هلال عبدالحميد يكتب: حوار مع بيتر .. الانتخابات وغزة والمقاومة

ذات مصر

نزلت من الاتوبيس بشارع مراد حاملًا حقيبة كتف، وعائدًا من سوهاج بعد المشاركة في مؤتمر انتخابي لمرشح رئاسي ، سرت من موقف الاتوبيس بشارع مراد بالجيزة متوجهًا لموقف ميكروباص ٦ أكتوبر  أمام مستشفى الطلبة بميدان الجيزه،شاهدت عددًا من الطوابير الطويلة جدًا، ولا توجد ميكروباصات، وقفت في إحداها وكانت الساعة السادسة  والنصف صباحًا، بعد ربع ساعة من الوقوف بالطابور وكنت منهكًا وخائر القوى بعد يوم وليلة طويلة، لم أنم إلا وقتًا قليلًا جدًا بالاتوبيس  فكرت في الحل الفردي، وطلبت سيارة عبر أحد تطبيقات السيارات، وقبل بيتر طلبي   ، انتظرت ٩ دقائق حتى وصوله، فغادرت الطابور وركبت.


كان بيتر شابًا أربعينيًا  يبدو عليه العبوس والملل والأرق،أشار منفعلًا  لشاب آخر يقطع أمامه الطريق، وقال له منفعلًا : أنت ماشي وأنت نايم؟! 
انطلقت سيارة بيتر الصينية ( اسبرينزا) والتي تعني بالإيطالية الأمل، وكان الصمت مطبقًا بيننا، كنت استرق النظر لبيتر فاجده عابسًا، متجهمًا ، فخشيت من فتح أي حوار، فالرجل يبدو عليه الهم، وأنا أيضاً.

ولكنني قاومت الصمت وبعد فترة  قلت: هي الانتخابات إمتى يا بيتر؟! 
متجهمًا، ومحاولاً قطع الحوار: لا عارف ولا عايز أعرف! 
• قلت: ليه مش هتروح تصوت؟!
•• قال: أصوت إيه؟! ، وفايدته أيه؟!هو اللي خِرب هيتصلح؟!، ومين اللي هيصلحه، ومين هيسيبه يصلحه؟!
وواصل بيتر كالطوفان: وهو فيه أي فرصة لحد يمسك تاني؟!
قلت: بس الأوضاع صعبة ومحتاجة تغيير؟!
قال: لا مش صعبة دي مستحيلة، واللي جاي لا يطاق، لسه فيه تعويم وخراب بيوت، واحنا مش عارفين هنعمل ايه؟!
قلت: بس التغيير هييجي هييجي ولو مجاش بالصندوق هييجي بطرق عنيفة .
قال متسائلًا، ومجيبًا: هو ايه اللي حصل في ثورة ٢٥ يناير؟! 
 

وواصل بيتر: الناس اللي قامت بالثورة هي الناس المستورة اللي عايشه من شغلها وقادرة تصرف على بيوتها وتربي عيالها، بعيدا عن الدولة وتعليمها وعلاجها ، وكانت ناس واعية وفاهمة، والشعب طلع معاهم ، ولما الجيش لقى الشعب ركب باع مبارك، وحكم لغاية ما عمل انتخابات،والاخوان طمعوا، والجيش سابهم يطمعوا لغاية ما غرقوا 
قلت: يعني الناس لما تزهق هتعمل ثورة؟!
 

قال:  ثورة ايه بس الناس اللي كانت مستورة بقت بتشحت، وبقينا بنلف ف ساقية، ومش قادرين حتى نتكلم مع عيالنا 
كنت انظر إلى وجهه بين الفينة والفينة فاسترسل بيتر : انا مهندس في  شركة كبيرة ومراتي موظفة وكان عندنا عربيتين وعايشين عيشة كويسة،من فترة بسيطة  اضطرينا نبيع عربية مراتي، وزعلت شوية وبقت تركب مواصلات لشغلها،وفكرت أأجر العربية دي كمان لكن كنت هستلمها خرده،فقلت اشتغل عليها قبل مواعيد الشغل دورين واشتغل يوم الجمعة والسبت، حتى علشان نقدر نوفر تمن البنزين.

استرسل: صدقني ما قادر اقعد أتكلم مع الأولاد شوية، فعايزني افكر ف السياسة، احنا خففنا كل حاجة كنا متعودين عليها، أكل وفسحة ومش قادرين نواصل

ومؤكدًا قال: يا عم دا الموضوع خطير، دا ممكن نتحبس في بوست، مين بقى يصرف على العيال ؟!

 قلت لبيتر : المفروض علشان كل ده نحاول نغير بالانتخابات 
قال: مفيش فرصة، ومفيش أمل 
قلت: بس اليأس وفقدان الأمل عواقبه مدمرة 
قال بيتر: ما باليد حيلة، هي مسرحية زي مسرحية الحرب على غزه اللي بيروح ضحيتها الناس الغلابة

 قلت إزاي الحرب على غزه مسرحية؟! 
قال:هي إسرائيل مكنتش عارفة انه حماس بتعمل سلاح وبتجهز جيش؟!
قلت : لا طبعًا إسرائيل عامله حصار على الشعب الفلسطيني، وغزه حصارها محكم، لكن المقاومة في أي حته في العالم عندها  إرادة وحلول ومحاولات ودايما بتنتصر، والمقاومة ف فلسطين هتنتصر .
واضفت يا ترى عصر الشهداء ف مصر لما الاقباط قاوموا الرومان واضطهادهم، مش الكنيسة ورجال الدين،كانوا في طليعة المقاومة، الدفاع عن الوطن مش سياسة خالص

قال: صدقني كلنا تعبانيين وبننزف، وكويس انه فيه حد متفائل وبيحاول زيك 

كنت استمع لبيتر أكثر مما اتحدث، وقد تحدث عن مخاطر التعويم، وقال: المشكلة اننا مش قادرين نعمل مصادر دخل للعملات الأجنبية، وبنستورد كل حاجة، واي تعويم رسمي بعد الانتخابات هتكون السوق السودا ضعفة، لأننا محتاجين دولارات ومعهدناش كفاية فالتعويم مش هيحل الموضوع

وقال بيتر: تقدر تقلي الغلب  ده هيتحل ازاي ؟!
قلت: شوف برامج المرشحين، واكيد تغيير السياسات هيصلح زي بلاد كتير كانت زينا
قال: انت عمرك شفت بلد مشيت بوصفة صندوق النقد ونجحت ؟!
قلت: لا بصراحة،   الحقيقة بس فيه ناس كان وضعها اصعب مننا وحصل فيها تغيير سياسي وتقدمت جدًا، وسددت ديونها وبطلت تستدين.
عند باب بيتي انتهى الحوار مع بيتر الذي قال : ربنا يوعدنا 
عزمته على كباية شاي فشكرني  وهو يضحك،  أخيرًا : يا ترى عندكم سكر ؟!

ككل المصريين حول بيتر المشكلة لنكته ضحنا عليها معًا ومضى.