علي الصاوي يكتب: عاطف معتمد الثائر الصامت

ذات مصر

عندما تُفتش بين ركام الغث المتزايد في مجتمعات تعيش التراجع والسقوط في كل شيء، لا تعدم من أن تجد قبسا من نور يتلألأ من بعيد يرفع عنك غمامة الجهل المتفشي ويبث في نفسك نسمات الأمل، لتخبرك الحياة أنها بخير وما زالت تحمل في بطنها كل مفاجئ وجميل مهما ساد القبح وتعملق الفساد.

نفحات ثقافية نقرأها كل يوم على صفحة أستاذ الجغرافيا الدكتور عاطف معتمد تنهل من الينابيع الأولى بدقتها وأصالتها لتتجلى في كلماته ورحلاته العبارة التي تقول: إن الجغرافيا فكر وفن وفلسفة، فكر بمادتها وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظريتها.

فكان من وجهة نظري الأجدر بين نظرائه على ترجمة تلك العبارة في سطور رفيعة الذوق والأدب ورشيقة في الأسلوب والشرح والتبسيط، فلا يطيب التصفح على الفيس بوك كل يوم إلا بأكل وجبة جغرافية دسمة ممزوجة بروائح ومذاقات من الشرق والغرب. 

ما دفعني لكتابة هذا المقال ليس معرفة شخصية بالدكتور، وهذا شرف لم أحظ به بعد، لكنني قرأت منشورا على صفحته يقول فيه: إن هناك من وصفه بالانهزامية وآخر نعت ثقافته بالضحلة، وأننا نعيش في زمن المسخ كون هناك من يهتم بما يكتب عاطف معتمد، هذا الهجوم جاء عطفا على رأيه في الأحداث الإقليمية، وكعادته رد عليهما بأدب واعتراف وشجاعة، لكن يبقى السؤال:

لماذا يُصر البعض من خلال كلماته السلبية على أن يُطفئ أي ضوء قادم من بعيد وإن كان خافتا؟ ما المصلحة في الهدم المعنوي لكل من يحاول توعية الناس وتبصيرهم بما استُغلق عليهم؟

فالرجل أتابعه منذ فترة وأتفاعل أحيانا مع ما يكتب، إما بالتعليق وإما بالاكتفاء بالقراءة، فلم أر سوى قلم ينبض بالصدق والحيوية، وجرأة في مناقشة مواضيع جغرافية في غاية الأهمية؛ خاصة عن مصر وصحرائها وأطرافها التى لا يعرف كثيرون عنها أى شيء.

إذن، الرجل لم يشتبك مع فن ليس فنه ولم يشخصن الجغرافيا لتشويه صورة هذا أو ذاك، بل يطرح فكره ورأيه ويرحب بآراء الجميع بصدر رحب، فلا طائل من وراء هدم أي رمز فكري تنويري وتهمشيه بالقول أو بالفعل إلا الخسارة وإطفاء مصابيح فكرية تنير طريق الجهل للعوام، في زمن توارت فيه شمس الحقيقة وراء سحب من الغيوم والضباب.

فلا تدفعوا أمثال هذا الموسوعي البارع إلى العزلة إيثارا للسلامة واحتراماً للذات من ذوات الألسنة الحِداد، مَن ليس لهم خير في قول سديد أو ذكر في عمل نافع، بل تابعوه وتفاعلوا معه قدر المستطاع. 

يقولون إن الأسلوب هو الرجل، وقد برع الدكتور عاطف في مزج الأدب بالجغرافيا شكلا ومعنى ليضيف أسلوبا جديدا في الكتابة أطلقت عليه أسلوب "الأدبوجرافيا" ليتفرد به هذا الأكاديمي الراسخ في العلم المتمكن من أدواته في طرح مسائل صعبة الفهم عسيرة الهضم على كثير منّا، لكن أكثر ما لفت نظري في كتاباته هو ثورته الصامتة حول سوء الأوضاع في العالم العربي، كأنه حين يتحدث في هذا الشأن يتحدث بصوت مبحوح وصراخ صامت، فلا أحد مثل الجغرافي يعرف القصة الحقيقية، حتى أنهم يقولون في السياسة: إن الخرائط دائما هي التي تروي القصة الحقيقية.

ويبدو أن دكتور عاطف معتمد حاز سر تلك الخرائط، فساح بقلمه بين حقائقها هنا وهناك ليُعلّمنا ما لم نكن نعلم.