هلال عبدالحميد يكتب: محليات مصر وتركيا بين التعيين والانتخاب

ذات مصر

نشرت الجريدة الرسمية بتاريخ ٢٩يناير ١٩٩٧  وبعددها ٤ ( مكررًا) قرار رئيس الجمهورية رقم ٢٠لسنة ١٩٩٧ الخاص بدعوة الناخبين لانتخابات المحليات ، ومع بداية استعداد المرشحين للاتتخابات، كنت ومجموعة من الشباب بالمعارضة والمستقلين  وقتها قررنا الترشح،  وقمنا بتجهيز مستندات الترشح بالفعل.
قام الشباب بعمل توكيلات لي وكنا بمركز ساحل سليم مجموعة من الشباب المعارضين للحزب الوطني الذين قرروا الترشح ضد مرشحي الحزب الوطني. وبلغ عدد من عملوا التوكيلات لي  وقرروا الترشح ٢٩ مرشحًا، وما إن بدأ فتح باب الترشح وبدأت تقديم المستندات بموجب التوكيلات حتى بدأت الضغوطات من كافة أجهزة الدولة على المرشحين المعارضين: حزب الدولة الحزب الوطني بدأ حملة اغراءات وتهديدات، كل وكلاء الوزارات استدعوا مرشحي المعارضة وهددوهم بالويل والثبور وعظائم الأمور والتقل للوادي الجديد ان لم ينسحبوا من الانتخابات ، أمن الدولة استدعى بعض من صلبوا، ومع قفل بال الترشح صفصفنا على٥ مرشحين فقط، واتذكر أنه لم يكن غيرنا  من المعارضة على مستوى محافظة أسيوط ، كنا (٤) من حزب التجمع وهم : يحيى محمود مدرس ، جمال عبدالحفيظ ( رحمه الله ) موجه وكاتب المقال مدرس ومرشحان مستقلان هما : الشيخ عمر على حسن إمام مسجد، أحمد عبدالرحيم موظف بالإدارة الزراعية.
قامت أجهزة الدولة  بكل ما تملك من وسائل ضغط  وفي النهاية لجأت للخيار الأخير، وزوروا ضدنا الانتخابات. واسقطونا في عملية تزوير بشعة.
جمعنا أدلة التزوير. وتوجهت لمركز المساعدة القانونية لحقوق الإنسان لمؤسسة قديس اليسار المصري أحمد نبيل الهلالي والحقوقي الملاك أحمد سيف الإسلام- لروحيهما السلام - ، عملنا التوكيلات وكلف المركز وقتها ثلاثة من المحامين الشباب الرائعين: خالد علي. طارق خاطر.طاهر أبو النصر.
قمنا – نحن المرشحين الخمسة-بجمع كل أدلة التزوير، وقام المحامون بكتابة عريضة الدعوى وتقديم مستنداتها وتم قيدها برقم ١٥٧١ لسنة ٨ ق قضاء إداري بأسيوط ،  وتداولت الجلسات حتى حكمت المحكمة  بإلغاء قرار محافظ أسيوط رقم ٦٦٩ لسنة ٩٧ فيما تضمنه من إعلان نتيجة انتخابات المجلس الشعبي المحلي عن دائرة ساحل سليم محافظة أسيوط، والزام جهة الإدارة بأن تؤدي للمدعين مبلغ ٥٠٠ جنيهًا لكل منهم) وذكرت المحكمة في حيثياتها كل عمليات التزوير الممنهج ومن بينها مشاركة الأموات في العملية الانتخابية، وكان دفاعنا قد طلب كل أوراق العملية الانتخابية، وكنت أذهب للمحكمة وأفرز هذه الأوراق، و واسجل ما اراه مفيدًا-حسب مناقشات مع الأساتذة المحامين وارسله لهم  ليكتبوا مذكراتهم.

صدر الحكم ولم ينفذه المحافظ اللواء أحمد همام وقتها، فأنذرناه بالعزل من الوظيفة والحبس.  فنفذ الحكم.  وحل كل المجالس الشعبية المحلية ( قرى ومركز ومدينة ومحافظة  عن دائرة ساحل سليم، وبعد قرار الحل-لم نحصل على التعويض حتى الآن -وبدلًا من إعادة الانتخابات كاجراء قانوني أصدر قرارًا آخر  بتعيين من شملهم قرار الحل كأعضاء بمجلس محلي مؤقت استمر لنهاية الدورة!

