكاننا استعادة خوزستان أيضًا بينما في حال خسرنا سوريا فلن نتمكن من الاحتفاظ بطهران أيضًا.
في نفس المعنى وذات السياق قال اللواء رحيم صفوي كبير المستشارين العسكريين للمرشد على خامنئي :( لقد وصلت قوة نفوذ إيران من محور إيران والعراق وسوريا إلى البحر الأبيض المتوسط مما يمثل المرة الثالثة التي يمتد فيها نفوذ إيران إلى هذا البحر، لم يعد خطنا الدفاعي يقتصر على الشلامجة، بل باتت حدودنا الدفاعية تشمل جنوب لبنان مع إسرائيل، مع وصول عمقنا الدفاعي الإستراتيجي إلى حافة البحر الأبيض المتوسط وفوق رأس إسرائيل).
ومن منطلق فهم سوريا من منظور العقيدة الإستراتيجية للنظام الحاكم في إيران نستطيع قراءة التحركات العسكرية الأخيرة باتجاه تقليص الحضور العسكري الإيراني والانسحابات التي يمكن أن تكون تكتيكية مؤقتة حتى تمر العاصفة ولامتصاص الضربات المباشرة وغير المباشرة والمعلنة والخفية، وأيضًا لكسب مساحة من الوقت لالتقاط الأنفاس والتوصل لخطوط وأركان ومحاور شبكة التجسس التي أوقعت بهذا العدد الكبير من القادة العسكريين الإيرانيين داخل سوريا.
أرى كما رأى آخرون أن اضطرار طهران لتقليص وجودها العسكري هو إجراء مؤقت تكتيكي لتحقيق أهداف بعينها منها على سبيل المثال؛ منح الرئيس الأميركي انتصارًا شكليًا في المنطقة لحين فوزه بولاية ثانية، علاوة على أن الإيهام مؤقتًا بالانسحاب يمنح الإيرانيين وحلفاءهم فرصة للتعرف على شبكة الجواسيس التي تسرب المعلومات وتنقلها للإستخبارات الإسرائيلية.
[email protected]