هذه حكاية قد تبدو مملة، ولكنها تظهر لنا مدى الاهتمام السلبي لأجهزة الدولة بانتخابات المحليات ورغبتها في السيطرة على كل المقاعد . بلا استثناء  حتى إنها لم تسمح بمرور ٥ أعضاء  من (١٢٦٦) مقعدًا مطلوبين لشغل مقاعد المجالس المحلية وقتها بأسيوط!
وما تم في كل انتخابات المحليات في مصر قبل ثورة ٢٥ يناير كان يسير على نفس نمط الهيمنة الكاملة لأجهزة الدولة على انتخابات المحليات عبر تزويرها من بداية فتح باب  الترشح ومرورًا بتجهيز مستندات الترشح وعرقلة  استخراج المعارضين لها ومنعهم بالطريق الإداري وحتى التزوير الفاضح لمن يستطيع الوصول لإدراج اسمه بقائمة المرشحين وحتى يوم التصويت وإعلان النتائج ،  وهو نفس ما أكدته محكمة القضاء الإداري في حكمها التاريخي في الدعاوى ( ٢٢٥٧٥،٣٠١٩٥،٢٦٤٣٨،٢٨٠١٠،٥٩٥٤٨،٣١٤٥٥) لسنة ٦٥ قضائية بجلسة ٢٨-٦-٢٠١١ ، والذي أكد أن المجالس المحلية كانت أداة من أدوات النظام الذي اسقطه الشعب.

وفي الوقت الذي سيطر فيه نظام مبارك ،  وكل الأنظمة السياسية قبله-منذ١٩٥٢  على المجالس المحلية، وتسيطر عليها سيطرة تامة، بل وتجعل هذه المجالس كاداة من أدواتها بدلًا من كونها أداة الشعب لمراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، فان نظام ما بعد يونيو ٢٠١٣ يخالف الدستور مخالفة صريحة ولا يجري انتخابات المحليات،خلال الفصل التشريعي الأول بعد إقرار  الدستور (٢٠١٥/٢٠٢٠) في مخالفة صريحة للمادة  242من  الدستور والتي تنص على: 
(يستمر العمل بنظام الادارة المحلية القائم الى أن يتم تطبيق النظام المنصوص عليه فى الدستور بالتدريج خلال خمس سنوات من تاريخ نفاذه، ودون إخلال بأحكام المادة (180) من هذا الدستور).
في مخالفة دستورية متواصلة لمدة ٨ سنوات ، بالتأكيد هناك رفبة  استمرار عمل المحليات بكل فسادها بدون اية رقابة حتى لو كانت  شكلية وعبر انتخابات مزورة!
 

هذا ما يحدث في مصر
فماذا عن محليات تركيا؟!
 

خرج الرئيس رجب طيب اردوغانععقب إعلان النتائج الرسمية لانتخابات المحليات ليقر بخسارة حزبه للانتخابات وبانتصار ديمقراطية بلاده، التي لا تجعل أعضاء المجالس المحلية فقط بالانتخابات ولكن كل رؤساء البلديات والمدن والاحياء بالانتخاب. 
 
وعلى الرغم من سيطرة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان هو الحزب الفائز برئاسة الجمهورية وغالبية مقاعد مجلس النواب والذي يشكل الحكومة، إلا ان انتخابات المحليات  تجرى في ظل  أجواء ديمقراطية ونسب مشاركة  عالية للغاية، ودورة وراء دورة تفوز المعارضة بنسب كبيرة في انتخابات المحليات وتحصد مقاعد رئاسات مدن كبرى كأسطنبول. وانقرة وازمير وانطاليا واجنه وافيون وغيرها من البلديات المبرى التي تفوز بها المعارضة

وفي الانتخابات المحلية الأخيرة، التي أجريت في اليوم الأخير من شهر مارس الماضي، وأعلنت نتائجها، جاء ترتيب حزب العدالة والتنمية الحاكم في المرتبة الثانية بانتخابات المحليات بعد حزب الشعب الجمهوري المعارض، والذي حصل على٣٧،١٪؜ من أصوات الناخبين ، وجاء بعده الحزب الحاكم بـ ٣٥،٩٪؜
بينما توزعت بقية النسب على أحزاب معظمها معارضة وحزب متحالف مع العدالة والتنمية، وبلغت عدد الأحزاب المتنافسة ببعض البلديات لـ ٢٢ حزبًا غير المستقلين الذي يصلون لهذا العدد.

لم تتدخل جهة الإدارة ولم تتدخل الأجهزة الأمنية في تركيا في انتخابات المحليات، ومُنى الرئيس اردوغان وحزبه بهزيمة  ساحقة ولم تهب أجهزة الدولة لنجدته، بل اختار الشعب من يمثله، فلماذا تستكثر الاحهزة في مصر على الشعب المصري حقه الدستوري في انتخابات حرة ونزيهة تعيد للشعب بعض الأمل في أن نصبح دولة لا شبه دولة؟!  
وعلى الرغم من الاتفاق الوحيد بين أحزاب الموالاة وأحزاب المعارضة في الحوار الوطني المصريحول سرعة اصدار قانون المحليات واتفاقهم على النظام الانتخابي ( ٧٥٪؜ بالقائمة المطلقة، و٢٥٪؜ بالقائمة النسبية المتناقصة ،ورفع إدارة الحوار  لهذه المقترحات لرئيس الجمهورية إلا أن  مشروع قانون المحليات لم يناقشه مجلس النواب بعد وربما يظل هكذا لآخر دور انعقاد في الفصل التشريعي الثاني، لتستمر مخالفة الدستور الصريحة لسنوات آخرى.!